خلال تغطيتهم المسيرات الاحتجاجية على مقتل نزار بنات، تعرّض الصحافيون الفلسطينيون للضرب وتكسير كاميراتهم ومصادرة هواتفهم النقالة في بعض الأحيان. هذا القمع استدعى تحركات احتجاجية فردية وجماعية، واستنكاراً واسعاً. ومنذ الإعلان عن مقتل بنات، بعد اعتقاله في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، شهدت عدة مدن في الضفة مسيرات وفعاليات احتجاجية على مقتله، وشهدت مسيرات وفعاليات في رام الله وبيت لحم قمعًا واعتداءً من قبل الأمن الفلسطيني للمشاركين فيها، وخلالها تم قمع الإعلام عبر الاعتداء على عدد من الصحافيين.
تمزيق البطاقات يلفت الأنظار
احتجاجًا على استهداف الصحافيين، وعدم حمايتهم من قبل نقابة الصحافيين الفلسطينيين بالشكل المطلوب خلال الاعتداء عليهم أثناء تغطيتهم للمسيرات والاحتجاجات على مقتل المعارض السياسي نزار بنات، مزّق صحافيون بطاقاتهم الصحافية، مطالبين بحمايتهم. يبدو أن بعض الصحافيين لجأوا إلى تمزيق بطاقاتهم، كخطوة للفت الأنظار، في ظل عدم مقدرة نقابة الصحافيين على حمايتهم. يقول الصحافي خلدون مظلوم، الذي يعمل في "وكالة سند للأنباء"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "أقدم على تكسير وتمزيق بطاقته الصحافية الخاصة بعضوية نقابة الصحافيين، لعدم حماية النقابة الصحافيين من اعتداء الأجهزة الأمنية في أكثر من مرة وفي أكثر من مدينة على الصحافيين، حيث قمنا بتمزيق البطاقة كخطوة احتجاجية على عدم تحرك النقابة بشكل فاعل واكتفائها بالبيانات، وهي خطوة للفت الانتباه إلى ما يحدث للصحافيين من اعتداءات من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية". ويتابع مظلوم "تواصلنا مع النقابة في أكثر من مرة على ما يجري، وكان رد النقابة ببيان أو شجب، ولم يكن لهم خطوة فعلية على الأرض لحماية الصحافيين"، لافتًا إلى أن هذه "الخطوة جاءت من باب الاحتجاج، والأمر لا يقصد به إهانة النقابة، ويأتي كنوع من مطالبة النقابة بأخذ دورها بشكل فاعل أكثر، وليس الاكتفاء بالبيانات".
وكان مظلوم نشر على حسابه في موقع "فيسبوك" صورة لتمزيق بطاقته الصحافية، وكتب تعقيبًا عليها، "تنديدًا بما يحدث من قمع واعتداء على الحريات والزملاء الصحافيين خلال تأدية عملهم، وتزامنًا مع تقاعس نقابة الصحافيين عن أداء دور حقيقي لها بعيدًا عن البيانات #ممنوع_التغطية، #الصحافة_مش_جريمة".
أما الصحافي مصعب قفيشة فنشر على حسابه في "فيسبوك" صورة عن بطاقته بعد تمزيقها، وكتب: "تضامناً مع زملائي، ورفضاً لقمع الصحافيين المستمر منذ يومين، وفي ظل تقاعس النقابة عن حماية الصحافيين، #ممنوع_التغطية". في حين، مزق الصحافي معاذ حامد بطاقته ونشر صورتها على حسابه في "فيسبوك"، وكتب: "فش داعي إلها، نقابة لا تحمي الصحافي الفلسطيني، لا يمكن الاستمرار بها".
المصور الصحافي سامر نزال أقدم على تمزيق بطاقته الصحافية ونشر ذلك على صفحته على "فيسبوك" أيضاً. ويوضح لـ"العربي الجديد": "ليست المرة الأولى التي تحدث فيها تلك الاعتداءات على الصحافيين، سواء من الأجهزة الأمنية بلباس رسمي أو مدني أو متظاهرين، وفي أكثر من مرة طالبنا النقابة بملاحقة الفاعلين، وحماية الصحافيين، لكن النقابة كان موقفها أقل من المطلوب، وبالتالي لم تعد هناك حاجة لحمل بطاقة النقابة لأنها لا تحمي الصحافي". يشير نزال إلى أنه اتخذ هذه الخطوة حين رأى أن زملاءه الصحافيين يتعرضون للضرب على مدار الأيام الماضية، "كنوع من الاحتجاج ضد ما حدث، نحن لم نقصد الإساءة للنقابة، بل هذه طريقة احتجاجية حضارية من أي طرق أخرى، ونحن نريد لفت انتباه النقابة إلى ما يجري". واعتبر نزال بيان النقابة الذي أعلنت فيه مقاطعة أخبار الحكومة والرئاسة والأجهزة الأمنية، ليس كافياً، إذ "يفترض أن يتم التحرك بشكل أكبر لحماية الصحافيين، لأن الصحافيين ليسوا طرفًا فيما يجري، وحقهم مكفول وفق القانون الأساسي الفلسطيني".
من جهته، لجأ الصحافي أحمد البديري إلى إعلان استقالته من نقابة الصحافيين الفلسطينيين، مشيراً إلى أن خطوته هذه تأتي في ظل تخلي النقابة عن دورها النقابي، وأن شرعيتها منتهية منذ ست سنوات، مطالباً أيضاً بعودة مقرها إلى القدس.
النقابة: لا خطوات تلجم الاعتداءات
بعد الغضب والاحتجاج على عدم حمايتهم، دعت نقابة الصحافيين الفلسطينيين كافة الصحافيين ووسائل الإعلام الفلسطينية والعربية العاملة في فلسطين، إلى مقاطعة أخبار الرئاسة والحكومة الفلسطينية حتى تحقيق مطالبها. وطالبت النقابة في بيان صحافي، ليل الأحد، رئيس الوزراء محمد اشتية وبصفته وزيراً للداخلية أيضاً، بإقالة قائد الشرطة على خلفية تقاعس الشرطة عن تأمين الحماية للصحافيين الذين تم الاعتداء عليهم ومنعهم من التغطية وتهديدهم من قبل عناصر بالزي المدني، على مرأى من عناصر الشرطة، يوم الأحد.
وطالبت النقابة أيضًا بتقديم اعتذار واضح للصحافيين، والتعهد باحترام فعلي لحرية العمل الصحافي والتغطية، أيا كانت الأحداث وطبيعتها. وقالت إنّه "في حال تواصل هذه الاعتداءات على الصحافيين، فإن لدى النقابة خطوات أخرى ستعلن عنها في حينه".
ودعت النقابة الأطراف التي تنزل للشارع إلى تحييد الصحافيين، وعدم المسّ بهم وبعملهم، باعتبارهم ناقلين للحدث وليسوا جزءًا منه، فيما أكدت أنها "ستشرع في الملاحقة الجنائية لكل من يثبت تورطه في الاعتداءات على الصحافيين بأي طريقة كانت".
يؤكد عضو الأمانة العامة لنقابة الصحافيين الفلسطينيين، عمر نزال، في حديث لـ"العربي الجديد"، أننا "نتفهم غضب الصحافيين من حجم الانتهاكات التي تقع عليهم، لكن النقابة في المقابل تقيم خطواتها بناء على المعطيات المتوفرة لها". وقال "ندرك أن نضالنا هو نضال نقابي، وهو بحاجة لنفس واستمرار"، مضيفاً أنّه "لا توجد لدى النقابة خطوات تمكنها من لجم الاعتداءات بحق الصحافيين، وهناك قطاع واسع من الصحافيين مقتنع بما تقوم به النقابة". وحول احتجاجات الصحافيين على ما يجري من اعتداءات عليهم، يقول نزال إن "الصحافيين الذين مزقوا بطاقاتهم تسرّعوا في هذه الخطوة، ولم يحسبوا كل الأمور بشكل صحيح، رغم تفهّمي لغضبهم، وتمزيق البطاقة قد يكون إهانة للنقابة، والنقابة يجب أن يكون لها احترامها وهيبتها وقدسيتها أمام المجتمع".
مقاضاة ومطالبات بحماية دولية
الصحافيون ونتيجة الاعتداءات عليهم، لم يكن أمامهم سوى المطالبة بحمايتهم من مؤسسات دولية، فيما يسعون لتقديم شكاوى لدى القضاء الفلسطيني على كل من يثبت تورطه في الاعتداء على الصحافيين. وحول الموضوع، وجّه أكثر من 30 صحافيًا فلسطينيًا، يوم الإثنين، مذكرةً عاجلة إلى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في رام الله، خلال وقفة نظمها الصحافيون أمام المكتب الأممي. سلّمت المذكرة إلى موظفي المكتب لأن المفوض جيمس هينن غير موجود، لمنعه من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي من دخول الأراضي الفلسطينية. وطالب الصحافيون في مذكرتهم الأمم المتحدة بحماية عاجلة لهم، موضحين أن تلك المطالبة "تأتي بعد أن كانت حرية الرأي والتعبير صعبة وخطيرة، إلى أن أصبحت حرية حركة الصحافيين صعبة وخطيرة". وأكدوا أنه "لا يمكن لأي صحافي أن يغطي مظاهرة من دون كسر كاميراته وسحله وضربه وسط توجيه الشتائم له وسحب هاتفه النقال ومنعه من التغطية، حيث يتم وضع حاجز بشري من الأمن بين الصحافيين والمتظاهرين ويمنع الصحافيون من التحرك".
بعض الصحافيين ذهبوا في الاحتجاج إلى خطوة أخرى، ونشروا رسالةً خاطبوا بها الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الحقوقية الدولية لحمايتهم، وفق ما تنص عليه القوانين، أثناء عملهم، في ظل ما يجري. وكان من بينهم الصحافيان إياد حمد وأمير أبو عرام، اللذان نشرا تلك الرسالة موقعةً باسميهما على "فيسبوك". وأشار الصحافيان حمد وأبو عرام إلى تعرّضهما برفقة زملائهما منذ أيام لاعتداء وتضييق ومنع للعمل الصحافي بحرية. وينوي الصحافيون الفلسطينيون، خلال الفترة المقبلة، استكمال خطواتهم عبر رفع دعوات جزائية أمام النيابة العامة الفلسطينية والنيابة العامة العسكرية الفلسطينية، ضد الأشخاص الذين ثبت تورّطهم في ضرب وسحل الصحافيين.