يضم استديو التحليل المتطور والأنيق في قنوات beIN SPORTS ثلاثة محللين، بالإضافة إلى محاور يدير الحوار بين المشاركين، ويشارك في التعليق على مجريات المباريات. يفعل ما يفعله مديرو الحوارات والمقدّمون، أي إنه يوزّع الأسئلة على الضيوف، ويتبادل الأفكار معهم. يبدو واضحاً للمتابعين عموماً، وليس فقط للذين يتابعون بطولة كأس الأمم الأوروبية الأخيرة، أن المحطة في تغطيتها تحرص على عاملين أساسيين: العامل الأول هو التنويع قدر الإمكان في جنسيات المحللين العرب، من دون إهمال عنصر الكفاءة، إلى جانب استضافة محللين أجانب يملكون سمعة كبيرة عندما تقتضي الحاجة، مثل رود غوليت من هولندا، وبيتر شمايكل من الدنمارك، أو جيانفرانكو زولا من إيطاليا. وهذا عامل إيجابي من الناحية المهنية. أما العامل الثاني فيتمثل بإقصاء النساء من الاستديو تماماً. صحيح أن هناك مقدّمات لبرامج رياضية، لكنهن في مواقع ثانوية، رغم امتلاكهن لكفاءة عالية. إذ إنّه في لحظة الحدث الهام، مثل كأس الأمم الأوروبية، يقتصر الحضور على الذكور.
كما في الملاعب، كذلك في الاستديو. ثمة نجوم يحظون بشعبية كبيرة، لتاريخهم كلاعبين كبار، مثل محمد أبو تريكة من مصر، أو كمحللين بارعين، مثل طارق ذياب من تونس. لكن الاستديو الفرنسي، التابع للقناة نفسها، ليس عدائياً مع النساء بالدرجة نفسها، إذ تحضر فيه محاورات ومعلّقات. ومما لا شك فيه، أن حسابات المحطة تخضع لعدة اعتبارات، ومنها تصوراتها عن الجمهور العربي نفسه، ومنها ما هو نابع من هيمنة الذكور أساساً على الميدان الرياضي عندما يتعلق الأمر بالإعلام. ففكرة الهيمنة الذكورية تقوم على الاستيلاء، أي السطو على كل حيّز مشترك مع النساء، ومحاولة ترسيخ نظام النوع الاجتماعي الذي يرتكز على منظومة أبوية/ هرمية لعلاقات القوة. وكما صار مفهوماً، تقوم هذه المنظومة على تفضيل الرجال، وتصوير النساء ككائنات تابعة. وهذا ما يحدث تماماً في كرة القدم. بشكلٍ عام، يتجاوز الانحياز القناة العربية تحديداً، ويعد قضية عالمية، من ضمن الانحياز التقليدي إلى الذكور في الرياضة.
فالرياضة أيضاً يجب تفكيكها وإعادة بنائها، وعدم الاكتفاء بالتصورات التاريخية - الحالية عنها، فهي ناتجة من معرفة أنتجتها سُلطة. وفي مسألة تحليل المباريات تحديداً، يبدو استبعاد النساء من التحليل والتقديم عملاً إقصائياً بامتياز، لا يخرج عن المنظومة التي تفرض تصورات محددة وهرمية لدور النساء في الرياضة، ومن خلفها في المجتمع.
كان لافتاً أن "بي إن سبورتس" نفسها قطعت البث خلال حفل الافتتاح الذي جرى في روما، عندما ظهرت سيلينا غوميز، ما أثار بلبلة وسلسلة تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، اتهمت القناة بقطع البث عمداً، بسبب ظهور غوميز بفستان قصير. ورغم أنه لا علاقة مباشرة بين الحادثتين، إلا أنهما وقعتا في أثناء الحدث نفسه، أي خلال كأس الأمم الأوروبية.
وبعيداً عن المسابقة ذاتها، لسنا بحاجة إلى الكثير من البحث لنكتشف هيمنة الرجال على مساحات التغطية الصحافية، عندما يتعلق الأمر بالرياضة عموماً. يكفي أن تفتح أي صحيفة في العالم لكي تلاحظ أن هناك تمييزاً كبيراً لمصلحة الرجال عندما يتعلق الأمر بالرياضة. في مارس/ آذار الماضي، نددت أكثر من 150 صحافية رياضية في فرنسا بالتمييز الجنسي والتحرش والتعصب، وقلنَ في رسالة: "نريد أن نكون في المقدمة. في عام 2021، لم يعد ممكناً التسامح مع رياضة يديرها رجال من أجل الرجال وعن الرجال. معاملة النساء كأشخاص أقل في غرف الصحافة الرياضية لم تعد مقبولة".
لا يتوقف الأمر على الألعاب الجماعية التي تعتبر ميداناً يتيح للذكورية استعراض موروثها، بل يتجاوز ذلك إلى الألعاب الفردية، بحيث تصور إنجازات الرياضيات كأحداث أقل أهمية. هكذا، تبدو الرياضة مؤشراً أساسياً على النزعة الذكورية للهيمنة، بحيث يجري ربطها – مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة – بالقوة البدنية. عالمياً، وليس فقط عربياً، لا تحظى الرياضة النسائية، وخاصة الجماعية، بالتغطية نفسها التي تنالها الرياضات الذكورية، وهو ما أثار سابقاً حملاتٍ عالمية، بينها خلال مونديال كرة القدم للسيدات الأخير. وهناك تفسيرات كثيرة لذلك، منها ما هو جندري، بحيث لا يتطلب الأمر موافقة الذكور العلنية على معايير "القوة"، لكن معظمهم يغضون النظر عنها لأنها تمنحهم الامتياز، ومنها ما هو تجاري، بحيث تؤدي حسابات الكسب التجارية دوراً أساسياً في استبعاد النساء من الرياضة، وتفضيل "استثمار" حضورها في ميادين "تسليعية" أخرى.
وحسب دراسة لجنيفر هارغريفرز، وهي أستاذة في علم الاجتماع الرياضي في "جامعة برونيل" الإنكليزية، يتبين أن نوع النشاط الرياضي يحدد نسبة التغطية الإعلامية، عندما يتعلق الأمر بالرياضة النسائية. هناك رياضات، حسب مقاييس "علاقات القوة" تعتبر "مناسبة للنساء"، مثل كرة المضرب والسباحة، تحظى بتغطية إعلامية أكبر، وتشارك النساء في إنتاج معرفة حولها. لكن، في حالة الرياضات الجماعية، وكرة القدم على نحوٍ خاص، تركّز التغطية الإعلامية على جوانب غير رياضية، مثل الحياة الخاصة للرياضيات وميولهن الجنسية، بالإضافة إلى التدخل بمظهرهن الخارجي.
تتجاوز الهيمنة الذكورية على مجال الرياضة الإعلام العربي، وتعد حالة عالمية، تعاني فيها النساء من التفاوت في الأجور، مقارنةً بالرجال، ضمن سياق الترتيب الذكوري نفسه للمهام والوظائف. لكن في ضوء الإنجازات النسوية في ميادين عامة، تبقى الحاجة ملحّة لعزل الخصائص المتخيّلة التي تجعل الرياضة ميداناً ذكورياً. ومن بين النقاط، استبعاد النساء من تغطية الأحداث الرياضية، والتعليق على المباريات والمشاركة في تحليلها. فالتمييز، مهما كانت الذرائع التي يستند إليها، يبقى تمييزاً.