اختزال السوريين بجواز السفر

10 يوليو 2024
طفلة لعائلة سورية في طريقها عائدةً إلى سورية، يوليو 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تسريب بيانات جوازات السفر السورية**: تم تسريب بيانات نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري في تركيا، ونُشرت صور جوازات سفرهم على الملأ، مما أثار مخاوف كبيرة من استغلال بياناتهم الشخصية.

- **تداعيات التسريب على السوريين**: التسريب جعل السوريين عرضة للاستغلال من قبل النظام السوري والعنصريين ومحتالي الإنترنت، مما دفع بعضهم لشراء جوازات سفر جديدة من جزر الكاريبي.

- **جواز السفر السوري كوسيلة للإدانة**: جواز السفر السوري أصبح تهمة تُستخدم للإدانة في أي هجوم إرهابي، مما يزيد من معاناة حامليه ويثير أسئلة حول عذابات السوريين.

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بصور جوازت سفر السوريين اللاجئين في تركيا. نحو ثلاثة ملايين شخص نُشرت بياناتهم الشخصية على الملأ. والمتهم، حسب السلطات التركية، طفل بعمر الـ14 عاماً.
يظهر "السوري" في التسريبات مختزلاً بجواز سفر. وثيقة رسمية صادرة عن نظام الأسد، تثبت أنه الأكثر ضعفاً. يحمل وثيقة ثمنها آلاف الدولارات في بعض الأحيان، تثبت أنه سوري، وهارب من بلاده. جواز سفر تحول إلى ورقة مساومة أحياناً، يزورها بعضهم كي يثبت أنه "سوري" ويستحق مساعدة "العالم".
مرعبة هذه الملايين من الصور لسوريين وسوريات، بعضها مزيف وبعضها لمواطنين عرب، تُتداول بين الجميع. الرابح الأكبر منها هو النظام السوري، والعنصريون ومحتالو الإنترنت. لكن المرعب أكثر هو الأوجه، تلك التي تتشابه بعد تصفح عشرات جوازات السفر، لكل واحد منها حكاية ومأساة، وخوف من أن يُبتلى صاحب جواز السفر بجريمة لم يرتكبها.
جواز السفر يتجاوز وظيفة إثبات هوية صاحبه كوسيلة لرسم الحدود؛ فصاحبه مقيّد، وممنوع من الحركة، خصوصاً السوريّ، الذي يصنف جواز سفره كواحد من الأسوأ في العالم. حامل هذا الجواز مهدد دائماً، بل مضطر حتى إلى دفع 100 دولار كي يدخل إلى بلاده نفسها إن كان مسافراً.
انتشرت صور جوازات السفر على وسائل التواصل الاجتماعي ذات المنصات التي تحولت إلى مساحات للترويج، يستخدمها سوريون ينشرون صور جوازات سفرهم الأوروبية بعد حصولهم على الجنسية. صور تحمل فرحاً سببه أنهم تلخصوا من "لعنة" جواز السفر السوري.
آخرون، خصوصاً ممن بقوا في سورية وقيّد جواز السفر عملهم وتنقلهم، بدأوا بشراء جوازات سفر جديدة، تلك التي تعطى للمستثمرين في بعض جزر الكاريبي، ليتحول الجواز الجديد وحامله إلى جزء من حملة إعلانيّة مفادها أن لعنة جواز السفر السوري يمكن الفكاك منها بالمال، ليفتح العالم أمام حامل جواز السفر الجديد، أو حسبما يقول باسم ياخور، الممثل السوري المقرب من النظام، بعدما اشترى جواز سفر كاريبي: "جواز السفر هذا يتيح لي التحرك بحرية في مختلف أنحاء العالم، حتى في الدول التي تحتاج لتأشيرة".
إثر التسريب، تحولت "هوية" الأشخاص إلى محتوى. خبر يُتداول بين المنصات والمواقع الإخبارية. أوجه من دون تعابير تحدّق فينا، تاركةً إيانا أمام أسئلة لامتناهية عن عذابات السوري ورحلته خارج بلاده، واحتمالات الخطر التي تهدده في تركيا. لكن الأهم، لا تفاصيل حول المتهم بالتسريب أو عقوبته.
تتابهى دول العالم بجوازات سفرها، تلك التي يكتب على بعضها أن الجيوش والأساطيل ستتحرك لإنقاذ أو مساعدة حامل جواز السفر. في الحالة السوريّة، جواز السفر تهمة، لا يتحرك شيء لحماية حامله سوى أصوات الإدانات والمطالبة بحماية أولئك الأضعف، في حين أن النظام السوري حوّل جواز السفر إلى "تجارة" يستفيد منها لملء خزانته الخاضعة للعقوبات الأوروبية والأميركيّة.
جواز السفر السوري اكتسب صيغة جديدة حين بدأ ائتلاف المعارضة السورية بإصدار جوازات سفر للسوريين. جوزات تحاول كسر هيمنة النظام على حركة الذين هجّرهم ولجأوا إلى خارج سورية. وتبيّن أن جواز الائتلاف لا يمتلك اعترافاً رسمياً، بل أوقفت السعودية حجّاجاً يحملون جواز السفر "البديل" هذا، كونهم يسافرون بوثيقة لا اعتراف دولياً بها.
يرى كثيرون (وخصوصاً الأناركيين)، أن جواز السفر وسيلة للهيمنة، مرتبطة بالدول الوطنية والحدود الإقليمية التي تقيد حركة الفرد وتمنعه من اختبار العالم، كونها وسيلة لضبط "المواطنين" وإحصائهم.

في الحالة السورية، جواز السفر تحول إلى لعنة، ومحتوى يتم تبادله، ووسيلة للإدانة، والأهم، نكتة للتداول؛ فأي هجوم إرهابي في أي مكان في "العالم" تتلوه عبارة "هل وجدت السلطات جواز سفر سوري قرب مكان الحادث؟"، وكأن أسهل وسيلة للإدانة والاتهام هي جواز سفر مرمي بين الحطام والدماء.

المساهمون