ابتسم عبر الأطلسي

18 ابريل 2023
صُوِّر "ابتسم أيها الجنرال" في مكان غريب عن شخصياته وأحداثها (العربي 2)
+ الخط -

صدف أنّني كنت أتابع مسلسل "عبر الأطلسي" في أثناء بثّ مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" على شاشة "العربي 2" وتلفزيون سوريا، وصدف أن وجدت ما قالته كاتبة مسلسل "عبر الأطلسي" في حلقة عن كواليس المسلسل يوافق حالة مسلسل الجنرال، الذي أثار جدلاً أعتبره صحيّاً وضرورياً حول تطابق أحداث المسلسل والحالة السورية، وانتقاد البعض عدم تسمية الأسماء بمسمياتها الحقيقية، وخلط بعض الأحداث والشخصيات بعضها ببعض.

وقبل أن أنقل لكم ما قالته جولي أورينجر، مؤلفة الرواية التي اقتبس منها "عبر الأطلسي"، أود أن أشير إلى أنّ المسلسل، المؤلف من 7 حلقات موجودة على "نتفليكس"، يحكي قصة حقيقية ترتكز على جهود لجنة إغاثة أميركية قامت بتهريب ما يقرب من ألفي لاجئ أوروبي وبعض الجنود البريطانيين الأسرى من مرسيليا الفرنسية، خلال فترة حكومة فيشي الموالية للنازيين الألمان، إلى الولايات المتحدة بين العامين 1940 و1941، أي قبيل دخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانب الحلفاء.

والمميز في عمل لجنة الإنقاذ في حالات الطوارئ تركيزها على تهريب النخب الثقافية من المفكرين والكتّاب والفنانين والموسيقيين والرسامين، ومنهم أسماء لامعة، مثل أندريه بريتون، أحد مؤسسي الحركة السريالية، وزوجته الرسامة الفرنسية جاكلين لامبا، وحنا أرندت الفيلسوفة المعروفة، والرسام الشهير ماكس إرنست، ووالتر مورينغ، أبرز الموسيقيين الساخرين الألمان الذي اشتهر بأغانيه ضدّ هتلر، ووالتر بنيامين، أحد أعمدة مدرسة فرانكفورت، الذي لم يصل إلى الولايات المتحدة وانتحر في طريق الهروب.

ساعدت اللجنة على إنقاذ بعض الأعمال الفنية والفكرية لهذه النخب، حيث هرّبتها إلى الولايات المتحدة بالتعاون مع متاحف أميركية وجامعة التحف الأميركية بيغي غوغنهايم التي وثقت هذه المرحلة بمذكراتها "خارج هذا القرن".

ومن اللافت أنّ هذه اللجنة تشكلت عام 1933 بطلب من ألبرت أينشتاين لمساعدة الفارين من اضطهاد النازيين، وما زالت موجودة حتّى اليوم.

أمّا المؤلّفة فتقول: "أشعر أن مسؤولية رواة القصص هي العودة إلى الماضي وتصوّر خفايا حياة الناس، وفهم ما كان يحفزهم من الداخل. قررنا أن نأخذ هذه الشخصيات الحقيقية والأحداث الواقعية ونحررها في مشهد خيالي. دمجنا بعض الشخصيات وجمعناها في شخصية واحدة. ابتكرنا علاقات غرامية بينها حتى نروي النسخة الأكثر غنىً في أقصر وقت. دائماً ما نضيف نظرة جديدة إلى الأجزاء الضبابية من التاريخ".

طبعاً لا نحتاج للتذكير هنا بأنّ أحداث المسلسل تجري خلال الحرب العالمية الثانية، في مكانٍ محدود هو مرسيليا، والشخصيات معروفة ومشهورة، ابتداءً من خلية لجنة الإنقاذ، إلى رواد الحركة السريالية، الذين عاش معظمهم لاحقاً في الولايات المتحدة، وأثّروا في الحياة الثقافية فيها وفي العالم برمته، وكتبت عنهم أبحاث عديدة، ونشرت مذكراتهم، فكيف بتاريخ قريب وغامض وما نعرف من كواليسه لا يزيد على إشارات نادرة؟

وقد أيدت هذه الرؤية منتجة المسلسل آنا وينجر: "إنها شخصيات مستوحاة بشكل كبير من أناس حقيقيين، لكن الحياة الداخلية والخاصة للشخصيات من وحي الخيال".

تضيف المنتجة: "لقد استوحيت الفكرة من أزمة اللاجئين السوريين عام 2015، وتذكرت أنّنا أيضاً طردنا من برلين وهؤلاء بشر مثلنا".

يحكي المسلسل، حسب وصف صانعيه، قصة لاجئين، ومنهم نخب ثقافية وفنية، بكل انكساراتهم وأفراحهم ولحظات خوفهم وقلقهم ولحظات إبداعهم، التي جسدها المسلسل في حفلات سريالية شبهتها المخرجة بأنّها الجحيم في قلب الجنة.

صوّر هذا المسلسل في مكانه الطبيعي والحقيقي، في مرسيليا، ووجد مهندسو الديكور فندق سبلينديد الذي اتخذته لجنة الإنقاذ مقراً لعملها وإقامتها، فصوّروا فيه قسماً مهماً من أحداث المسلسل. فيما انتُزع مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" من بيئته ورحمه الحقيقية، وصُوّر في مكان غريب عن شخصياته وأحداثها.

المساهمون