تنشغل جميع المنصات الإعلامية والقنوات الإخبارية حول العالم بتغطية الحرب الروسية على أوكرانيا ومتابعة انعكاساتها على خريطة العالم السياسي منذ أن بدأ الغزو العسكري الروسي يوم 24 فبراير/شباط الماضي. ومن القنوات التي خصصت معظم ساعات البث فيها لتغطية الحدث، قناة "الإخبارية" السورية الرسمية التي اتسمت تقاريرها بطابع فكاهي مثير للسخرية، من الصعب أن نجد له مثيلاً في باقي المنصات العربية والعالمية. الأمر هنا لا يتعلق بتصريحات كبار المسؤولين في النظام السوري الذين تسابقوا لإعلان الدعم والولاء المطلق لقرارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحسب، بل أيضاً بالتحليلات اللامنطقية وما نجم عن التغطية من نظريات، جعلت من سورية مركزاً للحدث العالمي.
في بعض تلك التحليلات ما يُمكن أن ينطبق على النظام السوري نفسه، لكنّ ماكينته الإعلاميّة لا تجد حرجاً في اتهام الآخرين بما تفعله هي، لا بل تدينهم بسبب ذلك "الارتكاب". نتناول هنا بعضاً من تلك الفصول اللامتناهية على قنوات النظام:
"الشوكة الأميركية انكسرت في سورية"
لا يتبنى إعلام النظام السوري وجهة النظر الروسية التي ترى أن الحرب بدأت عام 2014، وأن روسيا لم تدخل إلى أوكرانيا لتبدأ الحرب، وإنما لتنهيها فحسب، بل إن الإعلام السوري يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ ينظر إلى الغزو الروسي لأوكرانيا كجولة في المعركة الأزلية بين محور المقاومة الذي تقوده روسيا اليوم، وبين العالم الغربي والإمبريالية العالمية؛ فما يحدث اليوم هو "تصحيح للتاريخ" وفقاً لما نُقل عن بشار الأسد، وما كان ليحدث لولا الدور الذي لعبه الجيش السوري لكسر الشوكة الأميركية في سورية، بالشراكة مع روسيا، التي تدخلت عسكرياً عام 2015. وفقاً لهذا "التحليل"، فإن "انتصار روسيا المحسوم في أوكرانيا ليس إلا امتداداً للانتصارات التي حققها محور المقاومة في سورية".
الإخبارية السورية: روسيا ترد في أوكرانيا على غزو تركيا لسورية
"الغزو التركي"
في إحدى حلقات البرنامج الحواري "صباح سياسي" الذي تقدمه سفانة ديب، تكررت كلمة "الغزو التركي" مرات عديدة أثناء الحديث عن الحرب الروسية – الأوكرانية. لوهلة تظن ذلك خطأ لغويا، أو أن المحلل السياسي قد خرج عن الموضوع، قبل أن تكتشف بأن هذه هي وجهة النظر التي يتبناها من كل ما يحدث؛ أن روسيا بحربها على أوكرانيا ترد على الغزو التركي في الشمال السوري! جاء هذا ضمن سياق يتحدث فيه المحلل السياسي عن ازدواجية معايير الدول الغربية، التي لا تحاسب حليفتها تركيا التي تحاول استعادة أمجاد الدولة العثمانية الزائفة، ولكنها تحاسب روسيا عندما تسعى لاستعادة الأراضي التي فقدتها عند تفكك الاتحاد السوفييتي. اسم تركيا سيتكرر بوصفها العدو الأبرز لروسيا وحلفائها في المنطقة، رغم أنها لم تشارك بإعلان عقوبات تساهم في عزلة روسيا.
"مهرّج قتل شعبه للحفاظ على الكرسي"
هذه العبارة التي تبدو توصيفاً دقيقاً لما فعله بشار الأسد ونظامه بالسوريين منذ أكثر من 10 سنوات، يستخدمها المحللون على "الإخبارية" السورية لتوصيف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي يبدو أنه استفز بمواقفه وتصريحاته إعلام النظام السوري، كما استفز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من قبلهم؛ لنراهم ينعتونه بكلمات من قبيل "مهرج" و"مشخصاتي" و"دمية"، ويتهمونه بأنه "ديكتاتور لا يعمل لمصلحة الشعب وأنه جر بلده إلى حرب بالوكالة عن أميركا ستتسبب بمقتل شعبه". التحليلات تبدو أكثر إثارة للسخرية، حين يلجأ بعضهم إلى مقارنة مباشرة بين زيلينسكي وبشار الأسد، في أقوال من قبيل: "ما نراه ليس صموداً، بشار الأسد علّم العالم معنى الصمود".
بعض اتهامات الإخبارية السورية لزيلينسكي تنطبق على بشار الأسد نفسه
"النازي اليهودي"
لم يكن الإعلام السوري أول من استخدم تعبير "النازيين الجدد" خلال الحرب الروسية على أوكرانيا، بل استخدمته الآلة الدعائية الروسية بكثافة منذ أواخر فبراير الماضي، وحتى قبلها بأشهر وسنوات. توصيف بوتين لحكومة زيلينسكي بالنازية أثار سخرية الإعلام العالمي، لأن زيلينسكي من الديانة اليهودية الأكثر تضرراً من النازية. إلا أن هذه التوصيفات صارت أكثر عبثية على التلفزيون السوري، حيث صار يستخدم مصطلح "اليهودي النازي" لوصف زيلينسكي.
"اتكلوا على الله... فوتوا على أوكرانيا"
في اليوم الأول للغزو الروسي على أوكرانيا، نشرت صفحة "الرئاسة الجمهورية" بياناً حول الحدث، ادّعت فيه أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تواصل مع بشار الأسد قبل الغزو، وأعطاه الأخير إيعازا لبدء الغزو. هذه المكالمة الافتراضية تعاطى معها الإعلام السوري بوصفها موقفاً بطولياً اتخذته سورية في الحرب، وترجم محتواها أحد المحللين على الإخبارية السورية بكلمات عامية بسيطة، بقوله: "الرئيس الأسد قال لبوتين: اتكلوا على الله .. فوتوا على أوكرانيا"، وسرعان ما بدأت الصفحات السورية على مواقع التواصل الاجتماعي تسخر من هذه الكلمات غير المنطقية. الأمر الأكثر غرابة يتجلى بطباعة هذه الكلمات على لافتات حملها السوريون في الوقفات التضامنية مع روسيا، التي نظمتها جامعتا دمشق والبعث؛ لتتحول فجأة النكتة إلى شعار.