إعلاميو أفغانستان... الموت وجبة يومية

17 يونيو 2021
قُتل مقدم البرامج يما سياوش في كابول العام الماضي (وكيل كوشار/ فرانس برس)
+ الخط -

قتل الصحافي حفيظ الله حق برست في مدينة بول عالم، مركز إقليم لوكر المجاور للعاصمة الأفغانية كابول، في ظروف غامضة، في التاسع من يونيو/حزيران الحالي. لم تتبن أي جهة مسؤولية قتل الصحافي، بعد أن قالت مصادر محلية إنه قضى خلال مواجهة مسلحة بين القوات الحكومية ومسلحي حركة "طالبان".

لكن الناطق باسم الداخلية الأفغانية طارق آرين يؤكد لـ "العربي الجديد" أن حق برست قتلته "طالبان"، وهدفها التستر على ما ترتكبه في حق المواطنين عامة والإعلاميين منهم خاصة.

عمل حق برست في الإذاعة المحلية "ملي بيوند" (الرابط الوطني) خلال السنوات الأربع الماضية، إلا أن لديه تجربة عمل مدتها عشرة أعوام في وسائل إعلام مختلفة. ويقول رئيس "ملي بيوند" مطيع الله سرور، لـ "العربي الجديد"، إن حق برست كان مخلصاً في عمله "من أجل إيصال صوت أبناء الشعب المهمشين".

قبل حق برست قُتلت مقدمة الأخبار في محطة "أريانا نيوز" مينه خيري، بانفجار قنبلة مغناطيسية في منطقة كوته سنكي في الخامس من الشهر الحالي. الانفجار أسفر أيضاً عن مقتل شقيقتها حسنية خيري.

هكذا تطول قائمة العاملين والعاملات في الحقل الإعلامي الذين يلقون حتفهم بسبب أعمال العنف وعمليات الاغتيال، إذ خلال عام 2020 وحده قتل 11 صحافياً على الأقل في أفغانستان، ما دفع كثيرين إلى ترك هذه المهنة، وأجبر آخرين على مغادرة البلاد بحثاً عن لجوء في دول مختلفة.

وأفادت "لجنة حماية الصحافيين" بأن 50 إعلامياً هربوا من أفغانستان عام 2020 بينهم 15 امرأة، بسبب التهديدات الأمنية. كما أن كثيرين تركوا العمل في الأقاليم، ونزحوا إلى المدن، خوفاً من اغتيالهم أو تعرضهم لأي شكل من أشكال العنف، لكنهم لم يسلموا من التهديدات.

وفي هذا السياق، قال مدير مكتب اللجنة في أفغانستان مجيب خلوتكر، في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة كابول الأسبوع الماضي، إن الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي يكتفيان بالوعود التي لا طائل منها، ما يترك الباب مشرعاً أكثر أمام الاغتيالات في صفوف الإعلاميين، مؤكداً أن الإعلام الميداني ضعف إلى حد كبير في البلاد بسبب التهديدات الأمنية، إذ يحاول الصحافيون العمل داخل مكاتبهم والابتعاد عن التغطيات على الأرض حيث احتمالات تعرضهم لاعتداءات أقل. كما أكد خلوتكر أن أعمال العنف في حق الإعلاميين تغيرت في الأيام الأخيرة وأخذت منحى خطيراً، فبعد أن كانت جهات مجهولة تستهدف الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية بأعمال التفجير، باتت الآن تصب تركيزها على عمليات الاغتيال، وسط لا مبالاة الحكومة والجهات المسؤولة.

الإعلاميون ليسوا وحدهم مَن تعرضوا للقتل والتهديد، إذ تطاول هذه الاعتداءات عائلاتهم؛ قتل ثلاثة من أسرة الإعلامي عادل إيماق الذي كان يعمل في إذاعة "صداي غور" (صوت إقليم غور)، بعد قتله أيضاً بيد مجهولين. وكان قد تلقى تهديدات بالقتل قبلها.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وما يخيب أمل الكثيرين هو قرار بعض المحطات الإعلامية المحلية بوقف توظيف النساء بين صفوفها، بعد ارتفاع وتيرة عمليات الاغتيالات في حقهن. وكانت محطة "إنعكاس" المحلية، في مدينة جلال أباد، قد قررت ألا توظف النساء، بعد أن تعرضت موظفات فيها لهجمات المسلحين، وهو ما أثار حفيظة المهتمين بحقوق الإعلاميات، مطالبين الحكومة بالتحرك إزاء القضية.

كما أدت عمليات الاغتيال في صفوف النساء إلى انخفاض عدد العاملات منهن في وسائل الإعلام الأفغانية بنسبة 18 في المائة، وفقاً لـ"لجنة حماية الصحافيين" التي أكدت في بيان لها أن عدداً كبيراً من الإعلاميات تركن وظائفهن وتوجهن إلى خارج البلاد، هرباً من التهديدات التي يواجهنها، كما أن الكثير من الموظفات تركن العمل في المحطات الإعلامية.

ذكرت اللجنة أن عدد النساء العاملات في وسائل الإعلام المختلفة كان 1678 العام الماضي، أما هذا العام فأصبح عدد النساء العاملات 1377، وهو مؤشر خطير جداً، لا سيما أن الأوضاع في أفغانستان تسير نحو الأسوأ بعد خروج القوات الأجنبية منها وسيطرة "طالبان" على مناطق مختلفة فيها. أعلنت الولايات المتحدة عزمها سحب القوات بالكامل بحلول 11 سبتمبر/أيلول، بعد عقدين بالتمام من هجمات تنظيم "القاعدة" على الولايات المتحدة.

وتعليقاً على القضية، تقول الإعلامية الأفغانية فيروزه عزيزي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأوضاع في أفغانستان أصعب مما يمكن تصوره، وأصبح من الصعب جداً على الإعلاميين أن يواصلوا العمل وتحديداً في المناطق النائية، فما بالك بالنساء اللواتي يواجهن مشاكل أكثر مقارنة بالرجال؟".

يُذكر أن قنابل على جانب الطرق وقنابل مغناطيسية صغيرة تُثبت أسفل المركبات وهجمات أخرى استهدفت أفراد الأمن وقضاة ومسؤولين في الحكومة وناشطين في المجتمع المدني، إضافة إلى الصحافيين، خلال الشهور الأخيرة في أفغانستان. وقالت الأمم المتحدة، الشهر الماضي، إن قرابة 1800 مدني لاقوا حتفهم أو أُصيبوا في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، خلال القتال بين القوات الحكومية ومتمردي "طالبان" رغم جهود إحلال السلام.

المساهمون