أوركسترا قطر... ليلة الفلكلور على ساحل الخليج

04 سبتمبر 2023
قاد المايسترو الأوزبكي كمال الدين أورينباييف الفرقة الموسيقية (العربي الجديد)
+ الخط -

للمرة الثانية خلال عامين، تقيم أوركسترا قطر الفلهارمونية حفلاً للموسيقى الشعبية الخليجية، خصوصاً من تراث مجتمعات السواحل أو أغاني العمل في البحر المرتبطة بمواسم صيد اللؤلؤ.

والجديد دائماً في هذه الأفكار ليس في كليشيه "نقل موسيقانا إلى العالمية" الذي يردده مقدمو الحفلات، وإنما بالفعل في التأليف ومجال التعارف والحوار الهارموني، أي في العملية الإبداعية التي تتجدد.

أما وجود أوركسترا تحتضن أدوات موسيقية وأداءات شعبية محلية، فهي بذاتها أصبحت من كلاسيكيات القرن العشرين نظراً للمنجزات الكثيرة المتراكمة. وكل واحدة من هذه الأفكار تمثل رافداً لنهر الموسيقى الإنساني.

وهذا ما حصل مساء السبت الماضي، حين استضاف مسرح عبد العزيز ناصر في سوق واقف التراثي التشكيل الذي قاده المايسترو الأوزبكي كمال الدين أورينباييف، بمن فيه من عازفي الأوركسترا القطرية ومشاركة فرقة الجبيلات للفنون الشعبية، وكورال حفلات قطر، والنهّام علي الحداد.

وفي خلفية المسرح شاشات عملاقة عرضت عليها رقصات تعبيرية نسائية متلائمة مع الإيقاعات الخليجية.

كانت أمام الأعين وفي الآذان 11 قطعة اضطلع بتأليف غالبيتها المؤلف الموسيقي القطري ناصر سهيم، ثم الموسيقار والباحث الكويتي عامر جعفر، والمؤلفة الموسيقية القطرية دانا الفردان. فتوزعت الأعمال بين التأليف الموسيقي الذي يستلهم التراث الموسيقي، كما فعل جعفر والفردان، والمقطوعات التي يعاد إنتاجها بروح أوركسترالية على يد سهيم.

واختارت ليلة "الفلكور الخليجي يلتقي مع الأوركسترا الهارمونية" كلاً من "روح المقام" و"الفريسة" (مصغر الفرس) من الفن العاشوري، والفريسة تؤدى في حفلات الزواج، علماً أنها عرفت من قبل كفقرة احتفالية في حفلات الختان وتستهدف بمجسم الفرس، الذي في داخله شخص يدور به، إضفاء أجواء مرحة بين الصغار، وفن الخماري، و "يا صاجة" من الغناء البحري النسائي في انتظار عودة رجالهن من موسم الصيد الطويل، والعدساني وهو أحد الفصول الخمسة من فن الفجري، و"البوشية" من الفن السامري التي تقدمها النساء في الأفراح، ورقصة الليوا وقد كانت ختام العرض.

وشاركت دانا الفردان هذه المرة بمجموعة أعمال من ألبومها المقبل الذي يحمل عنوان "العاصفة"، وقدمت مقطوعات "فجِري" التي استخدمت فيها "المخولفي" وهو النوع الرابع من فن الفجري، و"الشفق" و"الزهرة السوداء".

في هذه الجولة الموسيقية الجديدة، لم يقتصر حضور العنصر الأوزبكي على المايسترو أورينباييف، وقد رافق المشروع منذ انطلاقه صيف العام الماضي، فقد قدم ناصر سهيم، وهو نائب المدير التنفيذي لأوركسترا قطر، مقطوعة موسيقية مشهورة في أوزبكستان لماخاروف نوديربك بعنوان "شكرانا" أي "شكراً لك".

ولم تكن المقطوعة الأوزبكية خارج السياق الخليجي. هكذا فكر ناصر سهيم وهو الذي نال درجة الدكتوراه في التاريخ الموسيقي من الكونسرفاتوار العالي في طشقند، وفي تعايشه مع الموسيقى المحلية هناك، عثر على روح مشتركة بين إيقاع الملفوف، الذي نستخدمه في التواشيح وبين مقطوعة "شكرانا" المستهلمة من الفنون الشعبية الأوزبكية.

وقال سهيم لـ"العربي الجديد" إنه وجد بين منطقتنا وأوزبكستان أوجه تشابه في الأغاني المجتمعية وأهازيج العمل من ناحية الألحان والمقامات، كما تعرف إلى تقليد البستاكور، الذي يورّث من جيل إلى جيل الحرف الشعبية والأغاني والألحان المصاحبة لها.

نجوم وفن
التحديثات الحية

كذلك، تمكن معاينة هذا الميراث على خشبة المسرح، إذ استعمل الحرفيون المحليون في الخليج آلاتهم المصنوعة من الفخار لتكون واحدة منها باسم "الجحلة"، وهي في الشكل لا تفترق عن جرة الماء، وكذلك "التنكة" التي تضرب إيقاعاتها بالعصا، وبين ضاربي الإيقاع ثمة ميراث بشري من المرددين الذين حفظوا الأغاني والنهّام المغني الرئيسي على ظهر السفينة.

هؤلاء جميعاً لم يكونوا سليلي أكاديميات موسيقية، بل كانوا، كما يشير سهيم، أميين في أغلبهم يؤدون الفنون على الفطرة من دون أن يعلموا، على سبيل المثال، أن "العدساني" مقام حجاز والبحري مقام رست.

وبغية طرح ما يحفظ هذه الهوية الثقافية، قال سهيم إن المشروع قدم خلال سنتين قوالب موسيقية تقليدية بنسيج هارموني، مبيناً أن بعض الإيقاعات تتوافق مع الروح الأوركسترالية مثل الفجري بفصوله الخمسة، البحري والعدساني والمخولفي والحدادي والحساوي. وهو ما وقع عند اختياره العدساني من فن الفجري، ومطلعها الذي يسمى "تنزيلة يا حيف".

المساهمون