"لم تكن مكانة النساء والرجال معكوسة. لأكون دقيقاً، لم يعد الرجال يفعلون أي شيء سوى إنجاب الأطفال. حتى رعاية الأطفال والأعمال المنزلية، كل أعمال العالم كانت تقع على عاتق النساء". هذا ما يقوله الراوي في نهاية الحلقة الأخيرة من مسلسل الأنمي الجديد، Ōoku: The Inner Chambers، من إنتاج "نتفليكس".
عُرض الأنمي الجديد المكون من 10 حلقات دفعة واحدة. ولولا أن الحلقة الأولى كانت بطول 80 دقيقة، لاستغرق 12 حلقة، أي عدد الحلقات المعتاد لمواسم الأنمي القصيرة. الحلقة الأولى الطويلة لم تكن بغرض جذب المتابعين لمشاهدة المزيد من دون الحكم على أول ثلث ساعة، لأن جميع حلقات الأنمي متوفرة، إنما لتقدم زمناً مختلفاً عن الذي سنراه في الحلقات اللاحقة. يقدم الأنمي قصة تاريخ خيالي في القرن السابع عشر في اليابان؛ حيث يتفشى وباء غامض قاتل يصيب الرجال ويسمى بالجدري الأحمر. خلال عقود، انخفض عدد الرجال إلى ربع عدد النساء، الأمر الذي يتسبب بانهيار مؤسسة الزواج، وانقلاب الأدوار الجندرية. يعمل الرجال في الدعارة في الغالب، بينما تولت النساء جميع الأعمال الأخرى، حتى الحكم. وحكاية الأنمي تدور تحديداً داخل قصر إيدو في غرف أووكو، أي عالم محظيي الوالية من الرجال. نتابع قصة رجل يضطر إلى الانضمام للقصر، إذ يتخلى عن حياته بالكامل، ليصبح محظياً في القصر، ويغدو في النهاية العشيق السري للشوغون (الوالية) الأنثى الجديدة. والعشيق السري هو لقب يطلق على أول رجل يدخل سرير الوالية. وبحكم التقاليد، يُعدم هذا العشيق سرّاً. ولأن الشوغون الجديدة لا تهتم للتقاليد الظالمة، تقرر إنقاذ الرجل وتحريره سرّاً. ومن هنا تبدأ مسيرتها في الإصلاح على كافة الأصعدة، بينما تطالع تاريخ المنطقة.
نظام حكم يظلم الجميع
في غرف أووكو يعيش الرجال حياة قاسية كالتي نراها في تاريخ الجواري والمحظيات. لذا، وعلى عكس المتوقع، لا يفترض العمل على تغيير العالم إلى الأفضل بمجرد وصول النساء إلى الحكم. وفي الوقت نفسه، يضيء العمل بشكل كبير على القهر الذي تعرضت له النساء عبر التاريخ، وذلك من خلال قصص رجال يتعرضون للقهر نفسه. لأن العين اعتادت رؤية النساء بهذه الحال، لن يستغرب المشاهد أن تتعرض المحظيات إلى سرقة حيواتهن وللاعتداء الجنسي والقهر ضمن القصر. لكن، لو رأينا القهر نفسه يمارس على الرجال، سنشعر بالصدمة وكأنها المرة الأولى التي نشاهد فيها شيئاً كهذا. مع ذلك، وأثناء مشاهدة الحلقة الأولى الطويلة، نتساءل: لماذا لم يتغير العالم إذن؟ لماذا ما زلنا نشاهد القهر نفسه، لكنه يُمارس بحق الجنس الآخر؟ فنشعر بثغرة كبيرة تُضعف الأنمي. تتساءل الشوغون الجديدة عن شكل هذا العالم، وتبدأ أسئلتها من: لماذا تحمل الوالية الأنثى اسم ذكر؟ بينما يحمل المحظيون وسكان الغرف الداخلية من الرجال أسماء نساء؟ لتصل إلى رجل سجّل التاريخ منذ بداية هذا التغيير، وتطلب منه الاطلاع على دفاتره، ليكون محتوى الدفاتر هو مادة الحلقات التسع اللاحقة.
سجلّ الشمس الغائبة
نعود في التاريخ إلى لحظة وفاة آخر شوغون رجل؛ إذ رحل من دون وريث ذَكَر، ولم يكن له سوى ابنة غير شرعية، لتقوم المربية بوضع ابنها بدلاً منه شكلياً، وجعل ابنته تعيش كذكر، وذلك للحفاظ على دماء العائلة، وأيضاً لتجنب الحروب مع الإقطاعيين على الحكم لو علموا بموت الوالي من دون وريث. أما الأووكو، أو الغرف الداخلية، فكان يسكنها الرجال كذلك، لكنهم ليسوا محظيين، فالوالي المتوفى لم يكن يفضل النساء وبدلاً من المحظيات مُلئ القصر برجال ساموراي ليكونوا الحصن الأخير للقصر بسبب عدم القدرة على تكوين جيوش بسبب النقص في الرجال. شيئاً فشيئاً يتحول هؤلاء الساموراي ليكونوا محظيين علّ الابنة تنجب ذكراً. إلا أن الأمر لم يكن بهذه السلاسة، فإصرار المربية على حض ابنة الوالي على ممارسة الجنس يصل بها حد إجبار راهب بوذي على دخول سريرها لوسامته، وذلك عبر قتل أحد أتباعه وتهديده بقتل الآخر، لنرى تاريخاً من الدموية والاستعباد الجنسي جعل الأووكو ما هو عليه الآن.
على عكس النظرة الأولى، قدم الأنمي حبكة ممتازة لم تُغفل أي تفصيل حتى عن الحياة خارج القصر، وكيفية كتابة التاريخ، بحيث لا يظهر لأحد خارج اليابان أو في المستقبل هذا التغيير. البناء الدقيق والبطيء والمليء بالتفاصيل، ساهم بصناعة حكاية مقنعة خالية من الثغرات. ومع البناء البطيء، كان على القصة أن تتحمل تفاصيل تكسر الملل والقسوة، لنرى الحكاية تأخذ نمط أنمي الشوجو (أنمي الفتيات) الرومانسي، حيث يقع الراهب في حب ابنة الوالي، لكنه عقيم، الأمر الذي يقف حاجزاً بين علاقتهما. هذه الدراما الرومانسية البسيطة، لم تخفض مستوى الأنمي، بل ساهمت في كسر الرتابة والملل، بينما تكتمل الصورة الكاملة للمستقبل الذي شهدناه في الحلقة الأولى.
خارج جدران القصر
عندما توّلت النساء أعمال الرجال وانهارت مؤسسة الزواج، لم تحصل المرأة رغم ذلك على أي حقوق أو سلطة، إنما باتت فقط تُنجز أعمالاً مضاعفة في الحقول وفي التربية والمنزل، بينما يبقى الرجال القلائل في المنزل للعمل في الجنس. الامتياز الوحيد الذي حصلت عليه النساء هو الحرية الجنسية. فمع عدم وجود رجال، بات من الطبيعي للمرأة الذهاب إلى حي المتعة وذلك بغرض الحمل. والزواج كان حلماً بعيداً لا تحصل عليه سوى بنات العائلات الثرية، أما النساء الفقيرات اللواتي لا يستطعن الدفع للرجال، فكان عليهن التوسل مقابل جنس مجاني، لتكون هذه ليست حرية جنسية، بقدر ما هي حرمان جنسي وعاطفي.
تأتي الحرية عبر باب سحري هو انخفاض عدد الرجال، وهذا ما تؤكده القصة بكل تفاصيلها. صحيح أن بعض النساء يسرن في الأسواق بثدي ظاهر للعيان، لكنه جزء من شقائهن الذي تضاعف بعيشهن دورين: دور المرأة المربية، ودور المرأة المعيلة، أما الرجال خارج القصر؛ فغالباً ما يعيشون حياة مرفهة ومدللة، يؤكد عليها قول الرواي الذي أوردناه في البداية. ينتهي الأنمي من دون العودة إلى الحاضر، حيث الوالية الجديدة التي تتساءل حول كل شيء. لذا، يمكننا أن نتوقع موسماً قادماً من بطولة امرأة تحاول تغيير التاريخ، وتخفف من الظلم الواقع على النساء خارج القصر، والرجال داخله.