- تناولت أفلامه موضوعات مثل تفكك الأسرة، الغياب، والفساد بين الكنيسة والدولة، مع التركيز على المجتمع الروسي، كما في "إيلينا" و"ليفياثان".
- بعد انتقاده للنظام الروسي وانتقاله لفرنسا، يواصل زفياغنتسيف تسليط الضوء على قضايا روسيا من خلال السينما، مؤكداً على استمرار نهجه التأملي في أعماله القادمة مثل "جوبيتير".
عندما أنجز الروسي أندريه زفياغنتسيف (1964) باكورته "العودة"، الفائزة بـ"الأسد الذهبي ـ جائزة لويجي دي لورنتيس"، في الدورة الـ60 (27 أغسطس/ آب ـ 6 سبتمبر/ أيلول 2003) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي"، وأتبعه بـ"الاستبعاد" عام 2008، اعتبره كثيرون وريث أندريه تاركوفسكي (1932 ـ 1986) الذي طال انتظاره، نظراً إلى أسلوبه التأمّلي، المُعتَمد على مزيج خلّاق بين اللقطات الثابتة الطويلة وحركات الكاميرا، ونسق الحكي الدائري، ومرجعية الكتاب المقدّس، فضلاً عن وازع لا تخطئه العين لالتقاط العناصر الأولية للطبيعة والأفق الممتدّ، بتعاون مستمرّ ومخلص مع مدير التصوير ميخائيل كريتشمان (1967).
لكنّ أفلامه الموالية أفصحت عن شخصية متفرّدة، لعل أبرز مقوّماتها انكبابٌ على تحليل المجتمع الروسي، انطلاقاً من تفسّخ الخلية الأساسية، المتمثّلة في العائلة، ونزوع إلى جمالية الغياب وانعدام التواصل بين أطرافها، كما يعبّر عنهما عنف العلاقات المجتمعية في "إيلينا" (2012)، قبل أنْ ينبري إلى التقاط الفساد الناتج من التواطؤ بين الكنيسة الأرثوذكسية وممثلي سلطة الدولة في "ليفياثان" (2014)، الذي أثار جدلاً كبيراً في روسيا، أفضى إلى تصريح وزير الثقافة فلاديمير ميدينسكي بأنّه غير مقبول أنْ تموّل وزارته أفلاماً تنتقد أحوال البلد إلى هذه الدرجة، رغم أنّ الفيلم يعانق طرحاً كونياً عن ميول السلطة إلى سحق الإرادة الفردية.
في فيلمه الأخير، "بلا حبّ" (2017)، يتأمّل زفياغنتسيف عالماً بارداً وقاتماً، مُفعماً بالعزلة، ولا نزوع يُذكر إلى المثالية فيه، عبر حكاية زوجين في طور الانفصال يُفاجآن باختفاء ابنهما.
بعد تصريحاته المنتقدة تحرّكات النظام الروسي، وضمّ شبه جزيرة القرم عام 2014، ومعارضته الحرب على أوكرانيا، ازدادت حدّة انتقادات أندريه زفياغنتسيف لنظام فلاديمير بوتين، وبات اليوم يعيش في فرنسا من دون أنْ ينقطع عن الانشغال بقضايا بلده، الذي يزمع على تمثّله في فيلم جديد بعنوان "جوبيتير" (Jupiter).
في الدورة الـ20 (20 نوفمبر/ تشرين الثاني ـ 2 ديسمبر/ كانون الأول 2023) لـ"المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش"، دُعي زفياغنتسيف إلى المشاركة في فقرة "حوار مع..."، فكانت مناسبة لحوار معه لـ"العربي الجديد" (ترجمة من الروسية جويل شايرون)، تناول عودته إلى الإخراج بعد أزمة صحية حرجة، دامت زهاء عام كامل، جرّاء إصابته بكورونا، ورؤيته التحوّلات التي يُحتَمَل أنْ تطبع أسلوبه، وتأثّره بجماليات أنتونيوني، ومعلومات أخرى يتقاسمها مع محبّيه عن فيلمه المرتقب.
(*) تستعدّ لتصوير فيلم لك مُرتقب باهتمام وانتظار كبيرين: "جوبيتير" (Jupiter). بعد هذه الفترة الطويلة من الانقطاع، هل تشعر أنّك تبدأ من جديد، أمْ أنّك تُكمل الأشياء من حيث تركتها؟
لأكون صادقاً معك، أتمنّى أنْ أبدأ من الصفر، لأنّ هذه أحاسيس جديدة بالنسبة إليّ. صعبٌ للغاية أنْ أصوغ ما أشعر به بالفعل، لكنّي مقتنع تماماً بأنّها مرحلة جديدة في حياتي. الأمر لا يتعلّق بالزمن في كلّ حال. السبب ليس مرور فترة زمنية، طويلة نسبياً بين فيلمي الأخير "بلا حب" و"جوبيتير"، الذي يُحتمل أنْ أصوّره في ربيع 2024، بل الأحداث التي وقعت في حياتي في تلك الفترة. صعبٌ للغاية التعبير عمّا أشعر به بالضبط، ولا أستطيع كتابته، لكنّي متأكدٌ أنّ شيئاً جديداً سيُستشفّ من فيلمي.
(*) أفلامك معروفة باقتصادها السردي، وبثّ حسّ معين من الغموض. هل تعتقد أنّ هذا شيء سيعود في "جوبيتير"، خصوصاً مع انتشار أيديولوجية "الأخبار المزيّفة"؟ هل تعتقد أنّ ما يقوله بعضنا للبعض الآخر في الحياة اليومية لم يعد له معنى، وأنّ الأفضل تزكية لغة الصمت؟
(بعد تردّد طويل) هذا سؤال صعب للغاية. لكنْ، مثير للاهتمام أنّ قصة هذا الفيلم ستتضمّن بلا شك حواراً أكثر من المعتاد. عندما تفكر في الأمر، تستخلص أنّ أفلاماً تكاد تكون صامتة، لكنّ الصورة فيها تتحدّث إلى المُشاهد الذي يقرأ النص الخبيء وراءها. أما على الطرف الآخر من الطيف، فلديك أفلام إريك رومر، التي تتّسم بالثرثرة بشكل خاص.
لا أقصد أنّي سأحاول تجنّب كلّ ذلك، لكنّي أعتقد أنّي سأتّخذ موقف المتأمّل الذي سيكون في منزلة بين الاثنين، ولا أستبعد أنّي سأكون أقرب قليلاً إلى رومر، وأسمّي الأشياء بأسمائها أكثر من ذي قبل.
(*) في نظر كثيرين، أنتَ أهمّ مؤرّخ سينمائي لروسيا المعاصرة. لماذا مهمٌّ في رأيك الاستمرار في تبنّي هذا التوجّه اليوم، حتّى من خارج روسيا؟
إنّها قوّة القصور الذاتي التي لا تزال تحرّكني، على ما يبدو. إنّها تجعل عقلي يستمرّ في البقاء هناك، حتّى لو كان جسدي اليوم في أوروبا، لكوني أعيش في فرنسا. عشتُ كثيراً في روسيا، ولا أزال أحيا بها وأتنفّسها بطريقة ما.
طالما أنّي لا أزال أستشعر السياق الروسي، أعلم أنّ بوسعي الإدلاء بشهادتي عن هذا المجتمع، حتّى لو لم أعد أعيش فيه، خصوصاً أنّ فكرة فيلمي المقبل تفتّقت عندما كنتُ لا أزال هناك. من ناحية أخرى، لا أعلم متى ستأتي اللحظة التي سأعتبر فيها أنّي لم أعد أستطيع أنْ أشهد على ماهية المجتمع الروسي. لا أعرف متى سيحدث ذلك، لكنّه لم يحلّ بعد.
(*) ما يلفت انتباهي دائماً في أفلامك التناغم الداخلي بينها، والتوازن الرائع الذي تنجح في تحقيقه بين اللقطات الثابتة وحركات الكاميرا. كيف تعمل على المونتاج؟ هل أنت مِن متبنّي نظريات أيزنشتاين عن المونتاج الإيقاعي والمونتاج التوافقي؟
في الحقيقة، لأكون صادقاً معك، أقول إنّي لا أعرف شيئاً يُذكر عن المونتاج الإيقاعي أو التوافقي لأيزنشتاين. لكنْ، لديّ انطباع، إذا أردْتَ، مفاده أنّ لغته السينمائية، خصوصاً توليفه الأشياء وفق منطق التجاذب، لا تنعكس في أفلامي. لأكون صادقاً معك أيضاً، أخبرك أنّ معلميّ (أو معاييري) هم مخرجون آخرون، مثل أنتونيوني خاصة، أعتقد أنّهم لا يعتمدون أي تأثير إيهامي في لحظة المونتاج. على عكس ذلك، مع أنتونيوني، نحن حقاً في جمالية الملاحظة، ولغته السردية أكثر كلاسيكية، بما في ذلك حساسيته الأدبية، أي وحدة المكان والزمان والفعل، وهذه أقرب إليّ.
مُهتمّ أكثر بالتأمّل. لكنْ، قد يكون ذلك متأتٍّ من نقصٍ، لأنّي لم أتلقّ التكوين في مدرسة سينما، ولم أمرّ في VGIK (المعهد الوطني غيراسيموف للسينما في موسكو، الذي تخرّج منه جُلّ المخرجين السوفييت والروس، بخلاف زفياغنتسيف الذي درس فنون المسرح، واشتغل في البدء كممثّل ـ المحرّر).
(*) هناك فضول كبير وتعطّش لمعرفة معلومات عن "جوبيتير". معلومٌ أنّه سيتناول شخصية من الأوليغاركيا الروسية. ما المعلومات الإضافية التي يمكنك تقديمها إلى المعجبين بعملك؟
ما يمكنني قوله أنّي أخطّط للتصوير في ربيع 2024، بين إبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران (يُفترض بالتصوير أنْ يكون قد بدأ ـ المحرّر)، وسيبقى لديّ مشاهد أصوّرها في الخريف الموالي. سأصوّر في فرنسا وإسبانيا، في بالما دي مايوركا، حيث وجدت أماكن أرغب في التصوير فيها.
بالنسبة إلى مضمونه، سأتعمّق في حياة رجل ثري للغاية، وظروفه العائلية، وعلاقته الحميمة مع زوجته، وطفله، وسيكون هناك شخص رابع.
لا أفصح أبداً عن تفاصيل أفلامي مسبقاً، لأنّي أريد أنّ تظل مفاجأة للمُشاهد. أودّ أنْ يكتشف المُشاهد الفيلمَ كما لو كان يفتح صندوقاً. صعبٌ أنْ أخبرك شيئاً أكثر عن حياة هذا الأوليغاركي، باستثناء أنّي سأبقى في إطار عقلية روسية، وسياق خاص للنظام الأبوي، نظراً إلى أنّه في عالم مختلف، فهو ليس في موطنه روسيا، بل في أوروبا.