أمل قرمازي: أتخيل وأبتكر أشكالاً جديدة لموسيقى مألوفة لدى الجمهور

09 ديسمبر 2024
أنجزت رسالة دكتوراه عن موسيقى أفلام يوسف شاهين (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أمل قرمازي أسست أوركسترا "مزيكا" لكسر احتكار الرجال في قيادة الأوركسترا، مقدمةً الموسيقى العربية بمستوى عالمي يجمع بين الأصالة والحداثة، وتطورت لتضم موسيقيين عالميين.
- تركز "مزيكا" على دمج الموسيقى العربية مع العالمية، مقدمةً أنماطًا متنوعة مثل الكلاسيكية والبوب والفلكلورية، لجذب الجاليات العربية والأوروبيين المهتمين.
- تواجه قرمازي تحديات في توثيق الموسيقى العربية وتسعى لتقديمها بأسلوب أوركسترالي عالمي، مستضيفةً فنانين مميزين، وتهدف لتوسيع نطاق الأوركسترا واستكشاف أبعاد موسيقية جديدة.

ليس اعتيادياً أن تقود امرأة الأوركسترا، سواء كان ذلك عربياً أم أجنبياً، لكن الفنّانة التونسية أمل قرمازي استطاعت اختراق دائرة الاحتكار الذكورية لقيادة الأوركسترا. قبلها، مارست لسنوات طويلة العزف على الكمان في العديد في الأوركسترات العربية والعالمية، كما حصلت على درجة الدكتوراه في الموسيقى من جامعة السوربون، وساهمت في تأسيس أوركسترا مزيكا التي تقودها اليوم لتقديم التراث الموسيقي للجالية العربية المنتشرة في أنحاء أوروبا، وكذلك للجمهور الغربي. التقت "العربي الجديد" قرمازي للتعرف أكثر إلى تجربتها.

بداية، كيف جاءت فكرة تأسيس أوركسترا مزيكا؟
تأسست النواة الأولى لـ"مزيكا" قبل أكثر من عشر سنوات كفرقة شرقية صغيرة تقدم حفلات محدودة في العاصمة الفرنسية. في عام 2018، التقيت بمؤسسها شادي حاكمة، لأتولى قيادة الفرقة. ومنذ ذلك الحين، سعيت إلى تقديم رؤية جديدة للموسيقى العربية، لتتحول الفرقة إلى "أوركسترا مزيكا".
يركز المشروع على توظيف الدقة والمعايير العالمية من أجل تقديم الموسيقى العربية بمستوى عالمي وبأسلوب مبتكر يجمع بين الأصالة والحداثة، محافظين بذلك على الطابع الشرقي المميز لموسيقانا. وبفضل التعاون مع مؤسسات موسيقية أوروبية مرموقة، مثل الأوبرا ومعهد الفيلهارموني الفرنسيين، تطورت "مزيكا" لتصبح أوركسترا أوروبية تضم موسيقيين عالميين، مع الحفاظ على محتواها الشرقي الذي يحمل روحاً معاصرة.

ما الرؤية الفنية التي تقدمونها في الأوركسترا؟ ومن هو جمهورها؟
تعمل "مزيكا" على إحياء الموسيقى العربية من المحيط إلى الخليج والاحتفاء بها، مع دمجها بالموسيقى العالمية، وإن كان بصورة لا تتعارض والطابع الأصيل لكل نمط موسيقي نقدمه، ويقدِّم الأغاني عادةً عازفو أوركسترا وكورال "مزيكا"، وإن كنا نستضيف من وقت إلى آخر مؤدين أو مطربين بحسب طبيعة المشروع الذي نقدمه.
أما جمهورنا فيتكون من الجاليات العربية المقيمة في أوروبا، والذين دائماً ما يأتون خصّيصاً من مختلف المدن والبلدان الأوروبية لحضور حفلاتنا، بحثاً عن تجربة موسيقية حية تُقدَّم بجودة عالية وأسلوب مميز، بعيداً عن الطابع التجاري الاستهلاكي الذي يغلب على كثير من الحفلات الموسيقية في العالم العربي اليوم. إضافةً إلى ذلك، نلاحظ اهتماماً متزايداً من الفرنسيين والأوروبيين، فيستقطبهم تميز أسلوبنا الفني، ويزداد تفاعلهم معنا مع مرور الوقت.

في اختيارك للمقطوعات التراثية، ما المعايير أو النوعية التي تحرصين على تقديمها للجمهور الغربي ليتعرف من خلالها إلى الموسيقى العربية؟
لا يقتصر محتوانا على أداء نوع محدد من الموسيقى؛ فتنوع الموسيقيين ومستواهم الاحترافي يتيح لنا تقديم مجموعة من الأنماط، تشمل الموسيقى العربية الكلاسيكية والبوب، وحتى الأغاني الفلكلورية، وإن كنا نُعيد صياغة هذه الأعمال وفق أسلوب أوركسترالي سلس، يجعلها سهلة الوصول والتأثير، سواء لدى الجمهور العربي والغربي على حد سواء.

الأعمال الكلاسيكية العربية ليست مكتوبة مثل نظيرتها الغربية، ما يحتم على المايسترو تدوينها وإعدادها للعزف. ما الصعوبات الأخرى التي تواجهينها لدى تقديمك التراث العربي؟
لطالما اعتمدت الموسيقى العربية على النقل الشفهي، على عكس الموسيقى الغربية التي تمتاز بتوثيقها وتدوينها منذ قرون، من ثم هذا يضع على عاتقي، كقائدة أوركسترا، مسؤولية مزدوجة: أولاً، توثيق التراث الموسيقي العربي وتدوينه، وثانياً، إعادة صياغة الألحان والتوزيعات بهدف تطوير هذا الإرث وتقديمه في قالب أوركسترالي عالمي. حقيقةً، أشعر بفخر كبير بهذه المرحلة التحضيرية، إذ أتخيل وأبتكر أشكالاً جديدة لموسيقى مألوفة، ما يمنحها طابعاً مميزاً ومفاجئاً للجمهور. وبذلك، أعيد تقديمها بروح مبتكرة تليق بالمشهد الموسيقي المعاصر.

رسالتك للدكتوراه كانت عن موسيقى أفلام يوسف شاهين. ما المميز والمشترك في موسيقى أعماله وجعلها مناسبة لبحثك؟
صحيح، تناولت رسالة الدكتوراه، التي ناقشتها في جامعة السوربون، موسيقى أفلام يوسف شاهين ووظائفها في أعماله السينمائية. على عكس العديد من معاصريه، لم يستخدم شاهين الموسيقى كوسيلة للترفيه فقط، بل جعل منها أيضاً أداة تحمل خطاباً سياسياً ونقدياً يعبر عن أفكار لا يمكن إيصالها من خلال السرد أو الحوارات، إما بسبب الرقابة، أو القيود الاجتماعية. هدفت دراستي إلى الكشف عن كيفية تجاوز الموسيقى لدورها التقليدي وعملها خلفية تنشيطية للمشاهد الراقصة، حتى تصبح وسيلة حقيقية تعبر عن التزام فكري ورسالة إنسانية عميقة.

لسنوات طويلة مارست العزف على الكمان. ما الذي أضافته تلك الخبرة لك كقائدة للأوركسترا؟ 
عزف الكمان يختلف كلياً عن القيادة، فيركز العازف على أداء مقطوعات موسيقية معقدة تتطلب دقة عالية، سواء كانت أعمالًا صعبة أم أغاني معروفة تُعاد صياغتها في قالب موسيقي جديد، ما يستدعي مهارة فنّية متقدمة. أما القيادة، فتنطوي على تحضير التوزيعات الموسيقية وكتابة الألحان، إلى جانب إدارة الموسيقيين وضمان تناغمهم. 
يجب على القائد أن يكون ملمّاً بجميع تفاصيل الأوركسترا، من تنسيق الصوت بين الآلات إلى الإشراف على الأداء الجماعي، ما يضمن تقديم تجربة موسيقية متكاملة ومتناغمة.

في "مزيكا" تختارون دائماً فناني الغناء الذين يصاحبون الأوركسترا. من هم أبرزهم؟ وعلى أي أساس تختارونهم؟
استضافت الأوركسترا مجموعة مميزة من الفنانين، من بينهم رامي عياش وصوفيا صادق. أما عن معايير الاختيار، فلا بد من أن يتمتع الفنان بمستوى موسيقي رفيع وأداء حي يُضاهي أو يتفوق على تسجيلاته في الاستوديو، وأن يتميز أيضاً بصفات إنسانية تؤهله للتعاون والعمل الجماعي، مع إيمانه برؤية الأوركسترا في تقديم تجربة موسيقية استثنائية.

ما الذي تطمحين إلى تقديمه خلال الفترة المقبلة؟
لدينا جدول زمني حافل يشمل أكثر من عشر حفلات مبرمجة في عدد من العواصم والمدن الأوروبية، من بينها باريس وبروكسل وجنيف وليون وغيرها، إذ نسعى إلى توسيع نطاق الأوركسترا واستكشاف أبعاد جديدة في الموسيقى، من خلال تقديم أعمال تحمل طابعاً فريداً يمزج بين الأنماط الموسيقية العالمية، مثل الفلامنكو والجاز واللاتينو.

المساهمون