ألعاب الفيديو: معارك سياسية تُدار من الكنبة

17 فبراير 2022
رسائل الحملات الانتخابية عبر ألعاب الفيديو (لانس سكوندريخ/Getty)
+ الخط -

أطلق مرشحو الانتخابات الرئاسية في كوريا الجنوبية حملاتهم الرسمية، الثلاثاء الماضي، في سباق يشوبه صراع سياسي حاد حول مزاعم تتعلق بالمرشحين الرئيسيين وعائلاتهم. وتأتي انتخابات 9 مارس/ آذار في وقت تواجه فيه كوريا الجنوبية جملة من القضايا الحاسمة، مثل الاقتصاد المتضرر من جائحة "كوفيد-19"، والبرنامج النووي الكوري الشمالي المتقدم، والتنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين.

وهذه القضايا الجدية لم تشكل حائلاً أمام المرشح المحافظ يوون سوك-يول لينقل معركته إلى العالم الرقمي، إذ شكل فريقه "أفاتار" على هيئته، باستخدام تقنية "التزييف العميق" (deepfake)، في ما يزعم أنه أول استخدام للذكاء الاصطناعي في حملة انتخابية، في محاولة للتقرّب من الناخبين الأصغر سناً الذين يستقون أخبارهم من شبكة الإنترنت.

ووفقاً لوكالة "فرانس برس"، حققت شخصية يوون سوك-يول هذه ملايين المشاهدات منذ ظهورها الأول في الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي.

وبعيداً عن تقنية "التزييف العميق" التي لا تزال تُثار مخاوف حول استخدامها، إذ ينظر إليها كثيرون على أنها تهديد للخصوصية والمصداقية، وجد السياسيون في عالم ألعاب الفيديو منفذاً إلى جمهور واسع من اللاعبين الذين يدرون أرباحاً طائلة تضاعفت منذ تفشي وباء فيروس كورونا حول العالم. ومع تزايد انتقال ألعاب الفيديو التقليدية إلى الإنترنت، يستخدم اللاعبون المتمرسون في مجال التكنولوجيا أدوات برمجية لإدخال مواضيع سياسية وتقديم رسائل الحملات الانتخابية بفاعلية إلى زملائهم والمشاهدين على السواء.

ألعاب الفيديو والانتخابات الأميركية

قبل أيام من الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة، أصبح ممكناً لمحبي دونالد ترامب إدخال شخصيته في بعض ألعاب الفيديو، وحتى حمايته من عملية اغتيال في "غراند ثيفت أوتو"، التي تُمكّن لاعبيها من القيام بأعمال خارجة عن القانون. وكان يمكن للاعبين ذوي الميول السياسية المختلفة زيارة المرشح الديمقراطي جو بايدن، في مقره الرئيسي في "أنيمال كروسينغ" وعرض ملصقات حملته في ساحات افتراضية هناك.

خلال عام 2020 أيضاً، أصبحت النائبة الأميركية ألكسندريا أوكاسيو كورتيز نجمة على منصة "تويتش"، إذ مارست لعبة "أمونغ أس" أمام جمهور تجاوز عدده 430 ألفاً، في محاولة لتشجيع التصويت، ليصبح أحد أكثر الأحداث مشاهدة على هذه المنصة حينها. ونشرت أوكاسيو كورتيز، المعروفة بحبها لممارسة ألعاب الفيديو، رسائل سياسية على نطاق واسع أثناء ممارسة اللعبة الشعبية "تيم وورك أند بيتريل" لأكثر من ثلاث ساعات. وانضمت وزملاؤها من اللاعبين في إحدى المرات إلى عضو الكونغرس الديمقراطية إلهان عمر من مينيسوتا. وقالت النائبة رشيدة طليب في تغريدة حينها، أرفقتها بصورة لنجليها مركزين على شاشة جهاز لوحي: "يشاهد ولداي ألكسندريا أوكاسيو كورتيز وإلهان وهما يلعبان (أمونغ أس). يعتقدان أن هذا أروع شيء على الإطلاق، ويحاولان إقناعي بالانضمام إلى البرنامج".

وبعد أيام قليلة، قرصن مهاجمون إلكترونيون "أمونغ أس"، ونشروا رسائل مؤيدة لترامب.

وكان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أول من راهن على هذا العالم، فمن أجل حملته الانتخابية عام 2008 استخدم 18 لعبة فيديو معروفة كمنصة دعائية. وفي ظل إدارة أوباما، أعلنت المحكمة العليا للولايات المتحدة أن ألعاب الفيديو تتمتع بحرية التعبير.

وخلال السنوات الأخيرة، جاهر كثير من العاملين في مجال السياسة في واشنطن بشغفهم بممارسة ألعاب الفيديو، وبعضهم بالغ في هذا الشغف. ففي عام 2019، أقرّ النائب الجمهوري دانكن هانتر باستخدام أموال حملته الانتخابية، على نحو غير قانوني، في مصاريف شخصية، على رأسها ألعاب الفيديو.

ويمكن فهم هذا التوجه المحموم للسياسيين الأميركيين نحو عالم ألعاب الفيديو، إذ يشكل اللاعبون أكثر من 163 مليون شخص في سن الاقتراع، وفقاً لـ"إنترتينمنت سوفتوير أسوسييشن". ومعدلات التصويت للأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً هي الأدنى منذ عام 1966، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الأميركي. في الوقت نفسه، جيل الألفية حالياً هو الأكبر في البلاد، وأبناؤه هم الأكثر دعماً للديمقراطيين، إذ أظهرت دراسة أجراها "مركز بيو للأبحاث"، عام 2020، أن 59 في المائة منهم "ينتمون أو يميلون إلى" الحزب الديمقراطي.

ألعاب الفيديو في السياسة الفرنسية

يبدو مرشح اليسار الراديكالي للانتخابات الفرنسية التي تجرى في إبريل/ نيسان المقبل جان لوك ميلانشون الأكثر شغفاً بألعاب الفيديو من كل السياسيين في بلاده. إذ أطل في حوار تلفزيوني، قبل أيام، جدد خلاله إعجابه بقطاع الألعاب وتطوره في فرنسا، واصفاً إياه بالفن المتكامل الذي يجمع الموسيقى والصور والبرامج.

وكان ميلانشون قد عبّر عن انزعاجه، في مارس/ آذار الماضي، حين لم يشمل رفع بعض قيود جائحة "كوفيد-19" المتاجر وأقسام ألعاب الفيديو في فرنسا. وغرّد حينها: "لماذا لا نتحدث عن ألعاب الفيديو؟ إنها الصناعة الثقافية الأولى في البلاد! لماذا هذه الرفوف مغلقة؟ إنها ضرورية لملايين الناس!".

وفي حملة ميلانشون الرئاسية عام 2017، ظهر كشخصية في لعبة "فيسكال كومبات"، المستوحاة من "مورتال كومبات"، وهو يحارب لفرض سياسة إعادة توزيع الثروات.

وفقاً لشركة الإحصاءات "ستاتيستا"، بلغ عدد لاعبي ألعاب الفيديو 36.5 مليوناً في فرنسا خلال العام الماضي، ودروا أرباحاً قيمتها 2.66 مليار دولار أميركي في البلاد.

منصات للتطرف

تغلغل السياسة في ألعاب الفيديو حولها إلى منصات لتأجيج العنف ونشر خطاب الكراهية، وخاصة في ظل الانقسام السياسي الحاد الذي عانى منه الأميركيون خلال السنوات الأخيرة. ووجدت "بي بي سي"، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن المتطرفين يستخدمون ألعاب الفيديو الشائعة ومنصات الدردشة فيها لنشر الكراهية. ووجد باحثون، على مدى ثلاثة أشهر، أمثلة لمعاداة السامية، والعنصرية، ورهاب المثلية الجنسية، على بعض المنصات، حيث يبث المستخدمون ويدردشون من خلال بعض الألعاب مثل "كول أوف ديوتي" و"ماينكرافت". ويقول ناشطون إن تضمين خطاب التطرف في الدردشات اليومية يمكن أن يكون طريقاً إلى التشدد. وتنتقل هذه الدردشات بعد ذلك إلى فضاءات إلكترونية أخرى، مثل قنوات "تيليغرام" الخاصة.

الاستثمار العربي

صحيح أن عالم السياسة لا يزال بعيداً عن الألعاب الإلكترونية في العالم العربي، إلا أنه لم يغب تماماً. إذ أطلقت المملكة العربية السعودية، في يناير، مجموعة لتطوير قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ما يبرز طموحاتها في هذا المجال بينما تسعى لتنويع اقتصادها المرتهن للنفط.

وتحظى الألعاب والرياضات الإلكترونية بشعبية كبيرة في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 35 مليون نسمة، وغالبيتهم دون سن الخامسة والعشرين. ووصلت قيمة سوق هذه الألعاب في المملكة إلى مليار دولار أميركي عام 2021، وهو الأعلى من بين دول المنطقة، وفقاً لتقرير عن سوق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أصدرته شركة "نيكو بارتنرز" المتخصصة في هذا القطاع، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

ووفقاً لتقرير "نيكو بارتنرز"، فإنّ عدد اللاعبين في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر ــ أكبر ثلاث دول في هذا المجال ــ سيصل إلى 85.8 مليوناً في 2025، يدرون 3.1 مليارات دولار، مضيفاً أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "برزت بسرعة كمنطقة نمو رئيسية لصناعة ألعاب الفيديو العالمية".

"بوليتيكال أرينا"

يستعد الصحافي السابق إليوت نيلسون ليطلق خلال العام الحالي لعبة "الساحة السياسية" Political Arena التي عمل عليها طوال السنوات الثلاث الماضية. ويصف نيلسون لعبة الفيديو المنتظرة بأنها "الأولى التي تتعمق فعلاً في شؤون الديمقراطية الأميركية". وصرح نيلسون لصحيفة "نيويورك تايمز" أخيراً بأنه يريد من ممارسي اللعبة فهم الكيفية التي تعمل بها الإدارة الأميركية والاستمتاع في الوقت نفسه.

تبدأ اللعبة بابتكار شخصية سياسية وباختيار عدد محدود من النقاط لإنفاقها على بعض المهارات والسمات الشخصية؛ هل أنت من المهووسين بوسائل الإعلام أو المشاغبين الشعبويين؟ هل هدفك أن تصبح رئيساً، أو سيداً في مجلس الشيوخ، أو عضواً في مجلس النواب؟

ولمحاكاة العالم الحقيقي، يخلق البرنامج سياسيين يتعاملون بشكل وثيق مع سياسات منطقتهم أو دولتهم قدر الإمكان. وفي الوقت الحالي، الخصم هو الكمبيوتر والسيناريوهات التي يلقيها على اللاعب. لكن الإصدارات المستقبلية من اللعبة قد تسمح للاعبين بالتنافس بعضهم ضد بعض عبر الإنترنت.

هناك ثلاثة أنواع من العملات في اللعبة: المال والشهرة ورأس المال السياسي، وهو نوع من نقاط النفوذ. كما هو الحال في الحياة الواقعية، كلما جمعت أكثر، كلما كان ذلك أفضل. قد يُطلب من اللاعب، على سبيل المثال، التعامل مع التداعيات السياسية التي تثيرها تغريدة عنصرية لنائب، أو فضيحة لآخر تورط في علاقة غرامية مع سكرتيرة. وقال نيلسون: "هذه ليست لعبة من النوع الذي تُقتل فيه العفاريت بفأس".

المساهمون