عثر باحثون على أدلة حدوث أكبر عاصفة شمسية في تاريخ الأرض قبل أكثر من 14 ألف عام. في الدراسة التي نشرت في 9 أكتوبر/ تشرين الأول، في دورية Philosophical Transactions of the Royal Society A Mathematical Physical and Engineering Sciences، اكتشف فريق دولي ارتفاعاً كبيراً في مستويات الكربون المشع قبل 14300 عام من خلال تحليل حلقات الأشجار القديمة الموجودة في جبال الألب الفرنسية.
حذر الباحثون من أن عاصفة شمسية مماثلة إذا حدثت في زمننا الحاضر ستكون كارثية بالنسبة للمجتمع الحديث. فمن المحتمل أن تمحو الاتصالات السلكية واللاسلكية وأنظمة الأقمار الصناعية، وتتسبب في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، وتكلفنا مليارات الدولارات. لذلك، يشدد العلماء على أهمية فهم مثل هذه العواصف لحماية البنية التحتية العالمية للاتصالات والطاقة في المستقبل.
في الدراسة، قام الباحثون بقياس مستويات الكربون المشع في الأشجار القديمة المحفوظة على ضفاف نهر دروزيت المتآكلة، في جنوب جبال الألب الفرنسية. تم تقطيع جذوع الأشجار، وهي عبارة عن حفريات فرعية - وهي بقايا لم تكتمل عملية التحجر فيها - إلى حلقات شجرة مفردة صغيرة.
وقال المؤلف الرئيسي للدارسة إدوارد بارد - أستاذ المناخ في المركز الأوروبي لدراسات علوم الأرض في آكس آن بروفانس في فرنسا - إن تحليل هذه الحلقات الفردية رصد ارتفاعاً غير مسبوق في مستويات الكربون المشع، الذي حدث على وجه التحديد قبل 14300 عام.
ومن خلال مقارنة هذا الارتفاع في الكربون المشع بقياسات البريليوم، وهو عنصر كيميائي موجود في أعماق الجليد في غرينلاند، يتوقع أن الارتفاع كان ناجماً عن عاصفة شمسية ضخمة كان من الممكن أن تقذف كميات هائلة من الجزيئات النشطة إلى الغلاف الجوي للأرض.
وأضاف بارد في تصريح لـ"العربي الجديد": "يتم إنتاج الكربون المشع باستمرار في الغلاف الجوي العلوي من خلال سلسلة من التفاعلات التي بدأتها الأشعة الكونية. في الآونة الأخيرة، وجد العلماء أن الأحداث الشمسية المتطرفة بما في ذلك التوهجات الشمسية والانبعاثات الكتلية الإكليلية (انفجارات هائلة من الرياح الشمسية) يمكن أن تخلق أيضاً رشقات نارية قصيرة المدى من الجسيمات النشطة التي يتم الحفاظ عليها في صورة ارتفاعات هائلة في إنتاج الكربون المشع، تحدث على مدى عام واحد فقط".
وفقاً للمؤلف الرئيسي للدراسة، فإن حدوث عواصف شمسية ضخمة مماثلة اليوم يمكن أن يكون كارثياً على المجتمع التكنولوجي الحديث. إذ يمكن أن تكون للعواصف الشمسية الشديدة تأثيرات هائلة على الأرض، وأوضح أنه "يمكن لمثل هذه العواصف العاتية أن تلحق أضراراً دائمة بالمحولات في شبكات الكهرباء لدينا، ما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع لعدة أشهر. ويمكن أن تؤدي أيضاً إلى ضرر دائم للأقمار الصناعية التي نعتمد عليها جميعا في الملاحة والاتصالات، وهو ما يجعلها غير صالحة للاستخدام. كما أنها ستخلق مخاطر إشعاعية شديدة على رواد الفضاء".
حتى الآن، تمكن العلماء من تحديد تسع من هذه العواصف الشمسية الشديدة - المعروفة باسم أحداث "مياكي" - وأنها حدثت على مدار الخمسة عشر ألف عام الماضية. سجلت آخر أحداث "مياكي" في عامي 993 و774. وتعد العاصفة التي تم تحديدها في الدراسة الجديدة هي الأكبر ضمن العواصف التي تم اكتشافها على الإطلاق، ويبلغ حجمها ضعف حجم العاصفتين الأخيرتين.
كانت أكبر عاصفة شمسية مرصودة بشكل مباشر في عام 1859، وعرفت باسم حدث كارينغتون. تسبب هذا الحدث في حدوث اضطراب هائل على الأرض، إذ دمر آلات التلغراف وخلق شفقاً ليلياً شديد السطوع لدرجة أن الطيور بدأت تغني، معتقدة أن الشمس قد بدأت في الشروق.
لا تزال الطبيعة الدقيقة لأحداث "مياكي" غير مفهومة جيداً، إذ لم تتم ملاحظتها بشكل مباشر من قبل بشكل جيد.
ويقول مؤلفو الدراسة الجديدة إنه لا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه عن سلوك الشمس والمخاطر التي تشكلها على المجتمع البشري على الأرض. فنحن لا نعرف ما الذي يسبب حدوث مثل هذه العواصف الشمسية الشديدة، أو مدى تكرار حدوثها، أو ما إذا كان بإمكاننا التنبؤ بها بطريقة أو بأخرى.