- الأكاديميون يدعون لمراجعة شاملة ومستقلة للتقرير، فيما تدافع الصحيفة عن مصداقية التحقيق وتقول إنه يلبي معاييرها، رغم الانتقادات والتحقيقات الأخرى التي تشير إلى نقاط ضعف.
- الجدل يتسع ليشمل تحقيقات داخلية بالصحيفة وردود فعل متباينة، مع تصاعد الانتقادات حول طريقة تعامل الصحيفة مع الانتقادات، مما يبرز التحديات أمام الصحافة في التعامل مع القضايا الحساسة ويؤكد على أهمية الشفافية.
وقّع العشرات من أساتذة الصحافة من أرقى الجامعات الأميركية رسالة تطالب صحيفة نيويورك تايمز بالرد على الاستفسارات الكثيرة التي وُجهت إليها على خلفية تحقيقها حول "العنف الجنسي" المزعوم في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين نفذ مقاومو "القسّام"، الجناح العسكري لحركة حماس، عملية طوفان الأقصى التي أسفرت عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي واحتجاز نحو 200 رهينة.
وهذه الرسالة التي وقعها 59 أستاذاً من جامعات مختلفة، بينها جامعة نيويورك، وجامعة بنسلفانيا، وجامعة إموري، وجامعة تكساس، تأتي بعد شهور من الانتقادات التي وجهت للصحيفة الأميركية، والتي صدر بعضها عن موظفين فيها، بشأن مصداقيتها والمصادر التي اعتمدت عليها في تقريرها.
وطالب الموقعون على الرسالة، الاثنين، صحيفة نيويورك تايمز بـ"تكليف مجموعة من خبراء الصحافة على الفور بإجراء مراجعة شاملة ومستقلة كاملة للتغطية والتحرير والنشر في إعداد هذا التقرير، وإصدار تقرير بالنتائج". وعلى الرغم من إقرارهم بأنه من الصعب "كتابة مسودات دقيقة تماماً لأحداث حصلت بالفعل"، فإنهم شددوا على ضرورة أن تكون المؤسسات الإعلامية جاهزة لتُساءل عن عملها. وأشاروا إلى أن "نيويورك تايمز" وصحف أخرى راجعت في السابق تقارير لها استناداً إلى ملاحظاتهم وزملائهم. عام 2004 على سبيل المثال، راجعت صحيفة نيويورك تايمز تغطيتها للفترة التي سبقت الغزو الأميركي للعراق. وفي مذكرة موجهة للقرّاء، اعترف محرروها لاحقاً بأنهم لاحظوا تقارير "إشكالية" استندت إلى مصادر عراقية "أصبحت مصداقيتها موضع نقاش".
في المقابل، نقلت صحيفة واشنطن بوست عن متحدثة باسم "نيويورك تايمز" قولها إن المؤسسة "راجعت تحقيقها، وهي راضية عنها، إذ تفي بمعاييرها التحريرية".
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، نشرت الصحيفة الأميركية "تحقيقاً" عنوانه: "صرخات بلا كلمات: هكذا استخدمت حماس العنف الجنسي سلاحاً في 7 أكتوبر". "التحقيق" أجراه ثلاثة صحافيين هم جيفري غيتلمان وأنات شوارتز وآدم سيلا الذين "قابلوا أكثر من 150 شخصاً في مختلف أنحاء إسرائيل"، لكنه يفتقر لشهادات حقيقية لناجيات من العنف الجنسي المزعوم، إلى جانب بناء كل السردية على شهادات أفراد سبق أن أدلوا بمعلومات كاذبة مرتبطة بالعدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة. ودقق صحافيا موقع ذي إنترسبت الإخباري، جيريمي سكيهل وريان غريم، في تقرير "نيويورك تايمز". وأكدا، نقلاً عن متحدث باسم كيبوتس بئيري، حيث نفذ المقاومون الفلسطينيون عملية طوفان الأقصى، أن اثنين من "الضحايا" الثلاثة اللواتي ركزت عليهن "نيويورك تايمز" في تقريرها المنشور في ديسمبر، لسْن في الواقع ضحايا اعتداء جنسي. أما فيما يخص "الضحية" الثالثة المزعومة، فقد افتتح صحافيو "نيويورك تايمز" تحقيقهم بالحديث عن فيديو ظهرت فيه امرأة تدعى غال عبدوش، "مستلقية على ظهرها، وفستانها ممزق، وساقاها منفرجتان، ومهبلها مكشوف". وقالوا، "استناداً إلى حد كبير إلى أدلة الفيديو"، فإن "مسؤولين في الشرطة الإسرائيلية لم يذكروا أسماءهم قالوا إنهم يعتقدون" أن عبدوش تعرضت للاغتصاب. ولم تقدم الصحيفة أي دليل آخر لإثبات هذا الادعاء. لكن "ذي إنترسبت" لفت إلى أن "تقرير نيويورك تايمز يذكر رسائل واتساب من عبدوش وزوجها إلى عائلتهما، لكنه لا يذكر أن بعض أفراد الأسرة يعتقدون أن هذه الرسائل المهمة جعلت ادعاءات المسؤولين الإسرائيليين غير قابلة للتصديق". وفي تقرير لاحق نُشر، أشارت "نيويورك تايمز" إلى أن بعض أفراد عائلة عبدوش "أنكروا هذا الاحتمال (الاغتصاب) أو شككوا فيه...".
كما كشف "ذي إنترسبت" أن الصحيفة أوقفت بث حلقة من برنامج البودكاست الخاص بها، لأنه يطرح علامات استفهام حول التقرير المذكور. رداً على ذلك، أطلقت الصحيفة تحقيقاً داخلياً لتحديد هوية مسربي هذه المعلومات، في خطوة وصفتها نقابة الصحافيين فيها بأنها "مطاردة ساحرات" و"عنصرية".
وتطرقت رسالة الأكاديميين إلى التعليقات التي أدلى بها الصحافي جيفري غيتلمان، في مقابلة بعد نشر التقرير، والتي قال فيها إنه لا يريد استخدام كلمة "دليل" لوصف تفاصيل معينة فيه. وقالوا إن "هذه اللغة تتناقض بشكل صارخ مع التقرير نفسه الذي استخدم كلمة دليل في أحد عناوينه الفرعية، في إشارة إلى المعلومات نفسها التي كان غيتلمان يناقشها". يذكر أنه في مارس/آذار الماضي، ذكرت "نيويورك تايمز" أن أدلة الفيديو الجديدة "تقوّض" بعض التفاصيل في تحقيقها الأولي. لكنها لم تصدر تصحيحاً أو تراجعاً عن تقرير ديسمبر، وهو ما وصفه أساتذة الصحافة بـ"القرار غير المعتاد".