تجسّدت ملامح الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة جلية في عدد من أعمال الأداء الفنية الشبابية، والتي عكست بشكل غير تقليدي أثر الإغلاق على حياة الشباب، وناقشت صعوبات الحركة والتأثيرات السلبية على تحقيق الذات.
وينُظم معرض الفنون البصرية المعاصرة "مبني للمعزول" من طرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مركز رشاد الشوا الثقافي، غربي مدينة غزة، اليوم الأربعاء وغداً الخميس، بالتعاون مع مُحترف "شبابيك".
وشارك في المعرض نحو 12 فناناً وفنانة، عبروا بطُرق مختلفة عن رؤيتهم لتأثير الحصار الإسرائيلي.
وعكست المُشارَكات في المعرض ملامح التأثيرات السلبية للحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 16 عاماً، والتي أثرت على مُختلف نواحي الحياة.
وعَبّر الفنان أيمن الحصري من خلال مجموعة لوحات تشكيلية بعنوان "تكرار مملّ" عن تكرار الأيام والأحداث في قطاع غزة، وكأنه سيناريو يُعاد والجميع يعلم تفاصيله قبل أن يبدأ، ويرى أن هذه الحالة عبارة عن حصار وتضييق يزداد تدريجياً.
أما الفنانة حليمة الكحلوت، فقد عَبّرت من خلال ثلاث مكانس يدوية منزلية مُعاد طلاؤها، وقد صُنعت شعيراتها من لفائف ورقية من وصفات دوائية (روشيتات)، عن صعوبات الحصول على العلاج، وترى أن الوصفة الدوائية والعِلاج المطلوب وجهان لا يلتقيان، بفعل الحصار الإسرائيلي والاغلاق.
وتضمن المعرض لوحات فنية توضح ملامح العبوس في وجوه الشباب، إلى جانب مجسم معدني توسط المعرض لشخص متجمد في مكانه، في رسالة توضح مدى صعوبة الحركة والتنقل، إلى جانب بعض أعمال "الفيديو آرت"، والتي عكست التأثيرات السلبية للإغلاق.
الفنان محمد جحلش عَبّر من خِلال مجموعة من الأعمال النحتية، التي وضعت داخل علب من المعدن (علب السردين بحجمها الطبيعي)، عن واقع قطاع غزة.
ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه اختار علب السردين خصيصاً لأنها تشبه قطاع غزة، من ناحية الإغلاق المفروض عليه، وكثرة الحواجز التي تُحيط به من جميع الاتجاهات، حيث إن مجاله الجوي مغلق، كما مجاله البحري، إلى جانب أنه يُمنع التنقل منه وإليه إلا بتصريح، وغالباً لا يُمكن الحصول عليه حتى لغرض العِلاج.
وفي داخل علب السردين تجسدت ملامح الكثافة السُكانية التي يعيشها سُكان قطاع غزة، وفق تعبير جحلش، باستخدام قالب مُلفِت. ويسلط العمل الفني الضوء على المُشكلات التي يُعاني منها السُكان، من بطالة، وصعوبة تنقل، ونقص الدواء، وقلة فرص التصدير، وتدهور التعليم، ومحدودية مساحة الصيد.
ومن خِلال جهاز تلفاز لم يلتقط الإشارة على الرغم من وجود عدد من مستقطبات إشارة البث التلفزيوني، والمتصلة بتوصيلات تؤدي إلى شاشة عرض مُسطحة، عَبّرت الفنانة شيماء حسنين عن مفهوم العزلة وانعدام الوصول إلى إشارة البث.
وتوضح حسنين لـ"العربي الجديد"، أنها حاولت من خلال العمل مُحاكاة أحلام الشباب وطموحاتهم، وتقول "أرى أن غزة هي صحن ستالايت كبير تقطّعت أسلاكه وفقد إشارات بث الإرسال والاستقبال، وأرى أن حوله صحون ستالايت صغيرة مُعلقة كأحلام الشباب وطموحاتهم، التي يَصعُب تحقيقها ضمن حدود بقعة صغيرة".
وتجسد داخل المعرض مجسم لشاب جلس في حالة انتظار، وهو عمل فني للفنان مصطفى مهنا حمل اسم "انتظار بلا هدف"، يُحاكي منحوتة بحجم الإنسان الطبيعي على كرسي جلوس، في رسالة مفادها أن الجلوس في غزة يعني أن الشخص أصبح داخل عملية انتظار طويلة، ولكن بلا هدف.
وتقول المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأراضي المُحتلة سهير زقوت إن المعرض يأتي في إطار الحملة التي تطلقها اللجنة لإلقاء الضوء على أثر الإغلاق على حياة الشباب في غزة، حيث إنه وبناء على استطلاع للرأي أجرته اللجنة، فإن 9 من 10 شباب في القطاع يعتقدون أن حياتهم ليست طبيعية.
وعن التأثيرات السلبية للحصار والإغلاق على الشباب، تبين زقوت في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ثلثي الشباب ليسوا معتمدين على أنفسهم وما زالوا يعتمدون على أسرهم، فيما يرى هؤلاء الشباب أن مستقبلهم قاتم، وأن 66% منهم يرون أنهم سيشهدون جولات تصعيد جديدة، فيما لم يروا الكهرباء مُدة 24 ساعة في اليوم، ويعتقدون أنهم لن يروها.
وتضيف زقوت: "نُحاول بقدر الإمكان مساعدة الفلسطينيين في تجاوز تبعات الإغلاق المُستمر منذ 16 عاماً، إلا أننا في الوقت ذاته نرى أن تلك المُحاولات لا تكفي، وأن غزة بحاجة إلى حلول سياسية".