تمتلئ الساحة الفنية الأردنية بأصوات غنائية كثيرة، لكنها تفتقر لتوجيهها وصقلها وصنعها وتقديمها للجمهور الأردني بداية، والعربي لاحقاً. بمرور السنوات، أمسى السبب معلوماً، فلا شركات إنتاج مختصة في الموسيقى، ولا جهات إعلامية ملمة بالشؤون الفنية تسوق الإنتاجات إن توفرت، كما لا يوجد قرار حكومي بدعم الفن، حتى أن الجهة المخولة بحماية ودعم الفنان الأردني وهي نقابة الفنانين، تشكو العوز المالي أمام أبسط متطلبات أعضائها، فتقف بلا حول ولا قوة.
وسط ذلك كله، تبرز بين الحين والآخر أصوات أردنية، يسمعها الجمهور العربي، لكنها تعود للغياب بفعل قلة الإنتاجات الفنية، فكل ما يظهر يعتمد على مجهود الفنان في إنتاج وتسويق أعماله التي يوجهها غالباً للجمهور المحلي، مستفيداً من تسابق بعض المؤسسات للتغني بالأعياد الوطنية ومؤسسات الجيش والأمن، لتحقيق وجوده كفنان.
أصحاب الطموح من الأصوات، قصدوا برامج اكتشاف المواهب الغنائية التي يمتلئ بها الفضاء الإعلامي العربي. لذا، قد يُفاجأ البعض إن علم أنه منذ فوز ديانا كرزون عام 2003 بلقب برنامج "سوبر ستار"، شاركت مئات الأصوات الأردنية في برامج المواهب العربية والأردنية خلال 18 عاماً، لكن معظمها طواها النسيان وتحول معظم المشاركين إلى مغنين في "الكوفي شوبات" يبحثون عن قوت يومهم، مكتفين بالشهرة البسيطة التي حققوها. لكن وسط الكم الكبير من المواهب، برزت أسماء بقيت محفورة في ذاكرة الجمهور، بعضها استمر لغاية اليوم، وأكثرها اختار أصحابها تغيير مهنتهم الأصلية لمواجهة متطلبات الحياة، لكنهم بقوا على تماس مع مهنة الغناء بشكل أو آخر.
ديانا كرزون
قبل 18 عاماً جلبت ديانا كرزون أول انتصار فني جماهيري للأردن، عندما حازت لقب النسخة الأولى من برنامج "سوبر ستار" بعد منافسة حامية الوطيس مع منافستها في الحلقة الختامية السورية رويدا عطية. ساعد البرنامج الذي كان الأول عربياً في اكتشاف المواهب الذي يبث على المحطات الفضائية في وصول اسم ديانا والمشاركين إلى جميع أرجاء العالم العربي. ديانا التي ما زالت ناشطة لليوم في الساحة الفنية، موجودة بقوة في الحفلات والأعراس وبعض المهرجانات العربية، ولا ترتبط بشركة إنتاج.
نداء شرارة
لفتت نداء شرارة الأنظار إليها فور مشاركتها عام 2015 في النسخة الثالثة من برنامج "ذا فويس"، فكان حجابها ينافس صوتها القوي في أحاديث الناس، وبخاصة متتبعي البرنامج الذي راهن معظمهم على خروجها مبكراً بسبب الحجاب. نداء أثبتت أن الصوت فوق كل الاعتبارات ونالت لقب البرنامج، لتنطلق شهرتها عربياً بشكل واسع وتصبح دائمة الحضور في المهرجانات الأردنية والمصرية بشكل خاص، وتحقق أغانيها مشاهدات مليونية، وقد تكون الوحيدة من بين كل المغنين الأردنيين ممن لهم شركة إنتاج تتبنى أعمالهم.
أدهم نابلسي
يشكل أدهم نابلسي حالة استثنائية في الأغنية الأردنية. قد يكون الفنان الأردني الوحيد الذي يملك قاعدة جماهيرية في لبنان ومصر أكثر من الأردن! وتفسير الأمر هو عدم مشاركته حتى الآن في أي حفل كبير أو مهرجان جماهيري في الأردن لقياس شعبيته، رغم أنه حظي بإطراء إعلامي وجماهيري كبير في الأردن، على هامش وصوله للحلقة النهائية من برنامج "إكس فاكتور" مع ملهمه الفني وائل كفوري، وحاز يومها المركز الثاني، واستقبله الجمهور الأردني بحفاوة أثناء غنائه المشترك في أغنية واحدة مع المغنية إليسا، في حفلها عام 2016 بمهرجان جرش يومها.
يحيى صويص
حقق يحيى صويص شعبية كبيرة في الأردن بفوزه عام 2005 بالجائزة الأولى لـ"مهرجان الأغنية الأردنية"، وزادت شعبيته بعد مشاركتيه الأولى: في النسخة اليتيمة من برنامج "ألبوم" الذي أنتجته مجموعة mbc عام 2007 وأشرف عليه الفنان راشد الماجد. ثم مشاركته في النسخة السادسة من برنامج "ستار أكاديمي" عام 2009، ليلفت انتباه الجمهور ويؤسس لنفسه مكاناً بارزاً في الساحة الفنية الأردنية، وهو ما استمر عليه لغاية اليوم.
يوسف كيوان
حول يوسف كيوان اتجاهه الفني من الغناء إلى التمثيل بشكل مطلق. يوسف الذي وصل الحلقة النهائية من برنامج "العندليب من يكون" الذي أنتجته مجموعة mbc عام2004، لاختيار من يؤدي شخصية الفنان الراحل عبد الحليم حافظ في مسلسل تلفزيوني. عاد إلى الأردن بشهرة كبيرة لم تنفعه بالاستمرار مغنياً، حتى بعد فوزه في عام 2006 بالجائزة الأولى لـ"مهرجان الأغنية الأردنية". حينها كانت ليوسف مشاركات في مسلسل "الطريق الوعر" للمخرج الراحل شوقي الماجري، و"سلطانة" للمخرج اياد الخزوز. فضل يوسف الانتقال الى التمثيل وترك احتراف الغناء عندما لم يجد شركة تدعم طموحه الغنائي. وهو ما أكده عندما شارك ممثلاً في تجسيد شخصية عبد الحليم حافظ في حفل "الهيلوغرام" الذي عرض في دبي والقاهرة في مايو/أيار الماضي.
إياد القاسم
تجول إياد القاسم بين الكثير من برامج اكتشاف المواهب، ملاحقاً حلمه بأن يكون فناناً ذا شأن، بالنظر لما يتمتع به من صوت رومانسي، بشهادة لجان تحكيم البرامج التي شارك بها، وهي: "سوبر ستار"، "أراب آيدول"، "محمد عبده وفنان العرب"، و"الزمن الجميل". وفي مشاركاته المتعددة كان إياد يصل إلى المرحلة الختامية من هذه البرامج. وهوالأمر الذي استفاد من خلاله بالمشاركة في عدد من المهرجانات العربية في مصر والمغرب والكويت والإمارات، قبل أن يتفرغ منذ عامين للغناء في دولة الإمارات.
محمد الحوري
لم تشفع الشهرة الكبيرة التي حققها محمد الحوري، بعد مشاركته في برنامج "أراب آيدول" له بأن يجد شركة إنتاج تتبنى صوته. الحوري الذي كان معروفاً على صعيد أردني ومشاركاً في أبرز المهرجانات، صدم بالواقع الذي يعيشه زملاؤه في الأردن. ليقرر السفر إلى السويد للاستقرار هناك، والغناء للجاليات العربية في أوروبا.
بشار غزاوي
عرف الجمهور الأردني بشار غزاوي منذ أن ظهر مغنياً وملحناً، وسط مجموعة من الشباب الطموحين. كان عام 2004 حاسماً في مشواره الفني، فقرر المشاركة في برنامج "ستار أكاديمي"، وعاد الى الأردن بعد انتهاء مشاركته مقرراً الزواج بزميلته الجزائرية سلمى غزالي.
بشار تخلى عن حلمه الغنائي، وقرر دعم سلمى في مشوارها الفني كزوج وملحن ومدير أعمال، وهو الأمر الذي نجح فيه بعد أن انضمت سلمى إلى شركة روتانا. سرعان ما تغير الحال، ليقرر بشار وسلمى الهجرة إلى كندا والاستقرار هناك في أعمالهما الخاصة بعيداً عن الفن، ومؤخراً افتتحا قناة "يوتيوب" يرويان فيها يومياتهما.
يوسف عرفات
لا أحد يعلم بالتحديد، لماذا قرر يوسف عرفات هجر الفن. يوسف كان قد حقق جماهيرية كبيرة إبان مشاركته في الموسم الأول من "أراب آيدول"، وكانت أسهمه في تصاعد حتى بعد أن خسر اللقب لمصلحة المصرية كارمن سليمان، وبقي نشيطاً في إصدار الأغنيات وإحياء الحفلات في مختلف أنحاء العالم العربي. نقطة التحول كانت عندما شارك في جولة غنائية في الولايات المتحدة وكندا عام 2016، يومها استثمر وجوده هناك وبدأ بإجراءات الإقامة، ثم فسخ عقده مع شركة "بلاتينيوم" وبقي على تماس مع الغناء، إلى أن اختفى لعامين ظهر بعدها بوزن أقل، واعداً الجمهور بتقديم أعمال فنية، لكنه فاجأهم بزواجه.
محمد رمضان
منذ أن خسر عام 2009 لقب "ستار أكاديمي" لصالح منافسه السوري ناصيف زيتون، ونفي علاقة الحب التي تجمعه بزميلته العراقية رحمة رياض، لم يقدم محمد رمضان نفسه بشكل جيد أمام الجمهور، ولم يستثمر انتشاره العربي بعد البرنامج فقدم أعمالاً متفاوتة بين الجيد والعادي، وصار ضيفا على بعض البرامج التلفزيونية والحفلات. وعندما بدأ الجمهور بنسيانه فاجأهم العام الماضي بخبر خطوبته.
قرار حكومي بدعم الإبداع
يجد الكاتب الصحافي طلعت شناعة، أن خلو الساحة الفنية الأردنية من شركات إنتاج متخصصة بالموسيقى تدفع أصحاب المواهب إلى التخبط في قراراتهم الفنية بسبب عدم الخبرة، ويشرح: "صناعة الأغنية ليست سهلة، الأمر لم يعد يتعلق بالصوت فقط. لذا أنا أتفهم التخبط الواضح الذي يمر به المغنون الجدد أو حتى الكبار". ويطالب شناعة الحكومة الأردنية بالتدخل، لدعم الفن والفنانين، قائلاً: "معروف أن الفن والثقافة هما القوة الناعمة لأي دولة. للأسف في الأردن لا توجد جهة ترى الفن وتؤسس له، حتى نقابة الفنانين التي تعد مظلة للمبدعين تحتاج لمن يدعمها، لذلك لا بد من قرار سيادي بدعم وصناعة الفنانين وانتشارهم".
وتتفق الكاتبة الصحافية رنا حداد مع ما ذهب إليه شناعة وتضيف: "مئات المواهب تلجأ لمواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى الجمهور. هناك العديد من الأصوات الجميلة والمنافسة، ومن شهرتهم برامج المواهب أضاعوا البوصلة في المقارنة بين ما وجدوه من اهتمام في تلك البرامج، والواقع الذي وجدوه لدى عودتهم. وتضيف: "في كل دول العالم تتولى الدولة دعم مبدعيها وتعمل على إيصال إبداعهم للجمهور. ونقابة الفنانين الجهة المخولة بأمورهم، صار همها البحث عن دعم مالي ينقذ صندوق تقاعد أعضائها".