- تحولت ظاهرة أبناء الممثلين إلى قاعدة في الوسط الفني، مما جعل الصناعة تبدو كمهنة عائلية، وأصبح الجيل الأول يدافع عن نفسه ضد الانتقادات، بينما الأجيال الجديدة تشعر بنوع من الاستحقاق.
- يستخدم الجيل الحالي من أبناء الممثلين حيل دفاعية لتبرير وجودهم، مثل الإشارة إلى دراستهم للتمثيل كدليل على كفاءتهم، لكن الجدل يبقى قائمًا حول عدالة الفرص وتعميق حالة الجمود في الوسط الفني.
تعرّف الجمهور إلى ظاهرة أبناء الممثلين في بداية الألفية الثالثة، مع ظهور جيل جديد من أبناء الممثلين في تلك الفترة، مثل أحمد صلاح السعدني، وأحمد فاروق الفيشاوي، ومحمد عادل إمام. تلقى هؤلاء دعماً كبيراً تقديراً لمشوار آبائهم في المجال الفني، وكانت الأصوات المنتقدة لظهورهم فجأةً على الساحة أقل من الوقت الحالي، لعدة أسباب؛ أهمها أنهم في النهاية كانوا فئة قليلة أمام عشرات الفنانين الآخرين المتصدرين للمشهد من خارج عائلات الوسط الفني.
أما الآن، فتحولت ظاهرة أبناء الممثلين إلى القاعدة وليست استثناءً، مع ظهور العديد من الأجيال المختلفة من أبناء وأحفاد الفنانين، وأصبحوا يمثلون النسبة الأكبر من أطقم عمل معظم الأعمال الفنية، وأصبح الأمر اعتيادياً في الوسط الفني، إلى حدّ أن حصول أحد الفنانين الشباب في الوقت الحالي على فرصة صدارة عمل فني، نادرة الحدوث، في حال عدم وجود عامل أسري مساعد له في الصعود. ومن المتوقع أن تستمر الظاهرة في الزيادة بدخول جيل جديد من أطفال الفنانين إلى الدراما في موسم رمضان الماضي، مثل ابن حمادة هلال وأبناء أكرم حسني وأبناء أحمد زاهر.
أبناء الممثلين والمهنة العائلية
توسع سيطرة أبناء العاملين على المهن الفنية، يجعل صناعة الدراما والسينما مهنة عائلية، خصوصاً بدخول أجيال جديدة من المخرجين والعاملين خلف الكاميرا من أبناء العاملين أيضاً، مثل خالد نبيل الحلفاوي، وأحمد محمود الجندي، ونادين محمد خان، وغيرهم ممن حضروا في مسلسلات موسم رمضان الأخير. ولم يعد غريباً حضور عدة أفراد من العائلة نفسها في عمل واحد أو أكثر، وأشهرها عائلة الممثل أحمد زاهر، بظهور ثلاث من بناته في ثلاثة مسلسلات مختلفة. وينسحب الأمر كذلك على مريم الجندي، شقيقة المخرج أحمد محمود الجندي، وتقاسم خالد النبوي بطولة مسلسل "إمبراطورية ميم" مع ابنه نور للمرة الثانية على التوالي في رمضان.
استغرق الجيل الأول من أبناء الممثلين وقتاً طويلاً في الدفاع عن أنفسهم والرد على الانتقادات. لكن، في الوقت الحالي، تحول هذا الأمر إلى شعور بالاستحقاق لدى الأجيال الجديدة من أبناء العاملين، ما يظهر مثلاً في تصريحات تلفزيونية أخيرة لناهد السباعي، حفيدة فريد شوقي، التي ترى أن أبناء الفنانين أكثر الممثلين فهماً للمهنة وآدابها، على العكس من القادمين من مجال الإعلانات ومواقع التواصل الاجتماعي، وكأنه لا فئات أخرى تحاول الحصول على فرص الظهور من طلاب المعاهد المسرحية مثلاً. ولخصت تصريحاتها قواعد دخول مجال التمثيل في الوقت الحالي: إما أن تكون من أبناء العاملين وإما أن تكون شهيراً في مجال مواقع التواصل الاجتماعي والإعلانات.
حيل دفاعية مختلفة
اعتمد الجيل الحالي أيضاً على حيل دفاعية أخرى تبرر وجود أبنائه المكثف على الشاشة، أبرزها اتجاههم لدراسة التمثيل في الولايات المتحدة، وكأنها شهادة معتمدة لنفي "الواسطة"، رغم أنها ليست مقياساً لأي شيء، ولكنها حيلة تسويقية لإثبات التفوق على نظرائهم من خريجي معاهد التمثيل المحلية، إضافةً إلى التصريحات الأخرى التي تعترف بأن من حق الجمهور اتهامهم باستخدام "الواسطة"، وأن عليهم إثبات عكس ذلك من خلال استمراريتهم ونجاحهم، إضافة إلى التصريحات التقليدية بأن العمل الفني يعتمد على الجماهيرية، وأن الواسطة قد تعطي فرصة للظهور، لكنها لا تضمن الاستمرارية في حال عدم الاجتهاد وفي حال رفض الجمهور لهم، لذلك هم مستمرون.
فشل أبناء العاملين حتى الآن في تبرير ظاهرة حضورهم المتزايد على الشاشة، فأغلبهم يقول إنه دخل التمثيل من دون موافقة وعلم أسرتهم. وفي الوقت نفسه كانت معظم أعمالهم الأولى مع آبائهم، بداية من محمد إمام وأحمد السعدني وكريم محمود عبد العزيز، إلى نور النبوي ويوسف ماجد الكدواني. حتى مبرر الاستمرارية لا يتوافق مع طريقة صعودهم، فهم حصلوا على عشرات الفرص في البدايات رغم محدودية مواهبهم، التي جعلتهم في النهاية وجوهاً مألوفة.
ما يحدث في الوسط الفني تجسيد مثالي لعدم تكافؤ الفرص -أو الفساد كما يصفه باسم سمرة بخصوص هذه الظاهرة- خصوصاً إذا كانت هذه الفرص ضئيلة في الوقت الحالي بسبب ضعف الإنتاج، ما يجعل ظهور المزيد من أبناء الممثلين يعني بالضرورة تقليص فرص العديد من أصحاب المواهب الحقيقية.
غياب الطاقات الجديدة على الشاشة سيعمّق حالة الجمود التي يعاني منها الوسط الفني، وتظهر بوادرها في الوقت الحالي من الاحتفاء المبالغ به أحياناً من الجمهور بظهور فنانين من خارج هذا القاموس، وهو احتفال بكسر القاعدة أكثر منه احتفالاً بالموهبة نفسها، مثل ما حدث مع الممثل عصام عمر، بطل مسلسل "مسار إجباري"، والممثل مصطفى أبو سريع في مسلسل "العتاولة".
وأخيراً، هذا ما حصل أيضاً مع مغني المهرجانات كزبرة، الذي أنقذت مشاهده العفوية الطريفة مسلسل "كوبرا" لمحمد عادل إمام، بعد مساهمته في فيلم "الحريفة" لنور خالد النبوي، ورغم ذلك ليست هناك أي مؤشرات على حصوله على مساحة أكبر من ذلك، على عكس الأسماء السابقة.