أبراهام شتيرن: الرجل والعصابة والدولة

28 مايو 2024
رجال المقاومة الفلسطينية في اشتباك مع عصابات الهاغاناه عام 1948 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- يستكشف الوثائقي "شتيرن: الرجل، والعصابة، والدولة" حياة مؤسس "ليحي"، أبراهام شتيرن، وعلاقته بالنازيين، مع التركيز على رفضه للهدنة مع البريطانيين لمواصلة القتال من أجل إسرائيل.
- يبرز الفيلم الجدل حول تصنيف "ليحي" كمنظمة إرهابية والإنكار في إسرائيل لتعاون شتيرن مع النازيين، مستندًا إلى وثائق وأدلة تاريخية.
- يناقش دور أفعال وأيديولوجيات شتيرن وعصابته في تأسيس دولة إسرائيل، مشيرًا إلى استخدامهم للطرق الإرهابية وتبييض صورتهم في إسرائيل الحديثة.

عُرضَ أخيراً الفيلم الوثائقي "شتيرن: الرجل، والعصابة، والدولة"، للمخرج المصري حسام سرحان المقيم في لندن. يناقش العمل، بوصفه وسيطاً ثقافياً ومعرفياً، قضية الصهيوني أبراهام شتيرن (Avraham Stern)، وتحالفه مع النازيين الألمان. سرحان يُعرِّف نفسه بصفته صانع أفلام وثائقية وليس صحافياً، وهذا ما يدفعنا إلى قراءة الفيلم بتأنّ أكبر من جهة المراجع المستخدمة لتدعيم قصته، ومن جهة تسرب ذاتية المخرج إلى العمل بإرادته أو من دونها.
لم يوافق شتيرن وعصابته الإرهابية ("ليحي": المقاتلون من أجل حرية إسرائيل) على الاتفاق الذي عقدته عصابتا الإرغون والهاغاناه مع البريطانيين عشية الحرب العالمية الثانية، بعد أن اعتقلت بريطانيا قياداتهم واحتجزتهم في تل أبيب. ذاك الاتفاق ينصُّ على هدنة لن تقوم خلالها هذه العصابات الصهيونية بأية عمليات إرهابية ضد الانتداب البريطاني في الداخل الفلسطيني.
استمر أبراهام شتيرن في القتال وانفصل عن الإرغون. هذا الشاب المتعصب جاء من بولندا ليدرس الآداب في الجامعة العبرية ولا تفاصيل مهمة عن تاريخه قبل هذا الأمر. يروي ابنه خلال العرض أن أباه قد "قُتِل بدمٍ بارد على يد البريطانيين في شهر إبريل/نيسان 1942 وهو بعمر 34 عاماً". يؤكد إلداد هاروني مدير الأرشيف في متحف البلماخ أن شتيرن لم يسلم نفسه عن طيب خاطر، ويصنفه أنه "بطل رومانسي من أبطال عصره، وشاعر متمسك بأيديولوجيته، وشخص صادق يعبر عن عصره، تحول لاحقاً إلى رمز".
في المقابل، يظهر في العمل ثلاثة مؤرخين، هم إيلان بابيه وتوماس سواريز وطوني غرينستين، يؤكدون جميعاً وبالوثائق والدليل القاطع أن ليحي ليست العصابة الإرهابية الوحيدة في ذاك الزمن، بل القيادات والعصابات الصهيونية جميعها تمثّل عصابات إرهابية. القضية هنا بالتأكيد ليست قضية اختلاف في وجهات النظر، وهذا ما يؤكده المخرج عبر المونتاج، إذ يؤطر بدقة لحظات الإنكار التي يعيشها ابن أبراهام شتيرن والمحامي أورون شوارتز الذي يعتبر في إسرائيل باحثاً في الحركة الصهيونية. هذا الإنكار أصبح متغلغلاً حتى في سلوك الأفراد، فعندما قدم فريق التصوير وثائق رسمية عن لقاء شتيرن مع النازيين، ردّ المحامي أن هذه بروتوكولات استجواب، وردَّ الابن بأن التعاون كان رسالة أرسلها شتيرن إلى السفارة الألمانية في بيروت ولم يصل إليه ردّ عليها.
عشر دقائق من زمن العرض حتى تنتهي قصة شتيرن، الشخصية الرئيسية، وتبدأ بعدها قصة إسرائيل، الدولة التي بنيت على يد حفنة من الإرهابيين ودعم بريطاني مباشر. يتميز شتيرن من باقي الإرهابيين بكونه ذا التكتيك الأكثر عنصرية وهمجية، فالخلاف بين العصابات قائم على التكتيك وليس المبادئ.
كان شتيرن يرى نفسه مناهضاً للإمبريالية، ويعتبر أن الفلسطينيين جزء من الإمبراطورية البريطانية، وهذا دليل على التشوه الفكري والتاريخي والعقائدي لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي. آمنت جميع القيادات الصهيونية بمبدأ "عدو عدوي هو صديقي" وعملت على هذا الأساس، حتى ظن شتيرن بكل سذاجة أنه قادر على تشكيل تحالف مع هتلر ضد البريطانيين، علماً بأنه على دراية بما يحدث لليهود في معسكرات النازيين.
يؤكد أستاذ التاريخ والشرق الأوسط في جامعة أوكسفورد، يوجين روغان، أن ليحي والنازيين تقابلوا في بيروت، هذا ما لم يُدقّق في الفيلم. كان بن غوريون مفتوناً بالفاشية باعتبارها أيديولوجيا. نقل الصهانية الهوية النازية منهجياً إلى فلسطين، حتى أن لقب "كارهين لأنفسهم" هو اللقب الذي أطلقه الألمان على الألماني المناهض للفاشية. وفي إحدى الوثائق لشتيرن، يؤكد أن "السلاح حتى لو كان من ألمانيا أو إيطاليا، فلا مكان للمشاعر في الحرب، وسنتعاون مع أي قوة عسكرية تساعدنا على إقامة مملكة إسرائيل".
ظن البريطانيون أنهم بقتل أبراهام شتيرن تكون المشكلة قد انتهت، وهذا ما لم يحدث. القيادات التي أتت بعده كانت أكثر تطرفاً وتنظيماً، قتلت ليحي كثيراً من البريطانيين والفلسطينيين في عمليات ذُكرت بالتفصيل في كتاب توماس سواريز "دولة الإرهاب: كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب؟". وبالرغم من عدد مقاتليها القليل، إلا أنها أقدمت على عمليتين إرهابيتين تاريخيتين، راح ضحية الأولى وسيط الأمم المتحدة الكونت السويدي فولك برنادوت (1895 - 1948) الذي أنقذ يهوداً من معسكرات الاعتقال أكثر مما أنقذته الصهيونية، والثانية قام بها اثنان من أعضاء ليحي في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1944، انتقاماً لمقتل أبراهام شتيرن إذ اغتالا اللورد موين في القاهرة، الذي كان أعلى ممثل للحكومة البريطانية في الشرق الأوسط في ذلك الوقت.
لاحت الفرصة لجميع العصابات الصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية لبدء العمل على مخططاتهم في الداخل والخارج. تخطى إرهابهم الحدود القانونية للدول. كثير من التفجيرات حدثت في أوروبا بوصفها هدفاً أساسياً صاغه إلياهو دوبكن، رئيس قسم الهجرة في الوكالة اليهودية آنذاك: "أساليب إرهابية ستستخدم لإجبار يهود أوروبا على الذهاب إلى فلسطين بعد الحرب"، ذُكر هذا في ملخص استخباري بريطاني يعود إلى شهر إبريل/نيسان 1945.

لم يدقق العمل على بريطانيا بصفتها مستعمِرة أهدت بلداً كاملاً لعصابة إرهابية. بيّضت إسرائيل صفحة هؤلاء المجرمين وفق عقلية الدولة القومية. اندمجت عصابة ليحي وباقي العصابات في جيش الاحتلال، ووُضعت صورة لشتيرن على طابع بريدي. مناحم بيغن أحد مؤسسي عصابة الإرغون أصبح رئيساً للوزراء، وحصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات.

الفيلم، بتأويل آخر، هو كتالوغ يشرح كيفية بناء دولة مفتونة بنازية ألمانيا وفاشية إيطاليا في عالم غير أخلاقي. أما الحكومة الحالية في إسرائيل، فهي تتصرف كشتيرن حرفياً. الفارق أن لديها كل القوة التي لم يحصل عليها شتيرن، وعلاقة متينة مع الغرب وإيطاليا وألمانيا.

المساهمون