أبحاث 2024: إنجازات في الفيزياء والفلك والآثار والطب

01 يناير 2025
الكتابة المسمارية الأولية ظهرت في مدينة أوروك في جنوب العراق (نِك ويلر / Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد عام 2024 اهتماماً متزايداً بالبحث العلمي بسبب تحديات جائحة كوفيد-19 والصدمات الاقتصادية وتغيرات المناخ، مما أدى إلى نشر أبحاث متعددة في مجالات متنوعة مثل الفيزياء والفلك وعلوم الآثار والطب النفسي.
- تضمنت الاكتشافات العلمية البارزة اكتشاف نجم ثنائي بالقرب من ثقب أسود، ومسار جديد لتكوين الذكريات طويلة الأمد، ودراسة تربط التنمر في المراهقة بمشاكل عقلية لاحقاً.
- في التكنولوجيا والعلوم الطبيعية، أظهرت الألواح الشمسية العائمة كفاءتها، وكُشف عن نظام رفع هيدروليكي في بناء هرم زوسر، وتم تحديد الجينوم المرجعي لنبات القهوة العربية.

شهد عام 2024 اهتماماً غير مسبوق بالبحث العلمي بعد التعرض لمخاطر جائحة كوفيد-19، وتأثيرات الصدمات الاقتصادية المتتالية بسبب الحروب والصراعات السياسية والعسكرية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن التأثيرات المتنامية لتغيرات المناخ. لكن، رغم أن العام مر ثقيلاً على الإنسانية من نواح عدة، إلا أنه شهد أيضاً نشر أبحاث عدة لا تتعلق فقط بالبحث عن علاجات أو اكتشافات طبية، ولكن أيضاً في مجالات الفيزياء والفلك والاستشعار من بعد، وعلوم الآثار والطب النفسي.
في هذا التقرير، تستعرض "العربي الجديد" عدداً أهم أبحاث عام 2024، وأحدثت تطوراً في العلوم، أو أتت بجديد يخالف المتعارف عليه بين الباحثين في مجال ما على مدار عقود.

أول نجم ثنائي

كان من أبرز الاكتشافات في علم الفلك خلال عام 2024، اكتشاف فريق دولي نجماً ثنائياً يدعى D9، بالقرب من الثقب الأسود الهائل في مركز مجرتنا، وهو أول اكتشاف من نوعه. يعتمد البحث المنشور في مجلة Nature Communications على بيانات تلسكوب العملاق للمرصد الجنوبي الأوروبي، ويظهر أن النجوم الثنائية يمكنها البقاء لفترة قصيرة في بيئات ذات جاذبية شديدة. وفقاً لتصريحات المؤلف الرئيسي للدراسة، فلوريان بيسكر، الباحث في الفيزياء الفلكية في جامعة كولونيا في ألمانيا، فإن عمر النجم يقدر بـ2.7 مليون سنة، ومن المتوقع اندماجه خلال مليون سنة. يشير بيسكر إلى أن الثقوب السوداء أقل تدميراً مما كان يعتقد سابقاً، ويؤكد أن هذا الاكتشاف قد يمهد الطريق لتحديد هوية أجسام G الغامضة واكتشاف كواكب جديدة في هذه البيئات الفريدة.

تكوين الذكريات

في واحدة من أبرز أبحاث 2024، نشرت دراسة أخرى، مرتبطة في علوم المخ والأعصاب هذه المرة، اكتشف باحثون مساراً جديداً لتكوين الذكريات طويلة الأمد في الدماغ، مستقلاً عن الذكريات قصيرة الأمد، ما يغير الفهم التقليدي للذاكرة، ويشير إلى مرونة أكبر في الدماغ. استخدم الفريق تقنية البصريات الجينية لتعطيل إنزيم CaMKII في الفئران، ما منع تكوين الذاكرة قصيرة الأمد. ومع ذلك، تشكلت الذاكرة طويلة الأمد باستقلال. يفتح هذا الاكتشاف المنشور في مجلة Nature Neuroscience، آفاقاً جديدة لفهم ومعالجة الاضطرابات المرتبطة بالذاكرة، ويثير تساؤلات حول إمكانية تعزيز المسار الموازي لتكوين الذاكرة طويلة الأمد علاجياً. تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة، ميونغ شين، زميلة الأبحاث في علوم المخ والأعصاب في معهد ماكس بلانك للعلوم العصبية، إن هذا الاكتشاف "يشبه العثور على مسار سري إلى معرض دائم في الدماغ".

التنمر في المراهقة

في مجالات الصحة النفسية والعقلية، أظهرت دراسة نشرت في مجلة Nature Mental Health أن المراهقين الذين تعرضوا للتنمر في سن 11عاماً، وطوروا عدم ثقة بالآخرين بحلول سن 14 عاماً، كانوا أكثر عرضة بثلاثة أضعاف ونصف لمشاكل الصحة العقلية في سن 17 عاماً، مقارنة بأقرانهم الذين لم يطوروا عدم الثقة. شملت الدراسة بيانات متابعة لعشرة آلاف طفل في المملكة المتحدة على مدى عقدين. المؤلف الرئيسي للدراسة، جورج سلافيتش، مدير مختبر الصحة لتقييم الإجهاد والأبحاث التابع لجامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة، أن هذه النتائج يمكن أن تساعد المدارس والمؤسسات الأخرى على تطوير تدخلات جديدة قائمة على الأدلة لمواجهة الآثار السلبية للتنمر على الصحة العقلية.

الكتابة في العراق

من التاريخ الطبيعي إلى التاريخ البشري، استعرضت دراسة نشرت في مجلة Antiquity تطور الكتابة في بلاد ما بين النهرين من خلال فحص الأختام الأسطوانية القديمة والنقوش المسمارية المبكرة. تعود هذه الأختام إلى نحو ستة آلاف عام مضت، وهي من المراحل الأولى التي ساهمت في نشوء الكتابة المسمارية، وهي أحد أوائل نظم الكتابة. تشير الدراسة إلى أن الكتابة لم تكن مجرد ظاهرة مفاجئة أو منفصلة، بل هي تطور تدريجي نشأ من ممارسات إدارية وثقافية طويلة الأمد. تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة، سيلفيا فيرارا، أستاذة اللغة الكلاسيكية والدراسات الإيطالية في جامعة بولونيا، إن الكتابة المسمارية الأولية ظهرت في مدينة أوروك (الوركاء) الواقعة في جنوب العراق الحالي، نحو 3350 إلى ثلاثة آلاف قبل الميلاد.

الناجون من مرض السرطان

كشفت دراسة نشرت في مجلة The Lancet Regional Health Europe أن الناجين من سرطان الثدي معرضون لخطر متزايد للإصابة بأنواع أخرى من السرطان، مثل سرطانات بطانة الرحم والمبيض، وسرطان البنكرياس لدى الرجال. استندت الدراسة إلى تحليل بيانات نحو 600 ألف مريض في إنكلترا، وأظهرت أن هذا الخطر يزداد في المجتمعات ذات الحرمان الاجتماعي والاقتصادي. في تصريحاته لـ"العربي الجديد"، كشف المؤلف الرئيسي للدراسة، إسحاق ألين، باحث الدكتوراه في قسم الصحة العامة والرعاية الأولية في جامعة كامبريدج، أن العلاج الإشعاعي لأحد أشكال السرطان يمكن أن يعرض بعض الأشخاص إلى خطر الإصابة بسرطان ثان، مثل أنواع عدة من سرطان الدم.

متلازمة داون

اكتشف باحثون أقدم حالات معروفة لمتلازمة داون، تعود إلى ما بين خمسة آلاف و2500 عام، في مواقع من العصر البرونزي في اليونان وبلغاريا، والعصر الحديدي في إسبانيا. كما عثر على جثة رضيعة في فنلندا تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، وفقاً للدراسة التي نشرت في مجلة Nature Communications. أثار اكتشاف جثة فتاة رضيعة في قرية ألتو دي لا كروز بإسبانيا اهتمام العلماء، ما دفعهم إلى فحص جثث الأطفال المدفونين في الموقع. وجدوا أن أربعة من أصل 35 طفلاً كانوا يعانون من تشوهات صبغية، ثلاثة منهم مصابون بمتلازمة داون، وواحد بمتلازمة إدواردز. يقول الباحث الرئيسي في الدراسة، آدم روهلاش، الباحث في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية، إن الفريق لم يتوقع إطلاقاً الوصول إلى هذه النتيجة، خاصة أن متلازمة داون تحدث في ما يقدر بواحدة من كل 700 حالة حمل اليوم، لذلك فإن أربعا من كل 35 حالة حمل هو عدد كبير جداً.

الخلايا الكهروضوئية

في التكنولوجيا، أظهرت دراسة نشرت في مجلة Nature Water أن الألواح الشمسية الكهروضوئية العائمة (FPV) يمكنها تلبية احتياجات الكهرباء لبعض الدول. قيّم الباحثون إنتاجية هذه الألواح في نحو 68 ألف بحيرة وخزان مائي عالمياً، مع مراعاة معايير مثل القرب من المراكز السكانية وعدم التجمد لأكثر من ستة أشهر سنوياً. المؤلف الرئيسي للدراسة، إيستين وولواي، زميل الأبحاث في علوم المحيطات في جامعة بانغُر البريطانية، أشار إلى أن تغطية 10% من مساحة هذه المسطحات المائية بالألواح الشمسية العائمة قد تولد 1302 تيراواط ساعة سنوياً، وهو ما يكفي لتلبية الطلب الكامل على الكهرباء في دول مثل غينيا الجديدة وإثيوبيا. إضافةً إلى ذلك، تسهم هذه التقنية في تقليل فقدان المياه والحد من تكاثر الطحالب.

قهوة أرابيكا

كشفت دراسة نشرت في مجلة Nature Genetics عن الجينوم المرجعي الأعلى جودة لنبات القهوة العربية (أرابيكا)، موضحة أن هذا النوع نشأ قبل أكثر من 600 ألف عام في غابات إثيوبيا نتيجة تهجين طبيعي بين نوعي قهوة كانيفورا ويوجينيويدس. ورغم أن أرابيكا هي مصدر لنحو 60% من إنتاج القهوة العالمي، إلا أنها تعاني من تنوع وراثي منخفض، ما يجعلها عرضة للآفات والأمراض. تسلط الدراسة الضوء على أهمية فهم تاريخ أرابيكا الوراثي لتطوير أصناف أكثر مقاومة لتغير المناخ والتهديدات البيئية. يقول المؤلف المشارك في الدراسة، فيكتور ألبرت، أستاذ العلوم البيولوجية في جامعة كاليفورنيا، إنه من خلال الجينوم المرجعي المقترح في الدراسة، الذي أنجز باستخدام تكنولوجيا تسلسل الحمض النووي المتطورة وعلوم البيانات المتقدمة، تمكن الفريق من تحديد تسلسل 39 نوعاً من القهوة العربي.

من الماء إلى البر

في دراسة نشرت في مجلة Science Robotics، استخدم فريق من علماء الروبوتات والحفريات والأحياء روبوتات لمحاكاة انتقال أسلاف الحيوانات من السباحة إلى المشي قبل نحو 390 مليون سنة. اعتمد الباحثون على الأحافير والنمذجة الحاسوبية لبناء نماذج روبوتية تحاكي حركات الكائنات القديمة، ما أتاح فهماً أعمق للضغوط التطورية التي دفعت الأسماك القديمة إلى تطوير القدرة على المشي تحت الماء. يقول المؤلف المشارك في الدراسة، مايكل إيشيدا، باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر الروبوتات المستوحاة من البيولوجيا في جامعة كامبريدج، إن هذا النهج متعدد التخصصات خطوة مهمة نحو استكشاف كيفية تكيف الكائنات الحية مع البيئات الجديدة عبر الزمن.

هرم زوسر

في دراسة آثارية أخرى، كشف باحثون أن المصريين القدماء ربما بنوا هرم الفرعون زوسر -أقدم الأهرام المصرية الشهيرة- بمساعدة نظام رفع هيدروليكي. ينتمي زوسر إلى الأسرة الثالثة من ملوك الدولة القديمة في مصر. وفقاً للدراسة التي نشرت في مجلة PLOS ONE، فإن المياه ربما كانت قادرة على التدفق إلى عمودين يقعان داخل الهرم نفسه، إذ كان من الممكن استخدام تلك المياه للمساعدة في رفع وخفض العوامة المستخدمة لحمل حجارة البناء. باستخدام مزيج من صور الرادار عبر الأقمار الصناعية، وأكثر من قرن من التقارير التي أعدها علماء الآثار، وجد الباحثون هياكل لإدارة المياه ومعالجتها داخل الهرم، وفقاً للمؤلف الرئيسي للدراسة خافيير لاندرو، الباحث المتخصص في علم هندسة المواد في مختبر باليوتكنيك لدراسة تقنيات الحضارات القديمة في فرنسا.

المساهمون