- الفيلم الوثائقي "آينشتاين والقنبلة" يستكشف دور ألبرت آينشتاين في تطوير القنبلة الذرية والصراع الأخلاقي الذي واجهه، مع التركيز على النقد حول الأداء والسرد الذي لم يعكس تعقيدات شخصيته بالكامل.
- يُظهر الفيلم الجانب الإنساني والأخلاقي للعلماء مثل آينشتاين، الذين وجدوا أنفسهم متورطين في الآلة الحربية، مسلطاً الضوء على العواقب الوخيمة لاستخدام العلم كأداة سياسية والمسؤولية الأخلاقية للعلماء والحكومات.
"اختيار ذوي المنفعة للمجتمع، لا بد أن تحققه المؤسسات الاجتماعية إذا كنّا لا نريد أن ينحل الجنس البشري بواسطة الحياة المدنية. الفكرة العرقية باعتبارها أساساً لدولتنا، قد حققت كثيراً في هذا المجال، نحن لا بد أن نعتمد على القدرات الصحية لأفضل الأشخاص في شعبنا، ليقوموا بإبادة الحثالة من الشعب". (اقتباس من العالم كونراد لورنتس، مكتشف التطبع بالطيور، وأحد أكبر المروجين للدعاية العلمية لدى هتلر).
جاء الاقتباس السابق من أكثر الحقبات التاريخية ظلمة. حينها، تكاتف العلم مع الأيديولوجية، كي يساهما في إبادة أكثر من ستة ملايين إنسان. حدث ذلك بسبب قناعة مجموعة من العلماء الموظفين أيديولوجياً لخدمة عقيدة عنصرية عرقية نازية، تتقاطع مع صهيونية اليوم بطرق لا تعد ولا تحصى. المصيبة أن هذه الاقتباسات وغيرها، تأتي على لسان علماء من الفئة الذهبية، وتأثيرهم في العلوم يمتد إلى يومنا هذا، وكثير منهم ذهبوا إلى قبورهم بكامل الرضا، مقتنعين بأنهم أنجزوا مهمتهم الكونية.
خلف الكواليس، توجد مجموعة من السياسيين يتهامسون حول كيفية توظيف اكتشافات هؤلاء العلماء لمصلحتهم، ومتى عليهم أن يضعوهم على الرف، ومتى يرمونهم إلى الواجهة ليتحملوا الضرر الناجم عن تطبيق مشاريعهم. هذا ما حدث مع آينشتاين، اليهودي الأشهر في الكوكب، وطريقة تصويره في السينما قد تكون الدليل الأمثل لهذه الوظيفة التي أداها من دون دراية منه.
البحث عن علاقة بين آينشتاين والقنبلة
أخيراً، عُرض الفيلم الوثائقي "آينشتاين والقنبلة" (Einstein and the Bomb) على منصة نتفليكس. الفريق الذي أنتج العمل، يقوده المخرج والمنتج البريطاني أنتوني فيليبسون، وكتبه البريطاني فيليب رالف. الفريق الذي يعمل في استوديوهات BBC، متخصص بإنتاج دراما وثائقية (مع بهارات ترفيهية) عن العلوم وأبرز أسمائها. لم يستطع الفريق الدمج بين الفكاهة السوداء البريطانية، وعالم العِلم، ما أدى إلى تحويل مشاهد الدراما في الأعمال إلى ميلودراما بكائية داخل صور نمطية تحوي بعض السذاجة في طرحها للصراع الثقافي.
يتتبع "آينشتاين والقنبلة" شخصية ألبرت آينشتاين، بوصفه أشهر يهودي مضطهد في التاريخ (الممثل إيدان مكاردل) بعد هروبه من ألمانيا في عام 1933 حفاظاً على سلامته. حينها، تحول إلى لاجئ سياسي وأقام في إنكلترا، حيث وفر له القائد لوكر لامبسون المأوى في عزبته بأحد حقول نورفولك الوديعة، إلى حين انتقاله إلى الولايات المتحدة الأميركية.
حاول المخرج العثور على إجابة للسؤال الذي أرق كثيرين: ما علاقة آينشتاين بالقنبلة الذرية؟ وللإجابة عن السؤال، يغوص العمل في ذهن العبقري المعذب، ويتنقل بغير انتظام بين أزمنة مختلفة من حياة أبي العصر الذَّري، ويركز على المرحلة الزمنية في بريطانيا، حين صرح بضرورة مواجهة القوة المنظمة النازية بقوة منظمة توازيها بالقوة، وتتفوق عليها بالتقنية، وبأنه داعية سلام راديكالي.
لم يكن أداء الممثل لشخصية العبقري مقنعاً. المواقف التي تؤدي إلى انفعال الشخصية، ومن بعدها يأتي التراكم ثم التصاعد حتى يخرج عن طوره، أو يدلي بتصريحات تناقض قناعاته، أو تظهر أسوأ ما فيه؛ كانت مشتتة وخسرت فرصة التمحيص في عقلية آينشتاين الذي تتقاذفه أهواء السياسة الدولية في ذاك الزمن.
القسم الثاني من "آينشتاين والقنبلة" (76 دقيقة مدة الفيلم) حين انتقل آينشتاين إلى الولايات المتحدة الأميركية، تناول الوثائقي هذه الفترة بجدية أكبر، خصوصاً في ما يخص البحث عن الإجابة، حينها أرسل آينشتاين رسالة إلى الرئيس روزفلت، يحثه على التسريع في عملية بناء القنبلة الذرية، خوفاً من حصول النازية على القنبلة قبلهم. لاحقاً، وبعد أن هزم الاتحاد السوفييتي النازيين الألمان، وقتلت الولايات المتحدة الأميركية أكثر من 300 ألف مواطن ياباني في هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة الذرية التي اخترعها العالم الشهير أوبنهايمر (لم يُذكر أوبنهايمر في العمل نهائياً) وقف آينشتاين مشدوهاً ببلاهة أمام الكارثة البشرية التي ساهم فيها من دون وعي منه، وكان في مرحلة ما لا يعلم إن كان عليه إدانة نفسه أخلاقياً.
ما كتبه آينشتاين
الحوار في "آينشتاين والقنبلة" اقتصر فقط على ما قاله آينشتاين أو كتبه بنفسه، لكنه لم يكن وفياً لإرثه، ولم يحدد ماهية الذنب الذي حمله، أو حتى لماذا حمله. كانت حوارات ملتوية لتناسب الزمان والمكان والأجندة السياسية. آينشتاين، كما أوبنهايمر، عالمٌ فذ اقتنع بحيادية العلم وفائدته للبشرية جمعاء، وضعه السياسيون على الرف بعد أن حقق وظيفته، وهذا ما لخصه المخرج كريستوفر نولان في فيلم "أوبنهايمر"، حين قال العالِم للرئيس الأميركي ترومان إنه يشعر بيديه ملطختين بالدماء، بعدها أوصى ترومان مساعديه بأن "يمنعوا هذا الطفل الباكي من العودة إلى البيت الأبيض".
بالعودة إلى المقدمة، كان الاقتباس متطرفاً بعض الشيء، لكن المهم هنا هو كيف وُظّف. وهذا ما يهمنا في الأعمال عن آينشتاين، فبعد أن استُغل باعتباره يهودياً مضطهداً لإشعال الحرب ضد النازية وتجنيد المجتمع، ركّزت تلك الأعمال على توصيته للرئيس روزفلت بصناعة القنبلة، كونها أحد المبررات لاستخدامها في قتل المدنيين اليابانيين، ثم حولت منصات الإعلام الرسمية الأسئلة والأبحاث والجمهور للبحث عن الرابط السحري بين القنبلة وآينشتاين، من دون النظر أو السؤال أو المحاسبة للممول والمستخدم والمستفيد