آمال عراب: الإعلامي الناجح أكثر قرباً للناس

27 ابريل 2021
الإذاعة هي المدرسة الأولى لأي صحافي (العربي الجديد)
+ الخط -

دخلت آمال عراب مجال الإعلام في سنّ مبكرة، فقدمت برنامجاً في إذاعة محلية جنوب الجزائر، وهي في ربيعها الثاني عشر، وواصلت مسيرتها المهنية الاحترافية انطلاقاً من الإذاعة الرسمية الجزائرية، والقناة الأولى، وغادرت بلدها الجزائر في الثاني والعشرين من العمر، لتتنقل بين محطات إعلامية ودول عدة منها إيران ولبنان والأردن وبريطانيا. وهي تطل اليوم عبر شاشة التلفزيون"العربي"، وتقدم برنامج "تقدير موقف" الحواري الأسبوعي الذي يناقش أبرز قضايا الساعة. 
تقول عراب، في حوار مع "العربي الجديد"، إن البرنامج فتح لها آفاقاً كبرى نحو عالم الأبحاث ودراسة السياسات، وترى أن ما يميز الإعلامي الناجح هو أن يكون أكثر إلتصاقا بالناس، إلى جانب المثابرة والاجتهاد و"الكاريزما". إليكم تفاصيل الحوار:

-دخلتِ مجال الإعلام في سن مبكرة، وقدمتِ برنامجاً إذاعياً في عمر الـ12 عاماً. اليوم تطلّين عبر التلفزيون "العربي" وتقدمين "تقدير موقف"، وهو برنامج سياسي بامتياز. ماذا عن مسيرتك المهنية بين البرنامجين؟ 

* نحن نتحدث عن أشواط من العمر بين 12 سنة وما أنا عليه اليوم، ولكل مرحلة خصوصية وأهمية، وفي كل منها سُجّلت علامات فارقة في مسيرتي. طبعاً للبدايات المساحة الكبرى في هذا التأثير. قد يستغرب المتابع البداية في عمر صغير، لكنها كانت وليدة الصدفة في انخراطي وحبي للعمل الإذاعي، عن طريق الإذاعة المدرسية، ثم جاءت فرصة من زيارة أحد المسؤولين في إلإذاعة المحلية الذي أُعجب بصوتي وبأدائي البسيط والمتواضع، واقترح عليّ وقتها تقديم برنامج إذاعي كان اسمه "الصحافي الصغير". رحبتُ بالفكرة، وافقت مباشرة، وسألته "متى؟" قال: "يوم الخميس"، فأجبت: "حسنا سآتي"، ولما وصلت إلى البيت أخبرت والديَّ بالاقتراح فوجدت التشجيع المطلق. ومنذ دخلت استديو الإذاعة حينها، لم أخرج من هذا المجال إطلاقاً. تجربة أعطتني الكثير، فتعرفت على العمل الإذاعي والصحافي عن قرب، حتى لو كان اسم البرنامج "الصحافي الصغير"، لكنه أعطاني لمحة دقيقة عن مسؤولية الصحافي. فحين كنت أخطئ في سؤال ما، كان يوجه لي عتاب من المسؤولين عن البرنامج الذي كان في إذاعة "بشار الجهوية" المحلية بطاقمه الصغير، مجاوراً وملاصقاً لغرفة تحرير الصحافيين الكبار، وكنا نعمل معهم جنباً إلى جنب، يصححون كتاباتنا وأخطاءنا، نسألهم عن الحوار الذي يجب أن نقوم به وغيره من التفاصيل.

أما "تقدير موقف" فمرحلة مختلفة كلياً. حتى السنوات الأخيرة من عمري الصحافي، تمكنت من تقديم برامج حوارية كثيرة، وتغطية أحداث كبرى، ميدانياً أو من داخل الإستديو، واكبت الثورات العربية منذ بدايتها من دول كثيرة. لكن مسألة التحليل أو التغطية الإخبارية تختلف تماماً. وبرنامج "تقدير موقف" فتح لي آفاقاً كبرى نحو عالم الأبحاث ودراسة السياسات. "تقدير موقف" برنامج مدته ساعة يتناول الأحداث لكن ليس كما تتناولها البرامج الإخبارية الأخرى، لأن البرامج الإخبارية السريعة تحلّل ما الذي جرى، لماذا، وما التداعيات. لكن في "تقدير موقف" أنت تدرس الخبر والحالة، وتعتمد في تقديمك وتحضيرك على أوراق بحثية لأكاديميين يدركون جيداً، بطريقة علمية وأكاديمية، التسمية الحقيقية للأمور، إذا كان نزاعًا مسلحًا أو أزمة، وما الفرق بين الأزمة والنزاع والصراع والحرب وغير ذلك، وما هي المعطيات الحقيقية والتاريخية التي أدت إلى الخبر الذي نتحدث عنه، وانطلاقاً من معايير علمية أكاديمية، يستطيعون استشراف السيناريوهات الأكثر قابلية للتحقق. 

- كيف كانت النقلة من الإذاعة إلى الشاشة؟

* عملت لسنوات في الإذاعة، وأعتبر العمل الإذاعي من أكبر المدارس، وأنّ الإذاعة هي المدرسة الأولى لأي صحافي. الإذاعة تعتمد على صوتك، على ارتجالك، على ساعات من الحديث إلى الجمهور دون كتابة، دون نص مقروء، دون شاشة تكتب عليها الأخبار. الإذاعة تعلمك التواصل بشكل أكبر وأطول مع المستمع. والمذيع في الإذاعة ليس مذيعاً فقط أو قارئاً للأخبار وللنشرات. كان في برنامجنا الأسبوعي يوم للعمل الميداني، ويوم للمراسلة ويوم لتحرير الأخبار، ويوم للمونتاج، حتى نتعلم الأمور الفنية التي يجب أن نتقنها حتى نصبح صحافيين بأتم معنى للكلمة. في الجزائر انتقلت إلى التلفزيون ببعض الأعمال التي تتطلب الصوت فقط، ثم طُلب مني أن أقدم نوعاً من البرامج، حتى جاءت ظروف أخرى نقلتني إلى خارج بلادي. كنت أريد أن أجرب الإعلام العربي والدولي، لأني كنت قد اكتفيت من مدرسة الإعلام المحلي التي أعطتني الكثير، ولعلّ زادها اليوم نافع لي في أيامي الحاضرة وفي كلّ مشواري الإعلامي. 

- برأيك ما سر نجاح الوسيلة الإعلامية؟  

* اليوم القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام كالفطر، منتشرة في كل بلد وكل مكان، وزاد الموضوع كثرة مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يبقى للتميز مساحة لا يمكن إنكارها. أن تكون أكثر قرباً من الناس، أن تلتقط القصص والحكايا التي تمس الإنسان، أن يكون لدى القائمين على الوسيلة الإعلامية الرؤية الاستراتيجية والتفكير بعيد المدى لما يحتاجه فعلاً المواطن اليوم من أي وسيلة الإعلامية. أن تصنع الفارق في كل شيء، ألّا تجعل المنافسة مع أي كان هي الهدف. فالمنافسة والسعي لتقديم الأفضل جميلة، لكن أن تنافس نفسك وما كنت عليه في البدايات... أين كنت في البداية؟ أين أنت الآن؟ إلى أي شريحة وصلت؟ كم همّاً عربياً سياسياً وثقافياً وأمنياً واجتماعياً وفكرياً، عالجت؟

إعلام وحريات
التحديثات الحية

- وما هي مواصفات المذيع/ة والإعلامي/ة الناجح/ة برأيك؟ وماذا عن معايير الجمال؟

* لست هنا لأنظّر على أحد، لكن أعتقد أن الاجتهاد أهم ميزة يجب أن يتوفر عليها أي صحافي. ألّا يكتفي بما وصل إليه، من المظهر إلى المضمون. ألّا يكتفي ويعتبر نفسه قد وصل وحقق ما يجب، وأن يبقى ساعياً للتعلم. وفي الإعلام العربي أن يقوي نفسه في مجالات اللغة وفي المعرفة، وأن يوسع آفاقه. أما الجمال فهو مسألة نسبية، ما يراه إنسان جميلاً، قد لا يراه آخر كذلك. للأسف في الإعلام العربي هناك تركيز أكبر من اللازم على المظهر، وهو ما لم أره في الإعلام الغربي. عشت في بريطانيا لأكثر من سبع سنوات واختلطت مع وسائل إعلام كثيرة، لم يكن التركيز فيها على شكل المذيع بقدر ما كان على المحتوى، المضمون، الطريقة والكاريزما التي أعتبرها ضرورية. فلنقل إنّ "حسن المظهر" ضروري إذا تحدثنا عن العمل في التلفزيون. لكن طبعاً لا نتحدث هنا عن مسابقات جمال. 

- إلى أي مدى يؤثر الإعلام الجديد (السوشال ميديا) على وسائل الاتصال التقليدية والفضائيات؟ 

* بشكل كبير. تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي اليوم على حياتنا بشكل يومي، فكيف على الوسائل التقليدية للإعلام؟ لكن هناك ورقة رابحة يمتلكها الأخير، والتي قد لا نجدها متوفرة في الشبكات الرقمية، وهي المصداقية. فالأخبار الكاذبة تنتشر بشكل مخيف وخطر ما قد يمس بما هو متعلق بأمن الدولة وأمن الفرد وأمن المجتمع. الورقة التي ما زالت وسائل الإعلام التقليدية تمتلكها أنها أكثر مصداقية ومسؤولية، ويمكن أن يعتمد المرء عليها لاستقاء أخباره بشكل آمن. 

- لديك نشاط ملحوظ على مواقع التواصل، وتشتهرين بفيديوهات تتناول جمال اللغة العربية، ما هو سر تركيزك عليها؟

* أنا عاشقة متطرفة للغة العربية، وربما ما لفت انتباه الناس لهذه الفيديوهات هو طريقة تقديمها كون شكلي عصرياً إلى حد ما، وهذه هي الرسالة التي أود أن أرسلها إلى قريناتي وأقراني في العمر، تستطيع أن تهتم بالموضة والجمال والأناقة وغير ذلك، وأن تهتم بنفس الوقت بهويتك الحقيقية وتظهرها، لأن لغتنا من أجمل وأثرى لغات العالم. نتحدث عن 12 مليونا وأكثر من 300 ألف كلمة غير مكررة في اللغة العربية، ستة أضعاف من اللغة الإنكليزية، وأضعاف أخرى من اللغة الفرنسية واللغة الروسية. 

تركيزي على جمال اللغة العربية منطلق من أزمة ألحظها خاصة عند الجيل الصاعد بهذا التهميش لاستعمال اللغة، أو اعتبار الاستعمال الحصري للغات الأجنبية. لست ضد ذلك فعلى الإنسان أن يتعلم هذه اللغات لأن العلم والتكنولوجيا يصلان إلينا بهذه اللغات. هناك من يقول إنّ اللغة العربية هي لغة شعر وأدب فقط، وهذا ليس صحيحا إطلاقا. مَن اكتشف الدورة الدموية كان ابن النفيس، ووصلت إلى الغرب عن طريق اللغة العربية. ربما يفتح الموضوع حديثاً طويلاً عن أشجان اللغة، إذ يتعلق الأمر بمنظومة التعليم وأولويات الحكومات العربية التي تذهب جلّ ميزانياتها إلى التسليح وأمور أخرى دون الالتفات إلى البحث العلمي باللغة العربية، مثلاً، حتى يكون  لدينا إنتاج معرفي باللغة ولا يقتصر إنتاجنا على الترجمة. لهذا أتمنى أن أوصل، ولو بفيديوهات قصيرة، في بعض الأحيان عفوية، بكلمة أو بجملة، هذا الجمال، ليرى المتابعون أنّ لغتنا تستحق أن تمارس وأن تكون حية، ولعل صوتاً مني أو من الآخرين المهتمين بهذا المجال يصل إلى المعنيين به في حكوماتنا، كي يروا أهمية العودة إلى هذه اللغة التي أعتبرها جزءا من الوعي السياسي للشعوب. استعمال اللغة العربية بشكل سليم وجميل، جزء رائع من الحفاظ على حضارتنا.

 

سيرة

آمال عراب هي إعلامية جزائريّة من مواليد مدينة وهران، تحمل الجنسية البريطانية. تخرّجت من كلية الحقوق والعلوم الإنسانية في الجزائر، وهي تكمل دراساتها العليا في معهد الدوحة للأبحاث ودراسة السياسات كباحثة في تخصص النزاعات الدولية والعمل الإنساني. 
بدأت رحلتها المهنيّة في الإذاعة الرسمية الجزائرية منذ عمر صغير، عبر برنامج "الصحافي الصغير". وفي القناة الأولى قدمت النشرات الرئيسية وبرامج سياسية وثقافية حوارية، إضافةً إلى تغطيتها لأبرز الأحداث والزيارات الدولية، بينما كان عمرها لا يتجاوز واحدا وعشرين عاما. غادرت الجزائر في الثانية والعشرين من العمر، وتنقلت بين محطات إعلامية عدة ودول كثيرة كإيران ولبنان والأردن وبريطانيا. غطّت عدداً من الأحداث العالمية البارزة كالانتخابات الرئاسية الأميركية والإيرانية وغيرهما. كذلك كانت حاضرة في الميدان لتغطية بدايات الثورات العربية والحراك الشعبي في عدة دول. قابلت وحاورت شخصيات كثيرة من صانعي القرار في العالم العربي وأوروبا. 
تعلّقت باللغة العربية وقراءة الكتب بفضل والدتها التي كانت أستاذة للغة العربية، وكانت تحرص على دفعها نحو القراءة والمطالعة. وهي تهتم باللغة العربية وتركّز على أهمية إحيائها وتسليط الضوء على جمالها من خلال نشرها فيديوهات في حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي. سجّلت بصوتها عددًا من الكتب الصوتية بلغة عربية متقنة، وتسعى لإنجاز مكتبة صوتية عربية ضخمة، تجمع أهم الكتب العربية. كما أنّها تهتم خصوصاً بقصص الأطفال بلغة بسيطة وأنيقة وسليمة، للمساهمة في تربية جيل معتز بهويته ولغته.

المساهمون