في معرضه المقام في مدينة نيويورك، يقدم الفنان الأميركي آدم هيمبوش (Adam Himebauch)، مجموعة من الرسوم الملونة لمشاهد طبيعية موزعة على مساحتي عرض. تضم المساحة الأولى خمس لوحات كبيرة، تبدو كنوافذ مُشرعة على الخارج، بينما تضم الأخرى عشر لوحات صغيرة ومتوسطة.
يُعرف هيمبوش كفنان مثير للجدل، إذ تتضمن أعماله دائماً نوعاً من السخرية القوية، وهو يمزج بين وسائط عدة، من الغرافيتي وممارسات الرسم الحداثية، إلى فن الأداء الساخر والتركيب في الفراغ.
يقام المعرض المُشار إليه تحت عنوان Never Ever Land، وهو عنوان يستدعي إلى الذهن أرض الأحلام التي تُشير إليها سلسلة مغامرات بيتر بان المعروفة، غير أن العرض ليس له أي علاقة بهذه الشخصية الخيالية، كما يقول منظموه.
حضر هيمبوش ليلة افتتاح معرضه، لكنه لم يتفاعل كالمعتاد مباشرة مع ضيوفه، لا لشيء إلا لأنه كان نائماً داخل قاعة العرض. وسط القاعة، استلقى الفنان على طاولة بيضاء كبيرة معدة كسرير. ظل هيمبوش نائماً طوال ليلة الافتتاح، بينما كان ضيوفه يتجولون من حوله لرؤية الأعمال، أو يقتربون منه أحياناً لإلقاء نظرة خاطفة على جسده الممدد باطمئنان على الطاولة.
سيكون من المثير أيضاً العلم أن الفنان لن يفارق هذه الطاولة طوال أيام المعرض المستمر حتى 16 مارس/آذار المقبل.
ولكن، هل يعقل أن يظل هيمبوش على هذه الطاولة طوال هذه المدة من دون أن يبرح مكانه؟ ألا يستطيع مثلاً العودة إلى منزله ليلاً أثناء إغلاق قاعة العرض؟ ألا يستخدم المرحاض؟ هي تساؤلات منطقية بالطبع لا بد أن تتبادر إلى الذهن.
يجيب الفنان عن هذه التساؤلات وغيرها عبر بث حي لأربع كاميرات مثبتة داخل قاعة العرض، للتأكد من التزام الفنان بما يُعلن عنه. يمكن للجميع مراقبة هيمبوش عن بُعد، ومشاهدة البث الحي لهذه الكاميرات، عبر الرابط الرقمي الذي يتيحه الغاليري على موقعه.
تقول منسقة العرض، ليزي داستن، إن هيمبوش يدعو مشاهديه إلى مراقبته جسدياً وافتراضياً في أكثر حالاته خصوصية، "فالأسرّة هي الأشياء التي نقضي فيها لحظاتنا الأكثر خصوصية وضعفاً وأهمية. نحن ننام ونحلم في الأسرة، ونلد ونمرض فيها، ونولد ونموت فيها في النهاية. فالسرير يحتضن ذواتنا لمعظم حياتنا".
ولكن، بعيداً عن هذه التداعيات الرمزية التي تشير إليها داستن حول سرير هيمبوش، هل ما نراقبه يمثل الحقيقة بالفعل؟ أم أن في الأمر خدعة؟ وكيف يمكننا الحكم إذا لم نكن حاضرين داخل المشهد؟ ولماذا يتعين علينا الثقة بما يقال لنا؟ تساؤلات كثيرة تُطرح هنا؛ وهي تساؤلات تتجاوز إطار العرض الذي يقدمه هيمبوش.
يطمس هذا العرض الخطوط الفاصلة بين الحقيقي وما هو ملفق، كما تشتبك هذه التساؤلات مع واحدة من أخطر القضايا التي تواجه صناعة الأخبار في عالمنا المعاصر، وهي العرض الزائف للحقيقة، سواء في وسائل الإعلام، أو على المنصات الرقمية.
لا شك أن هناك تلاعباً في هذا البث الحي، وأن ما نشاهده طوال الوقت ليس سوى تسجيل مكرر للمشهد نفسه؛ ففي الوقت الذي نراقب فيه هيمبوش عبر الكاميرات وهو مستلق في سريره، قد يكون في مكان آخر: يمرح مع أصدقائه أو يتسكع متنكراً في الشوارع القريبة من قاعة العرض. لكنه على أي حال، لن يظل مستلقياً على هذه الطاولة لمدة شهر كما هو مُعلن.
معظم الذين توجهوا إلى العرض خلال الأيام التالية ليوم الافتتاح، قرأوا الدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسارعوا لرؤية هذه المعجزة، لكنهم يُصدمون حين لا يجدون آدم هيمبوش مستلقياً في مكانه كما توقعوا. ولكن هل يهم ما إذا كان الفنان مستلقياً في مكانه بالفعل أم لا؟
في الحقيقة، ليس القصد هنا الكذب على الناس أو خداعهم، كما تقول منسقة العرض ليزي داستن، فالمقصود هو استكشاف طبيعة الخداع الذي يمكن أن نتعرض له جميعاً حين نتعامل مع وسائل الإعلام ومنصات التواصل، وغيرها من التطبيقات الرقمية.
منذ أن انتقل إلى مدينة نيويورك عام 2011، لا يكف آدم هيمبوش عن إثارة الجدل، فقد ملأت أعماله الغرافيتية الساخرة شوارع المدينة مشتبكة مع الأحداث الحاصلة. لعل أحد أكثر هذه الرسوم الغرافيتية انتشاراً كان رسمه الشهير لدونالد ترامب عام 2015، إذ صوّره ككومة من الفضلات يحيط بها الذباب.
انتشر هذا الرسم على وسائل التواصل الاجتماعي حينها، وأعيدت طباعته مئات المرات، كما رفعه المحتجون على سياسات ترامب لاحقاً.
كان هيمبوش معروفاً في ذلك الوقت باسم هانكسي، ثم غير اسمه لاحقاً إلى آدم لوكاس، ثم عاد واستبدله مرة أخرى عام 2021 باسمه الحالي آدم هيمبوش.