"ولاد المرسى" لمراد الخودي: هشاشة السيناريو تخنق الصورة الدرامية

15 مايو 2021
العمل الدرامي ضاع داخل لغة التأويل والمعنى (ولاد المرسى/فيسبوك)
+ الخط -

ما الذي يجعل المسلسل الدرامي يبقى مُنطبعاً في وجدان من يُشاهده؟ فالأعمال الدرامية البسيطة التي شاهدناها منذ تسعينيات القرن الماضي ما زالت مَشاهدها الفنيّة تطفح بقوّة في مروج الذاكرة، كلّما شاهدنا مسلسلاً مغربياً جديداً. هل مدى قدرة المخرج على اللّعب بخيوط السرد وفتنة الحكي وتدرجاته على أنماط الصورة وجماليّاتها تجعل المشاهد المغربي يتعلّق بالمتن الدرامي؟ أم أنّ نجاحه (المخرج) في تحقيق نوعٍ من المطابقة الجماليّة مع الواقع العيني، الذي ينتمي إليه سياسياً واجتماعياً، له أسبابٌ خفيّة تتحكّم في صناعة المسلسل وتصوغ خطابه التلفزيوني في ذهن كل مترلق؟

غير أنّ الذي يحدث في حال امتزجت كل هذه العناصر البصريّة، بين الموازنة الفنيّة والمطابقة الواقعية، فإنّها حتماً تنحت صورة درامية أكثر تجذراً في مخيال المجتمع، ما يُتيح للعمل الدرامي الانغماس بسلاسة في قاع المجتمع المغربي، وما يحبل به من مآس وتناقضات.

إنّ هذا التماهي البصري بين واقعية الواقع وسيرة المتخيّل، هو ما يفتقر إليه المسلسل الجديد "ولاد المرسى" (2021)، لمخرجه مراد الخودي، الذي يُعرَض منذ بداية رمضان على قناة MBC5، إذ يعثر المُشاهد على جملة عناصر جمالية نجح المخرج في ابتداعها والعناية بها بحكم ما تُخوّله من جماليّات على مستوى الصورة وطبيعتها الأيقونية، لكن سرعان ما تصبح الصورة الفنيّة الدرامية موغلة في النمطية البصريّة القائمة على الاجترار وتكرار الديكورات والفضاءات والحوارات بين شخصيات المسلسل، ما يُؤكّد عسر مفهوم الكتابة في مراحلها الأولى وتسرّعها في أحيانٍ كثيرة وعدم قدرة المؤلّف/ المخرج على صياغة وتجديد الصورة الدرامية على مستوى مضمونها البصري، وتوغّلها في مسام الإنسان البسيط وحياته اليومية وفق معالجاتٍ فنيّة واشتغالاتٍ جمالية تقرأ اللحظة، من دون الوقوع في خطابٍ واقعيّ فجّ ومباشر.

بسبب هشاشة السيناريو، لم تستطع الصورة الدرامية تخيل واقعها، بما يحمله من شروخٍ وتصدّعات، أمام لجوء المخرج إلى نوعٍ من الإفراط البصري في مفهوم التشويق، لا كمُفردة فنيّة بصريّة يتوسّل بها المخرج من أجل خلق بعض من التأويلات المتعدّدة في طبيعة الصورة وأحداثها وسياقاتها، وإنّما يشتغل التشويق في المسلسل فقط كخلاصٍ بصري يستطرد فيه مراد الخودي من أجل التستّر على الأعطاب التخيّلية التي ألمّت بالكتابة منذ منطلقاتها الأولى.

السيناريو هش ومرتبك، وعلامات التسرّع في كتابته بارزة من حلقاته الأولى، فكلّما مرّت حلقة يتشعّب خيط الحكاية وقصصها الثانوية وتظهر شخصيات ومسارات أخرى، لكن هذا ليس عاملاً مهمّاً للمسلسل، بقدر ما لعب دوراً سلبياً، في أنْ يغدو العمل الدرامي ضائعاً داخل لغة التأويل والمعنى وشارداً بجماليّاته ومعالجته البصريّة، لدرجة أنّ ثمّة مَشاهد كثيرة هي مجرّد حشوٍ فنيّ أو استطراد بصري، لا ينفع المسلسل في شيء، سوى أنّه يُضيّع خطيّة الحكاية، ويُغيّب شرط التكثيف داخل العمل الدرامي. فهذا الأخير هو ما يُتيح للمُخرج ابتداع مفهوم يشتغل على هندسة الصورة والقائم على خلق ارتباطات ضمنية، بين الشخصيات ومساراتها المُتقطّعة والمتناحرة على أعتاب واقعٍ مأزوم. هذا عاملٌ لا يرتبط بمسلسل "ولاد المرسى"، وإنّما ينخر أغلب المسلسلات الدرامية.

المساهمون