"نفايات" وسائل التواصل والإعلام العربي لتزوير فلسطين 

21 أكتوبر 2020
نشر أكاذيب تاريخيّة وتحريض على فلسطين وشعبها (رامز حبوب/Getty)
+ الخط -

بقينا نكذب على أنفسنا أن الهرولة نحو التطبيع مع الاحتلال سيوقفها "إرث زايد" و"الملك فيصل" وستفرملها النخب، قبل أن نكتشف المعنى الحرفي لهدف تصحير مجتمعات خليجية من نخبها، خلف القضبان أو خلف خيانة الدور.  

والمشهد إذ يتجاوز في انحداره رحلة عناق أنور السادات ومناحيم بيغن، لم يعد يخصّ "ذباباً إلكترونياً" فقط. فنحن أمام أسماء بلحمها وشحمها، من المشاهير على مواقع التواصل، تتسابق في صياغة خطاب كراهية فلسطين وشعبها، ودسّ السم في العسل، في تزوير وقح للواقع والتاريخ. 

فظائع كثيرة تُرتكب باسم حرية التعبير، لحفر التجهيل عن قصد. وتساهم ما تسمى "صحافة"، وحسابات على مواقع التواصل، في نثرٍ عربي لبذورِ عتاة التطرف الصهيوني في اعتبار الصهاينة أشقاء، فيما أحمد منصور ولجين الهذلول، والآلاف الآخرون، "أعداء" يستحقون مصير جمال خاشقجي! 

وحين يصل التزوير الإعلامي إلى هذه المديات، ليس فقط باستهداف كل عمل فني يعكس تاريخ القضية الفلسطينية، وتحويل السارق الصهيوني إلى "ضحية"، وأنسنة المحتل على قنوات ومواقع بتمويل سعودي-إماراتي، بل برمي العقول العربية بأكاذيب عن تاريخ فلسطين وصمود أصحاب الأرض الأصليين فوق أرضهم التاريخية (داخل فلسطين المحتلة عام 1948). 

انفصام الخطاب، بمشاركة "نخب" مفروضة كواجهة لدول التطبيع الإعلامي، نجد صداه الواضح في اعتبار القرآن "تخاريف وأساطير"، وبالأخصّ لضرب مكانة القدس و"الإسراء والمعراج". ومن ناحية ثانية الدعوة إلى  "تحرير الأقصى من الهمجيين الفلسطينيين"، لأجل أن يتعبد السائح الإماراتي بهدوء.  فالعقل العربي شهد ويشهد قصفاً إعلامياً تمهيدياً، يتجاوز بروباغندا تاريخية للتحالف الإنجيلي-الصهيوني في الغرب لاستعجال ظهور "المسيا".  

ولم تنتج سجالات الضاد، بمحتوى صهيوني، سوى مشهد إعلامي بائس، بهزّ رؤوس المأمومين موافقةً على هراء تزوير السياسة والإعلام والدين، في مشهد يأخذنا إلى زمن الخليفة العباسي المستعصم وابن العلقمي وهولاكو، وأمراء طوائف الأندلس. 

ففي زمن السيوف الخشبية العربية، حيث تُرك فلسطينيو الداخل يواجهون بدون دعم عربي يُذكر العيش في ظل قوانين "الحكم العسكري" الصهيوني منذ 1948 إلى هزيمة الجيوش في 1967، يخرج علينا "أستاذ علوم سياسية"، ورهط متأسرلي "سمعنا وأطعنا"، بتزوير غير مسبوق عن أكثر من مليوني فلسطيني صمدوا في أرضهم  في ظل ظروف صعبة.  

التزوير يشمل إشاعة أن هؤلاء "إسرائيليون ولا تهمهم هويتهم الفلسطينية". بالطبع يعلم "البروفيسور" وصديقه في الرياض وعرب التطبيع أنهم يكذبون كما يتنفسون، تشويهاً للحقيقة وجعل المتلقي يراها مسلمات. فلم يخض فلسطينيو الداخل والقدس معترك انتخابات الكنيست إلا بعد سنوات طويلة من السجالات حول المتاح أمامهم للمقاومة وللحفاظ على وجودهم وحقوقهم بوجه مشاريع التهويد وتسريب الأراضي والبيوت، التي تعترف تقارير عبرية بمساهمة أبوظبي في تنفيذها، وليس كما يريد "الأشقاء" تصوير الأمر على أنه "تطبيع"، فهؤلاء فوق أرضهم وليسوا طارئين ولا مهاجرين، كما هم المستوردون إلى المستعمرات التي نهبت القرى والمدن الفلسطينية وغيرت أسماءها، أمام كل الجيوش والساسة العرب، منذ النكبة وحتى عام التطبيع.  

وبالطبع يعرف "البروفيسور"، وأفراد كتيبة شيطنة الفلسطينيين إعلامياً، من كان إميل حبيبي وإميل توما وإبراهيم أبو لغد وهشام شرابي وإدوارد سعيد ومحمود درويش ورائد صلاح... وغيرهم من الأحياء والأموات ممن ناضلوا لتثبيت الهوية الفلسطينية والصدع بالحق. ويعرفون كذلك من هم "حركة أبناء البلد"، و"يوم الأرض"، ودوافع تأسيس "التجمع الوطني" والأحزاب العربية. 

العربي الذي لم يتلوث عقله، كما أتباع أنظمة الشراكة مع المحتل، يعرف أن أهل الداخل الفلسطيني هم كالقابضين على جمرة الانتماء إلى الوطن وإلى قومهم، ولم يتلوثوا، لا مسلمين ولا مسيحيين، بلوثة المذهبية والطائفية، رغم مسعى الاحتلال لتصنيفهم على أساسها منذ 70 سنة.  

هؤلاء يعرفون زمن "حرب العلم الفلسطيني"، الذي كان الاحتلال يمنعه حتى انتفاضة 2000، فصار والكوفية دالَّين على الانتماء الجمعي، ومقاومتهم بصفة دائمة محاولة هدم مقبرة "بلد الشيخ"، حيث يرقد الشيخ عز الدين القسام، قائد ثورة الـ 36، السوري الجبلاوي.  

في المحصلة، فإن الأخ "السائح" الإماراتي اليوم، وربما البحريني والسعودي وغيرهم من مهرولي التطبيع، بتبرير "الصلاة في الأقصى"، ينطبق عليهم القول: "يتصهينون والناس راجعة". فهم يذكروننا بسائحي رومانسية الغربيين عن "الكيبوتس"، وتحول بعضهم إلى مناهضين للاحتلال، بعد اكتشاف الوجه العنصري القبيح للحركة الصهيونية، من أمثال المهندس النرويجي، بيتر هامرفولد، الذي يتطوع منذ 2010، وهو في أواخر عقده السابع، ليكون طباخاً على متن سفن العودة وكسر الحصار عن غزة.

"السائح العربي" سيجد نفسه أيضاً أمام بلع بصاق مرشدي السياحة، كما فعلوا دوماً مع الغربيين، عن "تحضّر مدن اليهود" و"تخلّف مدن العرب"، من النقب إلى الجليل، ودون أن يخبرهم: صهيونيتنا تقضي بأن هؤلاء العرب خلقهم الله ليكونوا عبيداً لنا، لذا نمنعهم من التمدد والعمران، ويتلقون أقلّ موازنات بلدية، ونحصرهم بمستعمرات تحيط بهم. 

فهل نقول "هنيئاً" أم "تقبّل الله طاعاتكم"؟ 

المساهمون