04 يناير 2022
+ الخط -

تسبّبت شركة "ميتا" ("فيسبوك" سابقاً) في هزة عالمية لحظة الإعلان عن تغيير اسمها والتركيز على بناء عالم "ميتافيرس" الافتراضي المشترك. لفتت هذه الخطوة أنظار الجمهور إلى هذا العالم عام 2021 المنصرم، وأشعلت جدلاً حوله، في سياق تمر فيه سمعة الشركة بأيام سيئة. 

"فيسبوك تصبح "ميتا" 

في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلنت "فيسبوك" عن تبني "ميتافيرس" كهدف للتطوير والبناء والتمحور. جاء الإعلان على لسان المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"ميتا"، مارك زوكربيرغ، خلال مؤتمر الشركة عن البث الافتراضي الحي والواقع المعزز استمر لنحو ساعة ونصف.
و"ميتا" تعني باللغة اليونانية القديمة "ما بعد"، ومصطلح "ميتافيرس" ظهر للمرة الأولى في رواية قبل ثلاثة عقود، ويشير إلى فكرة البيئة الافتراضية المشتركة التي يمكن لأشخاص الدخول إليها على الرغم من استخدامهم لأجهزة مختلفة. 
إنه عالم من المجتمعات الافتراضية التي لا نهاية لها والمترابطة، حيث يمكن للأشخاص الالتقاء والعمل واللعب باستخدام سماعات الواقع الافتراضي، أو نظارات الواقع المعزز، أو تطبيقات الهواتف الذكية، أو الأجهزة الأخرى. كما سيشمل أيضاً جوانب أخرى من الحياة عبر الإنترنت، مثل التسوق ووسائل التواصل الاجتماعي.
وتوقع زوكربيرغ أن تضم "ميتافيرس" مليار شخص في غضون العقد المقبل.

بعض الجهات سارعت فعلاً إلى تبني "ميتافيرس"، بينها دولة باربادوس الكاريبية الصغيرة التي أعلنت قرارها تأسيس ما قد يكون أول سفارة دبلوماسية في عالم "ميتافيرس".
وفي كوريا الجنوبية، شُكِّل ائتلاف من شركات ومؤسسات عامة في مايو/أيار تحت قيادة وزارة العلوم لتجنب "الاعتماد على الجهات الأجنبية العابرة للحدود".
وسمّي الائتلاف "تحالف ميتافيرس"، ويضم أكثر من مائتي شركة إلى جانب مجموعات محلية عملاقة من أمثال "سامسونغ".

المنافسة تشتعل في عالم "ميتافيرس"  

فتح العالم الموازي شهية الكثير من الجهات الأخرى، كشركات ألعاب الفيديو مثل "روبلوكس" و"فورتنايت"، وعدد من المؤسسات الناشئة المتخصصة. 
وبمناسبة مؤتمرها السنوي المخصص للمحترفين، أعلنت شركة "مايكروسوفت" إطلاق "ميش"، وهي خاصية جديدة في برنامج "تيمز" ستتيح للمستخدمين الظهور، اعتباراً من عام 2022، على شكل صورة رمزية "أفاتار" مكيّفة مع شكل المستخدم بدلاً من تشغيل الفيديو.

فتح العالم الموازي شهية الكثير من الجهات

وفي مجال الأعمال نفسه، أطلقت "نفيديا" الرائدة في مجال صناعة المعالجات، منصتها "أومنيفرس" التي ترمي إلى السماح لفرق تصميم دولية بالأبعاد الثلاثية تعمل على مجموعات برمجيات عدة "بالتعاون في الوقت الفعلي في مساحة افتراضية مشتركة".
وأصبحت "روبلوكس" أو "ماينكرافت" أو "فورتنايت" أكثر من مجرد ألعاب فيديو مجانية على الإنترنت، خصوصاً منذ بدء جائحة "كوفيد-19"، إذ تحوّلت إلى منصات ترفيه تمكّن اللاعبين من أن يعيشوا حياة اجتماعية موازية.
وأدى ذلك حتى إلى زعزعة هيمنة الشبكات الاجتماعية مثل "إنستغرام" و"تيك توك" و"سناب شات"، كما عزز طموحها لبناء "ميتافيرس" خاص بها.

محاولة إلهاء؟

اشتعل النقاش في مواقع التواصل الاجتماعي مع اكتشاف الكثير من المستخدمين حول العالم، بينهم العرب، فكرة "ميتافيرس" وأدواتها وآفاقها. 
في ذات الوقت، كانت التقارير الإخبارية تتدفق بردود الأفعال السلبية عن التسريبات المتواصلة التي تحدثت عن تفضيل شركة "فيسبوك" للربح على حساب صحة المستخدمين. 
وواجهت "فيسبوك" أزمات متتالية مست سمعتها، بينها تسريب الموظفة السابقة فيها، فرانسيس هوغن، دراسات داخلية تظهر أنّ مسؤولين تنفيذيين في الشبكة كانوا على دراية بأنّ مواقع الشركة قد تؤذي بعض المستخدمين، ما عزّز الدعوات في الولايات المتحدة إلى ضبط هذا القطاع.

واجهت "فيسبوك" أزمات متتالية مست سمعتها

وتوالى سيل من التقارير تكشف عن دور "فيسبوك" في تعزيز خطاب الكراهية والانقسام في الولايات المتحدة والعالم، وأخطارها على المستخدمين صغار السن، وعجزها عن مواكبة سيل التعليقات المناهضة للقاحات المضادة لفيروس كورونا التي غزت منصاتها، وغيرها الكثير.
لهذا يصرّ المنتقدون والخبراء على أن خطوة "فيسبوك" هذه ليست إلا محاولة لإلهاء الرأي العام عن المشكلات والفضائح الكثيرة التي تواجهها.

بعض المتفائلين بـ"ميتا" و"ميتافيرس"

لم تكن ردود الفعل كلها سلبية. يرى البعض أن دخول "ميتا" يمكن أن يزيد الاهتمام بمفهوم العالم الافتراضي بشكل عام، ويجذب المزيد من المستخدمين ويدعم تطوير عوالم افتراضية متعددة.
وقال تريستان ليتلفيلد، الشريك المؤسس لشركة nft42 ومستخدم "ميتافيرس" منذ عام 2018، في تصريحات صحافية، إن صرف شركة "ميتا" مليارات الدولارات على "ميتافيرس" "يمكن أن يكون إيجابياً" بسبب الأشخاص الجدد الذين سيجلبهم إلى هذا الفضاء.
كما صرّح المؤسس المشارك لمنصة المنتديات "ريديت"، ألكسيس أوهانيان، بأن صعود العملات المشفرة والجيل الثالث من الويب يعطيه سبباً ليكون متفائلاً بشأن فكرة "ميتافيرس".

الانفاق على عقارات ميتافيرس

قد يبدو إنفاق ملايين الدولارات لاقتناء أراض افتراضية فكرة مجنونة، لكن الحماسة للعوالم الموازية تدفع بالمستثمرين إلى التعويل بشدة على قطاع العقارات الرقمية. وبحسب "فرانس برس"، أعلنت شركة "ريبابليك ريلم" في نيويورك هذا الشهر أنها أنفقت مبلغاً قياسياً قدره 4.3 ملايين دولار لشراء أرض عبر "ذي ساندبوكس"، وهي منصة تتيح دخول عالم افتراضي يمكن للمشاركين فيه الدردشة واللعب وحتى المشاركة في الحفلات الموسيقية. وعلى الموقع المنافس "ديسترالاند"، أنفقت الشركة الكندية "توكنز.كوم" المتخصصة في العملات المشفرة 2.4 مليون دولار في نوفمبر/تشرين الثاني على شراء عقار. وقبل ذلك بأيام، أعلنت دولة باربادوس الكاريبية الصغيرة أنها تعتزم إنشاء سفارة في الميتافيرس، وهي شبكة من المساحات الافتراضية المترابطة توصف أحياناً بأنها مستقبل الإنترنت.
وارتفع الاهتمام بالميتافيرس منذ أكتوبر/تشرين الأول الفائت بعد قرار "فيسبوك" جعل هذه الفكرة مشروعها الجديد، وذهبت المجموعة إلى أبعد من ذلك بإطلاق تسمية "ميتا" على شركتها الأم. وأظهرت قاعدة بيانات العملات المشفرة "داب" أن أكثر من 100 مليون دولار أنفقت خلال أسبوع على مشتريات العقارات عبر مواقع الميتافيرس الرئيسية الأربعة وهي "ذي ساندبوكس" و"ديسنترالاند" و "كريبتو فوكسلز" و"سومنيوم سبايس".

مطوّرة عقارية أثارت الاهتمام عام 2006 عندما باعت أرضاً في مقابل مليون دولار في العالم الافتراضي لـ "سكند لايف"

واستحوذت "توكنز.كوم" على قطعة أرض مهمة عبر "ديسنترالاند" في حي فاشن ستريت، تعتزم المنصة تحويلها إلى وجهة للمتاجر الافتراضية للمجموعات الفاخرة. وقد بدأت العلامات التجارية الفاخرة منذ الآن في دخول عالم ميتافيرس، إذ بيعت حقيبة يد من ماركة "غوتشي" مثلاً على منصة "روبلوكس" بأكثر من سعر نسختها المادية. ويأمل كيغل في أن يصبح حي فاشن ستريت معادلاً لـشارع "فيفث أفينيو" (الجادة الخامسة) في نيويورك.
وكانت مطوّرة عقارية أثارت الاهتمام عام 2006 عندما باعت أرضاً في مقابل مليون دولار في العالم الافتراضي لـ "سكند لايف"، وهو موقع رائد في مجال الميتافيرس. ولا يزال "سكند لايف" يعمل، لكن مؤيدي منافسيه الجدد يشيرون إلى اختلاف رئيسي واحد. فعلى "ديسنترالاند"، تحصل كل عمليات الشراء، سواء أكانت تتعلق بعقارات أو بأعمال فنية افتراضية، من خلال تقنية الرموز غير القابلة للاستبدال (إن إف تي).
وأنفق بعض مستخدمي الإنترنت عشرات الآلاف من الدولارات على هذه الأشياء الرقمية، مما جعل هذا المفهوم يثير في آن واحد الحماسة والشك.
إلا أن الاستثمار ينطوي على مخاطر، من أبرزها تقلّب قيمة العملات المشفرة المستخدمة في شراء سلع "إن إف تي".
ومع أن الحفلات الموسيقية الافتراضية على "روبلوكس" أو "فورتنايت" جذبت عشرات الملايين من الأشخاص الفضوليين، فإن ندرة البيانات الموجودة عن الميتافيرس تشير إلى أن استخدام المواقع المختصة بها ومنها "ديسنترالاند"، بعيد جداً عن الشبكات الاجتماعية القائمة مثل "فيسبوك" أو "إنستغرام". وبالتالي، ستتوقف قيمة الاستثمارات العقارية في الميتافيرس على عدد الأشخاص الذين يزورون هذه المواقع.

المساهمون