"مع وقف التنفيذ"... واقع الحارة الشامية بعد الحرب
حاولت العديد من الأعمال الدرامية السورية تناول الواقع خلال الفترة الحالية، وما سبقها من سنوات. لكن في معظم الأعمال كانت الصورة منقوصة وغير مطابقة للواقع الحقيقي. فإما كانت تلميعاً للنظام وتبرئته من الجرائم التي ارتكبها خلال الأعوام الماضية بحق المدنيين، مثل: "عناية مشددة" و"لأنها بلادي" و"روزانا" وغيرها، أو كان سقف الرقابة يمنع المساس بالنقاط الحساسة التي تقترب من الحزب أو الجيش أو السلطة أو الرئاسة، أي النواة الأمنية العميقة في النظام السوري، ومواضيع عديدة كالاعتقالات والفساد مثل: "الولادة من الخاصرة" و"ترجمان الأشواق"، أو كان بعض الأعمال يُنفَّذ في الخارج.
وبالتالي كان الخروج من البيئة، وعدم توافر العناصر الإنتاجية والتسويقية يعرقل التجربة، ولا سيما رغبة القنوات في الابتعاد عن الصراع السياسي الحاصل مثل "وجوه وأماكن" و"أمل". وبقي الواقع السوري من دون عمل يروي التفاصيل الحقيقية، رغم أنّ المحاولات مستمرة.
بعد شراكة الكاتبين يامن الحجلي وعلي وجيه العام الماضي مع المخرج سيف الدين سبيعي في مسلسل "على صفيح ساخن" الذي استطاع تحقيق متابعة عربية جيدة، وتناول واقع العاملين في جمع النفايات وبيعها وما إلى ذلك من فساد في العلاقات الاجتماعية، تعود هذه الشراكة العام الحالي عبر مسلسل "مع وقف التنفيذ" الذي يروي قصة عودة سكّان حارة تُدعى "العطّارين" في إحدى ضواحي دمشق، بعد انتهاء القصف وصدور قرار رسمي من النظام بالسماح لهم بالعودة، كما حدث في العديد من المناطق، مثل القابون وداريا ومخيم اليرموك.
وبشكل عام، يمكن تلخيص الملامح العامّة للمسلسل بأنّه اجتماعي إنساني يخوض في العوالم النفسية لأبطاله الذين أنهكتهم الصراعات والأزمات المتعاقبة في المنطقة. ويتناول كيف آلت بهم إلى السقوط من عدة نواحٍ، ويتحدث عن البدايات الجديدة في حياة الإنسان وتأثيرها به نفسياً ومهنياً، وأمله بالخلاص من الماضي ورغبته في اكتشاف ذاته والآخرين من جديد.
ويختلف شكل الحارة بعد تعرضها لآثار التدمير وتهالك المباني السكنية والمرافق العامة، لتكون الحارة نموذجاً عن البلد في تنوّع فئاته من الفقراء والأغنياء والتجار وأصحاب الحرف والمتعلمين والأميين وغيرهم. ويرصد العمل اختلاف حال الناس ما قبل العودة وما بعدها، وكيف أصبحت علاقاتهم وقناعاتهم، وخصوصاً من ناحية بحث الجميع عن قوت يومه ومصالحه من دون الاكتراث بالمحيط. وفي الوقت نفسه، دخول الحارة ضمن المخطط التنظيمي الجديد وإعادة الإعمار، وبالتالي ارتفاع أسعار العقارات في المنطقة التي تعتبر استراتيجية ورغبة البعض في تحويلها إلى منطقة تطوير عقاري لاستقطاب شركات دولية كبيرة لمشاريع عمرانية ضخمة. ليتضح أنّ الإنسان هو مع وقف التنفيذ على مستوى الحياة والطموح والإرادة في هذه الحارة التي تختلف عن الحارة الدمشقية وبابها، التي عرفها المشاهدون في السابق، فالأمور باتت أعقد من العكيد والداية وست الحارة والزواج والطلاق والأعياد وغيرها.
بقي الواقع السوري من دون عمل يروي التفاصيل الحقيقية
يشتعل الصراع في الحارة ضمن العديد من الخطوط التي سيحاول العمل طرحها في ما يخص فساد السلطة والتطرف الديني والعلاقات الاجتماعية وتنوع الفئات فيها بين الخير والشر بين العديد من العائلات التي ستضم في كلٍ منها قضايا وحكايات مختلفة، لتكون عائلة "الباري" هي العائلة الشعبية التي تشكّل فرقة عراضة شامية، إضافةً إلى الملحمة التي يعملون فيها جميعاً رغم التحصيل العلمي العالي الذي وصل إليه البعض، إلا أن عادات العائلة وتقاليدها تتفوق على الأحلام الخاصة. بينما عائلة "زاهر" تختلف عنهم، فهي نموذج الفكر اليساري والفنون والطبقة المتوسطة التي طحنتها الأحوال المعيشية الصعبة، والاعتقال كان مصير تلك الأفكار والأحلام، وهو الخط الوحيد تقريباً الذي يقترب من عرض حالات واقعية للعديد من معتقلي الرأي، لكن السؤال هو عمّا إذا كانت المعالجة تتحدث بواقعية، أو ستتجاهل الجهات الأمنية.
أما عائلة "فوزان"، فهي نموذج الانتهازية والصراع على المال والسلطة، حتى لو كلف الأمر بيع العائلة وكرامتها، وكثيراً ما شاهدنا هذه النماذج التي طفت إلى السطح بعد الثورة واستغلال البعض لاحتياجات الناس ومشاكلهم، وهي الطبقة التي تشكّل الواجهة لطبقة الفساد الحقيقية التي تهتم بالحفاظ على أيديها نظيفة التي تمثلها عائلة "وردة" المتنفّذة وأصحاب السلطة والعلاقات الواسعة. بالإضافة إلى أفراد مختلفين يعيشون في ذات الحارة ويدخلون في الخطوط نفسها بتوظيفٍ معين.
العمل يجمع العديد من نجوم الدراما السورية مثل عباس النوري وغسان مسعود وسلاف فواخرجي وفادي صبيح وصفاء سلطان وصباح جزائري وشكران مرتجى وفايز قزق وجلال شموط ويزن الخليل وحلا رجب وغيرهم. والمريب أن الشركة المنتجة "إيبلا الدولية للإنتاج" قدّمت منذ عدة سنوات مسلسل "قلم حمرة" الذي عرّى الأجهزة الأمنية والمعتقلات، فهل تحاول من خلال هذا العمل أن تحابي النظام بعدما ابتعدت عدة سنوات عن الإنتاج داخل سورية؟ فهي ابتعدت عن الإنتاج عموماً لعدة سنوات، وعادت هذه السنة من خلال مسلسل "الوسم" الذي عرضت منصة شاهد الجزء الأول منه أخيراً.