احتضن موقع "يوتيوب" منذ نشأته آلاف المواهب السورية التي لجأت إليه لصناعة المحتوى الإعلامي والفني، تمكن بعضهم من كسب الشهرة والشعبية والاستمرار وتحطمت فيه أحلام الكثيرين أيضاً. ما نلاحظه عند متابعة المحتوى الذي صنعه السوريون أن معظم التجارب متشابهة، فهي بسيطة للغاية، تعتمد غالباً على السخرية من الأحداث الفنية والسياسية والبرامج التلفزيونية أو تقديم معلومات عامة بسيطة دون الاهتمام بالإمتاع البصري. فعلياً لم يخرج عن هذا السياق سوى عدد قليل من اليوتيوبرز السوريين الذين حاولوا البحث عن أشكال مختلفة للفرجة قد تنجح بجذب الجمهور السوري، ومنها برنامج الأنيميشن "مع بندق" الذي ابتكره الشاب براء إنذار. تجربة براء إنذار بدأت قبل عامين، حين قدم برنامجه "مع بندق" عبر منصة "سيرين سلبينا"، وهي منصة سورية شهيرة. وخلال الحلقات الخمس الأولى نال البرنامج صدى واسعاً وحصد آلاف المتابعات، وبعد 12 حلقة انتقل براء إلى منصة "باب الشرق"، التي ما زال يعرض عبرها حتى اليوم ويحصد مئات آلاف المشاهدات.
ما يميز برنامج "مع بندق" عن غيره من البرامج المتخصصة بتبسيط العلوم ونقل المعلومات العامة، أنه برنامج بسيط وخفيف ومسل، حيث تقدم الحلقة بقالب كوميدي وبمدة زمنية قصيرة، فلا تصل خلالها إلى مرحلة الملل، وتُطرح خلاله مواضيع وأفكار تلامس الشارع السوري بشكل مباشر، كالمحاولات المستمرة لتفكيك البنية اللغوية في سبيل شرح بعض المقولات الدارجة والكلمات المستخدمة باللغة السورية العامية والاستعراض السريع لأصول مسميات الأكلات والمدن السورية. كما أن اعتماد براء إنذار في تعليقاته الجانبية على لغة يتفرد بها الشارع السوري واستناده إلى حكايات وأغانٍ لها مرجعية مرتبطة بالشارع السوري، جعلت البرنامج يكتسب طابعه المحلي المميز ونكهته الخاصة، فلا تشعر مطلقاً بأن البرنامج يعاني من المشاكل المقترنة ببرامج الـ"يوتيوب" السورية التي تحاول دائماً أن تستخدم لهجة بيضاء حتى لا تقف اللغة عائقاً أمام البرنامج للوصول إلى المتابعين من مختلف بلاد الوطن العربي؛ فبرنامج "مع بندق" هو برنامج موجّه للجمهور السوري الذي يعرف طبيعته وما يستهويه، وهذا بالضبط ما يميزه.
لكن ذلك لا ينفي وجود كم كبير من العيوب في البرنامج، على صعيد الشكل والمضمون. فعلى صعيد الشكل، تشعر بأن الشخصية الرئيسية "بندق" مرسومة بشكل بدائي للغاية وكأن طفلاً قد قام برسمها. وعلى الرغم من كون هذا الأسلوب أضفى عليها طابعاً خاصاً، لا سيما أنه ليس سوى رسم تبسيطي لملامح المعد والمعلق الصوتي، براء إنذار، بلحيته الخفيفة ونظاراته الطبية وبقبعة يضعها على رأسه، إلا أنها لا تبدو مميزة على الإطلاق، حتى مع الإضافات التي دُعمت بها، ونقصد هنا رداء سوبرمان المشوه الذي ترتديه، بالقميص الأبيض والوشاح الأحمر. لكن الأسوأ من رسم الشخصية الرئيسية هو ما يحيط بها من رسوم توضيحية؛ فكل ما نشاهده على الشاشة يؤكد أن من يقوم بالرسم والتحريك لا يتقن غير القليل من فن الصنعة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الشخصية الرئيسية برسمها البسيط ولونها الأبيض الناصع تحيلنا بالذاكرة إلى برنامج الأنيميشن الذي طرحه من قبل اليوتيوبر السعودي حسين عبد الله. لكن الفارق أن البحث الذي يبذله عبد الله وقيمة المعلومات التي يقدمها تجعلك تغض الطرف عن المشاكل البصرية. إذ لا تشعر بأنّ متابعة برنامج "مع بندق" تضيف لك الكثير من المعلومات، وحتى المعلومات القليلة التي تحصل عليها تبقى مشكوكاً بأمرها وتفتقد للمصادر، فهو لا يحيلنا إلى أي مرجع ليساعدنا في تعميق البحث بأي موضوع. لكن الأمر الأسوأ أن بعض المعلومات التي يسردها هي خاطئة جملةً وتفصيلاً، لا سيما في الحلقات التي يخرج بها "بندق" من دائرة اللغة إلى دوائر العلوم الأخرى. ففي الحلقة التي قدمها عن "كيفية عمل نظام الكيتو للتنحيف" مثلاً، يذكر بندق الأطعمة المسموح بتناولها في حمية الكيتو، لكنّه يخطئ بذكر بعض الأطعمة التي لا تناسب هذا النوع من النظام الغذائي، كالحليب كامل الدسم، الذي قد يؤدي تناوله إلى نتائج عكسية مضرة بالصحة. إلا أن الأسلوب الساخر الذي يتبعه "بندق" بسرد معلوماته يخفف من أثر المعلومات الخاطئة التي قد ترد أحياناً، فهو لا يدعي بأي لحظة بأنه مرجع يمكن العودة إليه، ويشير عند سرد المعلومات المؤثرة صحياً إلى ضرورة استشارة المختصين، كما هو الحال في حلقة "الكيتو" أيضاً، عندما ينصح باستشارة طبيب قبل تطبيق هذا النظام الغذائي.