"مدام كلود": فيلمٌ أقلّ من حضورها

24 سبتمبر 2021
مدام كلود (فرناند غرودي): حضورٌ أكبر وأعمق من فيلمٍ (كريستيان سيمونبياتْري/ سيغما/ Getty)
+ الخط -

 

"ترتكز هذه القصّة على وقائع حقيقية، مستوحاة من الحياة المتخيّلة لفرناند غرودي، المعروفة بمدام كلود، المولودة في 6 يوليو/ تموز 1923 في آنجي". تقديمٌ لـ"مدام كلود" (2021) للفرنسية سيلفي فِرَاد (نتفليكس).

مسألة "الحياة المُتخيّلة" واردة في سياق الحكاية المُصوّرة سينمائياً، من دون ارتقاء إلى فعلٍ سينمائيّ يُخالف مفردات السرد الحياتي، المتداولة في أفلامٍ كثيرة. لمدام كلود حياة متخيّلة تبتكرها ذات يومٍ في كتاب "آلو، نعم" (أو "مذكّرات السيدة كلود") لجاك كْوَاري (تُشارك في تأليفه)، الصادر عام 1975 عن منشورات "ستوك" (باريس). فالمرأة، التي تعيش معاناة متنوّعة الأشكال منذ طفولتها، تبلغ مرتبة فاعلة ومؤثّرة ومُثيرة لقلق ومخاوف في مجتمع فرنسي، يمرّ في أكثر من اضطرابٍ ومتغيّرات، في خمسينيات القرن الـ20 وستينياته تحديداً، أي في مرحلة تمكّن مدام كلود من الإمساك بسلطةٍ، عبر فتياتٍ يعملن في بيت للدعارة الراقية، تُديره بحِرفيةٍ، وتجني بفضله أموالاً طائلة، وتقبض فيه على حياة مهنية وعائلية واجتماعية لشخصيات عامة في السياسة والأمن والفنون والمال والأعمال.

"الحياة المتخيّلة" تختلف كلّياً عن تلك المعروفة. الأولى عائدةٌ إلى زمنٍ بعيد، تريد فرناند غرودي أنْ يكون لها كما ترغب وتحلم وتشعر، لا كواقعٍ تعيشه وتتألّم وتعاني أهوالاً وتمزّقات بسببه. لاحقاً، تُخبر مدام كلود (كارول روشي) أقرب عاهرات منزلها إليها، سيدوني (غارنس ماريليه)، أنّ فيها جرح اعتداء جنسي عليها من عمّ لها: "أبقيتُ فمي مغلقاً"، فهي مقتنعةٌ بأنْ لا أحد يهتمّ "إذا ضاجعك والدك" (سيدوني ضحية اعتداء جنسي من والدها، السياسي والثري، ذي العلاقات المتينة بأقطابٍ حاكمة): "لا يهمّهم هذا إطلاقاً". اختلاف الرأي بينهما واضح، فسيدوني مقتنعةٌ بأنّ "لكلّ زمن متغيراته"، بينما مدام كلود ترى أنْ لا شيء يتغيّر، وتؤكّد بسخرية ومرارة وقهر: "لا شيء إطلاقاً". فـ"القرار للرجال"، تقول، و"السلطة معهم"، وهذا "لن يتغيّر أبداً". لاحقاً، تربح سيدوني الدعوى القضائية ضد والدها.

الحياة المعروفة مروية في "مدام كلود" بشكلٍ تأريخي كرونولوجي، مع لقطات عدّة تستعيد مقتطفاتٍ من ماضيها. آلان دولون يحضر من خلال أسماء مافياويين، له معهم علاقات وصداقات ("ألغاز دولون"، برنار فيولي، "فلاماريون"، باريس، 2000). مارلون براندو يظهر في بيتها مُديراً ظهره للكاميرا. فضيحة جورج بومبيدو (ترد أيضاً في كتاب فيولي، لتورّط دولون فيها، بشكلٍ ما)، وأسماء سلفادور دالي ومارلين مونرو وجون كينيدي. مسؤولون في الأمن يتعاملون معها كمخبرة، ومافياويون أصدقاء لها لمشتركات بينهم في العمل والسهر والصفقات، رغم ابتعادها عن كلّ عمل آخر غير الدعارة الراقية.

 

 

تسلسل عادي يروي مسارات، وتمثيل يغلب عليه التوثيق، وانفعالات مدام كلود، في لحظاتٍ عدّة، تعكس حِرفية مهنيّة في الأداء لا أكثر. مشاهد الممارسات الجنسية، قليلة العدد أصلاً في فيلمٍ عن عالم الدعارة، عادية للغاية.

قراءة حياة مدام كلود، المتخيّلة والمعروفة، واردة في "ويكيبيديا" الفرنسية، وربما تكون مُفيدة أكثر من الفيلم. كتبٌ قليلة عنها، اثنان منها لها باسم كلود غرودي: "الأفضل، هو الآخر" (Balland، عام 1986) و"رواية مُعاشَة" (ميشال لافون، 1994). الفيلم عاديّ للغاية، يُشبه توثيقاً تلفزيونياً عن امرأة تنتقل من حالة إلى نقيضها، وتواجه أشراراً فتلتقط نقاط ضعفهم (الجنس)، وتسيطر على وضعٍ قبل فقدانها كلّ سيطرة. هروب إلى الولايات المتحدة الأميركية غير نافع، فتُسجن في فرنسا بعد انفضاض أجهزة أمن وشرطة عنها لأسبابٍ كثيرة، لكنّ الأساسي بينها يتمثّل بـ"معرفتها أموراً أكثر من اللازم".

مدام كلود (وفاتها حاصلةٌ في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2015، في "نيس") تاريخ مدينة وأناس ومراحل. فيلمٌ كهذا ناقصٌ، لا لاستحالة تحويل كلّ سيرة حياة إلى صنيع سينمائي، بل لأنّ جديد سيلفي فِرَاد عاديّ للغاية، ولا اشتغالات سينمائية فيه، تصنع من السيرة صُوراً متخيّلة عن وقائع وحقائق.

جديدٌ غير متوافق مع المكانة الكبيرة لمدام كلود في حياة فرنسية عامة، ذات ماضٍ قديم.

المساهمون