تصعيد جديد تشهده أستراليا مع عمالقة التكنولوجيا، بخصوص الدفع لوسائل الإعلام، بعد أشهر على الجدل في ما يخصّ القوانين التي تريد كانبيرا تفعيلها لإجبار "غوغل" و"فيسبوك" على دفع مبالغ مالية لوسائل الإعلام مقابل المحتوى الإخباري، لأجل عرضها، في ظلّ انخفاض في مدخول المؤسسات الإعلامية من الإعلانات وارتفاع الأرباح التي تحققها تلك الشركات.
ففيما أعلنت "غوغل" يوم الأربعاء اتفاقية جديدة مع "نيوز كورب"، قرّر "فيسبوك" تنفيذ تهديده وحجب المحتوى الإخباري. ويأتي ذلك بعد يومين من إعلان الحكومة الأسترالية قرب الاتفاق مع شركات التكنولوجيا حول القوانين والمحتوى، وسعيها إلى "تعديلات فنية" كي تؤكد أنّ الدفع سيكون وفق المبالغ الإجمالية وليس وفق كلّ نقرة على الأخبار، بعد اجتماعات جرت يوم الأحد الماضي بين وزراء أستراليين مع مؤسس "فيسبوك" مارك زوكربيرغ، والرئيس التنفيذي لـ"غوغل" سوندار بيتشاي.
واليوم الخميس، استيقظ الأستراليون ليجدوا صفحاتهم على "فيسبوك" خالية من أي أخبار، بعد أن حجب عملاق وسائل التواصل الاجتماعي كل المحتوى الإعلامي، في تصعيد مفاجئ وكبير للنزاع مع الحكومة على دفع مقابل المحتوى.
ونشر أستراليون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تظهر خلوّ جميع الصفحات المعنية بالأخبار من أي منشور إطلاقاً، وبينها تلك الأسترالية أو حتى العالمية. كذلك اختفت المنشورات من صفحة "فيسبوك" نفسه، في ما يشير إلى المدى الواسع لقرار الشركة وتأثيراته في الخدمة ككلّ.
As several people have pointed out to me, Facebook blocked itself. pic.twitter.com/LVhyJMAHfp
— Josh Taylor (@joshgnosis) February 17, 2021
وبحسب "رويترز"، سرعان ما أثارت الخطوة انتقادات منتجي الأخبار والسياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، خاصة بعدما حذف الموقع أيضاً الصفحات الصحية الرسمية وتحذيرات السلامة الطارئة وشبكات الرعاية الاجتماعية.
وكتب رئيس الوزراء سكوت موريسون على صفحته على فيسبوك: "تصرفات فيسبوك لإلغاء الصداقة مع أستراليا اليوم، بقطع المعلومات الأساسية عن خدمات الصحة والطوارئ، متعجرفة ومخيبة للآمال"، مستخدماً تعبير "إلغاء الصداقة" الذي يشير إلى توقف شخص ما عن متابعة صفحة شخص آخر على "فيسبوك".
وقال موريسون: "ستؤكد هذه الإجراءات فقط المخاوف التي يعبّر عنها عدد متزايد من الدول بشأن سلوك شركات التكنولوجيا الكبرى التي تعتقد أنها أكبر من الحكومات وأن القواعد ينبغي ألا تنطبق عليها".
وقال "فيسبوك" في بيان إن القانون، المتوقع أن يقرّه البرلمان خلال أيام، "يسيء كثيراً فهم" العلاقة بينه وبين الناشرين، مضيفاً أنه واجه خياراً صعباً بين الامتثال أو حظر المحتوى الإخباري.
وتمثل خطوة "فيسبوك" انشقاقاً عن شركة "غوغل" المملوكة لألفابت، بعد أن شكلتا معاً جبهة موحدة لسنوات في حملة على القوانين. وهددت الشركتان بإلغاء الخدمات في أستراليا، لكن "غوغل" أبرمت اتفاقيات مع عدة مواقع إخبارية في الأيام الماضية.
وأعلنت "نيوز كورب"، أمس الأربعاء، أنها أبرمت اتفاقاً إخبارياً عالمياً مع "غوغل"، في صفقة من أبرز الصفقات من نوعها مع شركة تكنولوجيا كبيرة.
بموجب الشراكة الجديدة، تنشئ الشركتان منصة اشتراكات وتتقاسمان الإيرادات الإعلانية من خلال خدمات تكنولوجيا إعلانات "غوغل"، إلى جانب التوسع في الصحافة المسموعة وتطوير الصحافة المرئية على "يوتيوب".
تملك "نيوز كورب" ثلثي صحف المدن الرئيسية في أستراليا، بحسب "رويترز". ويأتي ذلك بعد نزاع استمر لسنوات بين روبرت مردوخ، قطب صناعة الإعلام الذي يسيطر على "نيوز كورب"، و"غوغل" التابعة لمجموعة ألفابت، ولا سيما في أستراليا، حيث هددت "غوغل" في الآونة الأخيرة بإغلاق محركها البحثي بسبب قوانين "غير عملية" تخصّ المحتوى.
والصفقة تتويج لمساعي مردوخ (89 عاماً) ونجله لاكلان وروبرت توماس الرئيس التنفيذي لـ"نيوز كورب" من أجل تقاضي مقابل من المنصات عن المحتوى. وسبق أن اتفق مردوخ على مدفوعات من "أبل" و"فيسبوك" في ما يتعلق بمنتجيهما للأخبار.
وفي أستراليا، أبرمت أكبر شبكتي بث تلفزيوني مجاني اتفاقات مع "غوغل"، قيمتها الإجمالية 60 مليون دولار أسترالي (47 مليون دولار) سنوياً، بحسب تقارير إعلامية.
وامتنعت "غوغل" عن التعليق على قرار فيسبوك، الخميس. وأحجمت الشركة عن التعليق بخصوص التفاصيل المالية للاتفاق، الذي قالت إنه يتضمن "مدفوعات كبيرة" من "غوغل".
تأتي الصفقات الأسترالية قبل أيام من خطط حكومية لسنّ قوانين تسمح لها بتعيين مُحكّم لفرض رسوم محتوى على "غوغل" ما لم تبرم اتفاقات خاصة، فيما اعتبرتها الحكومة وشخصيات إعلامية نقطة تحول في مفاوضات بلغت طريقا مسدودا قبل عام. ويلزم القانون الأسترالي "فيسبوك" و"غوغل" بالتوصل إلى اتفاقيات تجارية مع المواقع الإخبارية أو الخضوع للتحكيم الإجباري للموافقة على مقابل المحتوى الإخباري.
كانت "مايكروسوفت"، وهي مستفيد كبير من خروج "غوغل" من السوق الأسترالية، قد أعلنت قبولها بالقانون الأسترالي المقترح، وحثّت الحكومة الأميركية على أن تحذو حذوه.
وبعدما وقعت "غوغل" اتفاق إطار مع "اتحاد الصحافة الإخبارية العامة"، أبرز ائتلاف مهني للصحف الفرنسية، تعمل كذلك على إبرام صفقات مع ناشرين كبار في بريطانيا وألمانيا والبرازيل والأرجنتين، بحسب "رويترز".
وشهدت المجموعات الإخبارية في جميع أنحاء العالم تدمير أعمالها بسبب خسارة أموال الإعلانات التي كانت تتدفق في السابق إلى صحفها، لكنها الآن تستحوذ على أغلبية ساحقة من قبل المنصات الرقمية الكبيرة.
وتزامناً مع جائحة كورونا العام الماضي، فقدت الآلاف من وظائف الصحافيين، وأجبرت العديد من المنافذ على الإغلاق في أستراليا وحدها.