22 فبراير 2021
+ الخط -

قرّر "فيسبوك"، الأسبوع الماضي، تنفيذ تهديده وحجب كلّ المحتوى الإخباري في أستراليا، في ظلّ انخفاض في مداخيل المؤسسات الإعلامية من الإعلانات وارتفاع الأرباح التي تحققها شركته. يأتي هذا في سياق توتّر نشب منذ سنوات ولم ينتهِ بين عملاق التكنولوجيا الأزرق و"صاحبة الجلالة"، وتضمّن اتهامات للشركة بالتضليل ودعمه، وبعداوة الصحافة والحقيقة. 

تاريخ من الأخطاء
خان "فيسبوك" الصحافة مرات عدة خلال سنواته الـ17 خصوصاً عندما قرّر تغيير خوارزمية مشاهدة المحتوى، إذ فضّل أن يشاهد مستخدموه منشورات أصحابهم وعائلاتهم على حساب الصفحات، بما في ذلك صفحات وسائل الإعلام. أدى ذلك إلى انهيار عالمي في زيارات الصفحات والمواقع، ما تسبب في تناقص كبير في العائدات لوسائل الإعلام.
وحتى عندما حاول الموقع ادعاء دعم الصحافة، أدى ذلك إلى أخطاء فادحة. ولعل أبرزها الأخطاء في احتساب عدد المشاهدات في الفيديو، فكان يبالغ في الأرقام، ما أوقع الصحافيين والمعلنين في حرج كبير. وجرّب الموقع المقالات الفورية، لمنح إمكانية قراءة المقالات مباشرة في منصة "فيسبوك"، لكن الميزة قيدت الإعلانات والاشتراكات، ما دفع الكثير من الناشرين إلى التخلي عنها. وأطلقت الشركة ميزة "القصص الشائعة"، لكنها طردت المحررين واعتمدت على خوارزميتها في عملية التصنيف. أدى ذلك إلى انقلاب القائمة فوراً إلى بوق للأخبار الكاذبة والتضليل. 

تسبب فيسبوك في تناقص عائدات وسائل الإعلام بسبب بعض ميزاته وتبديله خوارزمياته أكثر من مرة

"فيسبوك" عدو الصحافة؟
بدلاً من أن يساعد الموقع الأزرق الصحافة التي تحاول التنقيب عن الحقيقة، زاد "فيسبوك" من أعباء الصحافيين بتحوله إلى مصنع للأخبار الكاذبة والتضليل. يقول معظم الصحافيين الذين يغطون فيروس كورونا المستجد إن مواقع التواصل الاجتماعي هي أكبر مصدر للمعلومات المضللة، متفوقة بذلك على المسؤولين السياسيين. وفي الاستطلاع الذي أجراه المركز الدولي للصحافيين ICFJ ومركز Tow للصحافة الرقمية في جامعة كولومبيا، وصف 66 في المئة من الصحافيين الموقع الأزرق بأنه المصدر الرئيسي "للتضليل الغزير". وعلى الرغم من قيام 82 في المئة منهم بإبلاغ "فيسبوك" ومنصتيه الأخريين، "واتساب" و"إنستغرام"، بالمعلومات الخاطئة، قال نصفهم تقريباً إنهم غير راضين على الرد الذي وصلهم.

وقالت إحصاءات سابقة إن المواقع التي تنشر معلومات خاطئة عن الصحة جذبت ما يقرب من نصف مليار مشاهدة على "فيسبوك" في إبريل/نيسان 2020 وحده، مع تصاعد جائحة فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم. ليس هذا فقط، بل يسمح "فيسبوك" للمستخدمين بالاستفادة مادياً من انتشار نظريات خاطئة، وخطِرة، حول الوباء واللقاحات، بما في ذلك السماح بجمع الأموال عبر الصفحات التي تنشر هذا المحتوى. ووجد تحقيق أن 430 صفحة، يتبعها 45 مليون شخص، تستخدم أدوات "فيسبوك"، مثل المتاجر والاشتراكات، بالرغم من نشرها معلومات خاطئة حول كورونا واللقاحات.

رد على الاتهامات 
فتحت لجنة المنافسة والمستهلك الأستراليّة سابقاً تحقيقاً مع "فيسبوك"، إلى جانب شركات منافسة أخرى، لمعرفة ما إذا كان البحث على تلك المنصات ومواقع التواصل يؤذي المنافسة في السوق الإعلامي. حينها قالت "فيسبوك" إنها "تُساعد الصحافة عن طريق تأمين منصّة توزيع عالمي للناشرين". 

وفي صيف 2020، أطلقت الشبكة الاجتماعية خدمة الأخبار Facebook News، القسم المخصص للمحتوى الصحافي والإعلامي في الموقع الأزرق، للجميع في الولايات المتحدة. تتلخص فكرة هذا المنتَج في مساعدة الصحافيين على برمجة أخبار "فيسبوك"، بالإضافة إلى الخوارزميات لتخصيص اختيار القصة بشكل أفضل. ويمكن للمستخدمين التفاعل ومشاركة المقالات، لكن لا يُسمح لهم بالتعليق عليها. وأطلقت "فيسبوك" الخدمة كذلك في بريطانيا، وقالت إن المئات من منافذ الأخبار البريطانية قد وقّعت بالفعل على صفقات للاستفادة من الميزة الجديدة. لكن حتى هذه الميزة تلاحقها الاتهامات. إذ يمكن للمستخدمين إخفاء المقالات والموضوعات والناشرين الذين لا يرغبون في رؤيتهم، الأمر الذي يمكن أن يطرح مشكلة في بناء تصور المستخدم وآرائه، لأنه لن يرى وجهة نظر الآخر في القصص والقضايا. 

يتسبب ذلك في مشاكل الاستقطاب، التي يقال إن "فيسبوك" من بين أبرز أسبابها، بسبب كونه يتعمد محاصرة المستخدم بالمحتوى الذي يميل إليه فقط، ما يجعله أحادي التفكير ويزيد من التطرف. وقبل أسبوع، فيما أعلنت "غوغل" اتفاقية جديدة مع "نيوز كورب"، قرّر "فيسبوك" حجب المحتوى الإخباري من منصته، بعد يومين من إعلان الحكومة الأسترالية قرب الاتفاق مع شركات التكنولوجيا حول القوانين والمحتوى للدفع لمؤسسات الإعلام مقابل نشر محتواها.

فيسبوك هو السبب الرئيسي في أغلب الأخبار الكاذبة والتضليل حول فيروس كورونا

مصلحة "فيسبوك" أولاً
في نهاية المطاف، "فيسبوك" ليس منظمة خيرية لدعم الصحافة، بل هو منصة تدافع عن نفسها ومصالحها، وأرباحها، أولاً. هذا ما بدا واضحاً من خلال الدفاع المستميت عن الفيديو في المنصة في محاولة لتدمير منافسه "يوتيوب"، وكذلك مع المقالات الفورية لإجبار المؤسسات الصحافية على وضع محتواها مباشرة على الموقع، لترك الجمهور في الموقع لأطول وقت ممكن، ليروا أكبر عدد من الإعلانات ويربح "فيسبوك" أكبر قدر من الأموال. ولا يبدو أن هذه الأولوية ستتغير.

المساهمون