"صورتك بين عينيا" لسعيد خلاف: دراما التفسخ والنسيان

12 ابريل 2022
تشارك كلّ من ماجدولين الإدريسي وعزيز داداس في بطولة المسلسل (فيسبوك)
+ الخط -

في مسلسله الأخير "صورتك بين عينيا" يسقط المخرج المغربيّ سعيد خلّاف منذ مَشاهده الدرامية الأولى في أسلوبٍ تنميطيّ مُتسرّع يضع فيه الحكاية بمرأى عين المُشاهد. حيث يقوده حدسه بسهولةٍ إلى معرفة ما يُمكن أنْ يقع في الحلقات القادمة من دون أيّ تردّد. وفاة أوّل شخصيّة في الدقائق الأولى، تجعل النصّ مُفتّتاً وواضحاً بالنسبة للمُشاهد. هكذا يظلّ المُتلقّي يحدس على مُستوى الدرامي بكل الأحداث التي ستندلع في الحلقات القادمة، ما يجعل العمل الدرامي يفقد هيبته وجبروته في عين المشاهد خصوصاً أنّ الدراما المعاصرة، لم تعُد مجرّد فُرجةٍ للتسلية وقضاء الوقت، بل نعثر في كثيرٍ من المرّات على مسلسلاتٍ فرنسيّة تُربك المُشاهد وتجعله باستمرار يتطلّع إلى حلقاتها القادمة، لأنّها لا تجعله فقط يُفكّر ويتأمّل ويحلم، بقدر ما تُربك فهمه وتزُجّ به داخل هندسةٍ بصريّة وشبكاتٍ سرديّة من الأحداث، لا يقوى على تفكيكها أو التنبؤ بما سيحدث داخلها.
على العكس من ذلك يحدث في "صورتك بين عينيا" إذْ تطغى عليه الصُوَر النمطيّة المألوفة داخل الدراما المغربيّة الخاضعة إلى البكائيات وطرق موضوعات تتعلّق بالطبقات الأرستقراطية وما يدور في فلكها من أحداثٍ وقضايا. وهي ثيماتٌ استنفذت مادّتها على مُستوى الحكي البصريّ وأضحت تتراكم بشكلٍ هستيري على سطح الأعمال الدرامية المغربيّة، بدون أيّ تجديدٍ أو تجدّد. والغريب أنّ هذا المسلسل الذي يُصنّف نفسه باعتباره دراما اجتماعية ذات علاقة بالاجتماع المغربيّ، تكاد صُوَره لا تمتّ للواقع بأيّ صلةٍ. إذْ يندهش المُتلقّي من نضارة الأكسسوارات والأضواء والموسيقى والاستطراد في توظيفها، رغم أنّها توابل لا تزيد الصورة إلا ابتعاداً عن الواقع الحقيقي، أمام ما يحبل به من شروخٍ ومآزق وتصدّعات. لذلك، فإنّ التناقض البصريّ القائم داخل المسلسل بين الصورة المُتخيّلة والواقع العيني المُباشر، يجعل العمل الدرامي يعيش مُفارقة باطنيّة صعبة ومنهارة في أساسها وتجلّياتها.


يحكي المسلسل قصّة رجل يعود من سفره بعدما كتب توكيلاً لابن خالته حتّى ينوب عنه في كل ما له صلة بأعماله. غير أنّ عودته إلى المغرب ستنتهي في اليوم الأوّل بموته أمام عتبة باب منزله. لكن هذا الملمح لا يمنح للنصّ قوّته، إلّا باعتباره مقدّمة يتشعّب من خلالها الكلام، وتتشكّل عبرها لذة السرد. كما أنّ رهان المُخرج على عنصر الموسيقى التصويرية وإبرازها على سطح أنماط الصورة، لا يُمكن فهمه إلا بوصفه تضليلاً بصرياً ودغدغة للمَشاعر، بل كنوعٍ من تغطية العجز على التخيل. فهذا الأخير، غير موجودٍ بالمرّة ما يُؤثّر سلباً على جماليّات الصُوَر، ويفرض عليها تقنياً نظاماً ميكانيكياً يهدّ نسق الصورة، وينزع عنها فعل التخييل الذي يُعدّ أوّل شرطٍ لإبداعية العمل الدرامي.
ليس "صورتك بين عينيا" مجرّد مسلسلٍ يحنّ إلى نوعٍ من الدراما التي تعود إلى الثمانينيات في المغرب والمُتعطّشة إلى تبسيط الصورة، رغم أنّها كانت أكثر تجذّراً في بيئتها واجتماعها. لكنّ المسلسل هذا، لا يُمكن إدراجه إلاّ ضمن المسلسلات الترفيهية، التي لا تترك أيّ مساحةٍ فكريّة للتأمّل ولا بُعداً جمالياً يجعل المُشاهد ينسج معه علاقة دائمة في جسده كلّما تذكّر جماليّة مشهدٍ أو لذّة حوارٍ أو جودة أداءٍ.

من ثمّ، فهو لا يعدو أنْ يكون مجرّد تدريبٍ بصريّ مُصغّر ينطبق على أغلب الأعمال الفنّية المغربيّة التي تُبثّ على التلفزيون الرسميّ، لأنّها غير صالحة لأنْ تكون حتّى مقدّمة لمشروع درامي يمتلك في خطابه البصريّ خصوصياتٍ مغربيّة تتعلّق بمفاهيم الواقع والتاريخ والذاكرة، أمام ما يهدّ كيّانه من صُوَرٍ مُستلبةٍ من مُسلسلاتٍ هندية وتركية إذْ لا أثر يتركه المُسلسل في جسد الآخر، رغم مجهودات المخرج سعيد خلاّف على مُستوى الإخراج ونَجاحه في مَشاهد عدّة في التقاط تفاصيل صغيرةٍ من سيرة الواقع. غير أنّ هذه الإشارة الشحّيحة المُضيئة داخل بعض الحلقات سرعان ما تَضيع أمام هشاشة التأليف والصُور المُتكرّرة من حلقةٍ إلى أخرى.

المساهمون