"دوريات إنترنت" تراقب المحتوى في الشيشان

31 أكتوبر 2021
الانتقادات طاولت شيشانيات ينشرن مقاطع فيديو وصوراً (يلينا أفونينا/تاسّ)
+ الخط -

أعلنت السلطات الشيشانية "حرباً بلا هوادة ضد إدمان الشباب الشيشاني على مواقع التواصل"، وتحديداً "تيك توك"، وقررت تشغيل "دوريات الإنترنت" لمراقبة المحتوى "غير الأخلاقي" المنافي للعادات والتقاليد. ونظراً لسجل الجمهورية القوقازية ذات الحكم الذاتي ضمن روسيا الاتحادية السيئ في محاربة الناشطين السياسيين والمدنيين، يخشى خبراء من استغلال السلطات حملتها للتنكيل بالمعارضين، على الرغم من تأكيدها أنّ هدفها محاربة التسلية التي لا هدف لها على تطبيقات الإنترنت.

في منشور على "إنستغرام"، انتقد رئيس البرلمان الشيشاني محمد داودوف، وهو أحد أقرب المقربين من رئيس الجمهورية رمضان قديروف، نشاط الشباب على مواقع التواصل. وتعهد "اللورد"، وهو اللقب الذي يطلق على داودوف، في صفحته التي تحمل الاسم نفسه، بمراقبة المحتوى الذي يتداوله الناشطون الشيشانيون على "تيك توك". وتزامناً مع تصريحاته، بدأت "دوريات الإنترنت" بالعمل في الشيشان، في مهمة لتحديد المنشورات التي لا تتوافق مع الأعراف والتقاليد.

وفي مقطع فيديو نشره على "إنستغرام"، صبّ داودوف جام غضبه على صفحات عدة في "تيك توك". وقال إن "هناك صفحات تيك توك، مثل صفحة بيغو، يجلس فيها رجل ذو لحية طولها متر في بث مباشر غير مفهوم، ويتسلم رسائل غير مفهومة. أليس هذا عاراً؟ من الصعب أن نتخيل أنّ الشيشانيين يمكن أن يتصرفوا على هذا النحو". وتساءل داودوف مستنكراً: "ماذا تفعلون في هذا التيك توك؟ أليس لديكم ما تقومون به؟ ألا توجد صالات رياضية؟ ألا توجد مساجد؟" وخلص إلى توجيه نصيحة إلى مستخدمي مواقع التواصل لـ"يستغلوا الوقت من أجل مصلحتهم، إذا كان لديهم الكثير منه". ولم يقتصر انتقاد المسؤول الشيشاني على المدونين الملتحين، إذ طاول الشيشانيات اللواتي ينشرن مقاطع فيديو على الهواء "من أجل الإعجاب والتعليقات الداعمة"، ملوحاً بأنّ قديروف لن يغفر إذا اكتشف أنّ مرؤوسيه يعرفون عن كيفية قضاء الشباب الشيشاني أوقات فراغهم، ولم يتصرفوا.

وفي رسالة إلى أهالي الشباب "الخارجين عن الأعراف"، قال داودوف: "إذا لم يستطع الأهل منعهم، فليُعلموا قائد شرطة المنطقة أو رئيس الحي أنّ أطفالنا لا يطيعوننا، سيُسجلون في سجلات القُصر الميالين لارتكاب الجرائم، وسيُراقبون. أو اطلبوا من إمام المسجد العمل على إعادتهم إلى رشدهم"، مشدداً على أنه إذا لم يكن للمحادثة الأولى أي تأثير، فإن السلطات الشيشانية ستجريها مرة أخرى، وهذه المرة بصرامة أكثر، وفي المرة الثالثة، تعهد "اللورد" بـ"اتخاذ إجراء" بحق هؤلاء الشباب.

بعد ساعات قليلة من نشر داودوف تصريحه المسجل، انضم إلى مدونة شيشانية على "تيك توك" لإجراء رقابة شاملة على محتوى بثها. وفي الوقت نفسه، ظهرت على شبكة الإنترنت مجموعة غير رسمية تسمى "عمال نظافة المجتمع"، حددت لنفسها مهمة تطهير شبكات التواصل في الشيشان "من المنبوذين أخلاقياً والأشخاص الذين يسيئون إلى الناس بسلوكهم غير اللائق". وللقيام بذلك، يُطلب من المستخدمين إرسال روابط حول المحتوى المثير للجدل، وعلى أثرها تجري المجموعة "محادثات وقائية".

مجموعات غير رسمية تتولى مهمة "تطهير" شبكات التواصل الاجتماعي

تضاف مجموعة "عمال نظافة المجتمع" إلى مجموعة أخرى تعمل منذ عام 2017 تحت اسم "حركة شباب فيناخ"، وتدير على وسائل التواصل صفحات تحمل اسم "قرطاج". وانتقد المشرفون على صفحات "قرطاج" مراراً الشيشانيات لنشر صورهن "غير اللائقة"، وفقاً لهم. ونشروا بياناتهن الشخصية وأماكن إقامتهن ومعلومات الاتصال بأقاربهن على الإنترنت. ويمكن اعتبار عدم وجود الحجاب، أو ارتداء تنورة قصيرة، أو كشف الكتفين والرقبة المفتوحة "سلوكاً غير أخلاقي". والقاعدة الأولى في قواعد القناة هي عدم السماح للفتيات بالتعليق.

ليس من الصعب تخيل ما يمكن أن يحصل مع الشباب الشيشانيين في حال سار "المحاربون الجدد من أجل الفضيلة" على درب سابقتهم "قرطاج". إذ تعرضت لويزا دودوركاييفا، البالغة من العمر 22 عاماً، للملاحقة في 2017 من قبل القائمين على "قرطاج"، وغادرت الشيشان، وحصلت على حق اللجوء في النرويج، لكنّها احتُجزت لاحقاً في مطار مينسك، عاصمة بيلاروسيا، وأعادها والدها إلى موطنها الأصلي، مدينة أرغون الشيشانية.

ويشير مدير مركز "سوفا" للمعلومات والتحليل ألكسندر فيرخوفسكي إلى أنّ شبكات التواصل مفتوحة، لذلك ليس من الصعب العثور على "منتهكين" هناك، في حين أنّه ليس من الضروري البحث عن جميع صانعي المحتوى "غير القويم". ويحذر فيرخوفسكي، في تصريحات لموقع " كورينت تايم"، من أنّ السلطات ستتخذ "إجراءات تأديبية استعراضية" لردع الباقين.

في المقابل، يرى معارضون أن تصريح داودوف مجرد "حملة ترويج شعبوية". ويقول مدير "جمعية المستخدمين المحترفين لشبكات التواصل والمراسلين" فلاديمير زيكوف إنّ "تيك توك" شبكة تواصل محددة يمارس فيها الشباب غالباً ما لا يفعلونه في الحياة اليومية، موضحاً أنّ "كلّ هذا من أجل الضجيج. بالطبع، لن يحب الكلّ هذا النهج، ويمكن فهمهم. لكن عموماً، إدانة المستخدمين للتواصل العادي في الشبكات ليس صحيحاً تماماً، على الرغم من أنّه من غير المعروف بالضبط ما سبب السخط".

محاولات عدة للسيطرة على آراء الشباب واهتماماتهم وأسلوب حياتهم في الشيشان

هذه ليست المحاولة الأولى من السلطات الشيشانية للسيطرة على آراء الشباب واهتماماتهم وأسلوب حياتهم. إذ عنفت سلطات الجمهورية بالفعل متابعي المدون المعارض تومسو عبد الرحمنوف. كما أثرت هذه الرقابة على مجالات الحياة غير المرتبطة بالسياسة. عام 2019، اعتُقل المغنيان الشيشانيان أيوب وأسخاب فاخاراغوف، وأُخضعا لجلسات "محادثات تأديبية"، بسبب نشر أغانيهم على الإنترنت التي ــ بحسب السلطات ــ "تنتهك أعراف الثقافة الشيشانية". وقبل ذلك، قال وزير الثقافة الشيشاني خوجة بودي دايف إن الفنانين المعتمدين من قبل لجنة خاصة هم وحدهم الذين يمكنهم تنظيم حفلات موسيقية ونشر مقاطع الفيديو مع الأغاني.

وفي نهاية العام نفسه، طُرد طالبا كلية الثقافة والفنون ماغوميد باسنوكاييف وحليمة تيبسوركايفا، بعد إعادة غنائهما مقطعاً من أغنية لمغني الراب الشهير مياغي "بروباغاندا". وكان السبب الرسمي للطرد هو حظر تصوير مقطع الفيديو في المبنى (وهو بند قانوني لأنّ الكلية مكان عام)، لكن المضايقات التي تعرض لها الطالبان في التعليقات على الأخبار أكدت أن السبب الحقيقي كان أنّ الاغنية غير لائقة حسب التقاليد.

وتقول مديرة "مركز تحليل النزاعات ومنعها" يكاترينا سكيريانسكايا إنّ نظاماً ديكتاتورياً أُسس في الشيشان يسعى إلى السيطرة الكاملة، بما في ذلك على الحياة الخاصة للأطفال والمراهقين، موضحة أنّ "هذا النظام توسعي، ويغزو باستمرار المزيد من المجالات الجديدة. لكن بما أنّ إمكانيات السلطات الشيشانية للتأثير على الشتات محدودة، وداخل الجمهورية يسيطرون على كلّ شيء على أي حال، فإنّهم يثيرون قضايا جديدة من أجل تشديد السيطرة على السكان، وسيحاولون إحكام السيطرة على اتصالات الأشخاص على الإنترنت".

وتشير سكيريانسكايا إلى أنّ محاربة الظواهر السلبية من وجهة نظر السلطات الشيشانية تسير في موجات، في السنوات الأخيرة، أصبح مخالفو التقاليد في الأعراس والسائقون المخالفون لقواعد المرور أهدافاً لها. 

اللافت أن شبكة "تيك توك" تحظى بشعبية ضخمة ومتنامية في روسيا، في حين تراجعت شعبية مواقع التواصل الروسية، مثل "فكونتاكتي" و"أدنوكلاسنيكي"، على خلفية فقدانها مساحات حرية التعبير، بعد تدجينها وإخضاعها بشكل كامل لمتطلبات وقواعد السلطات الرقابية الروسية، التي تحظر نشر أي معلومات أو منشورات تعتبرها السلطات "معارضة أو غير قانونية أو غير أخلاقية".

المساهمون