"حمام سخن"... ثورة 25 يناير خارج الميدان

06 أكتوبر 2022
تدور أحداث العمل في خضم مواجهات ساخنة وعنيفة بين الشرطة والمتظاهرين (فيسبوك)
+ الخط -

في فيلم "حمام سخن"، للمخرجة المصرية منال خالد، تتقاطع ثلاث حكايات لمجموعة من النساء والفتيات، خلال الأيام الأولى للثورة المصرية. تبدو هذه الحكايات في ظاهرها غير مترابطة، فهي تتتبع تجارب مختلفة ومتفرقة لنساء انخرطن في الاحتجاجات التي صاحبت الثورة المصرية في عام 2011. غير أن ما يجمع بين هذه الحكايات، في سياق درامي متجانس، هو رغبة هؤلاء النساء والفتيات في الإفلات من الحصار، وهو ما يفسر عرض الفيلم أخيراً على "نتفليكس" تحت عنوان مختلف؛ Trapped، أي مُحاصر.
الشارع يشتعل بالمواجهات بين رجال الشرطة والمتظاهرين خلال الأيام الثلاثة الأولى للثورة المصرية، أي قبل اندلاع الغضب العارم في اليوم الرابع، أو ما يُطلق عليه جمعة الغضب. تستند الحكايات الثلاث في الفيلم إلى وقائع حقيقية، كما تقول المخرجة منال خالد، وكاتبة السيناريو رشا عزب، وهي صحافية مصرية وناشطة سياسية.
في هذه الحكايات، تُجبر البطلات على الاحتماء بأماكن مختلفة بعيداً عن التظاهرات، وهروباً من ملاحقة الشرطة لهن. في هذه الأماكن التي لجأن إليها، تلتقي هؤلاء النساء والفتيات بآخريات فضلن النأي بأنفسهن بعيداً عما يحدث. هي لقاءات لم يكن مخططاً لها بالطبع، غير أنها تتيح لهؤلاء النساء اكتشاف ما وراء الأحداث التي كن في خضمها قبل لحظات.


حين تلجأ صاحبة الحكاية الأولى التي تؤدي دورها الفنانة ريم حجاب إلى الاحتماء بأحد المحال الصغيرة، يستقبلها صاحب المحل (أسامة أبو العطا) بفتور شديد، لكنه لا يتردد في مساعدتها والتستر عليها. من خلال مخبأها، تدرك بطلة الحكاية حجم الضغوط التي يتعرض لها هذا الرجل، وأسباب رضوخه لرجال الشرطة الفاسدين. لا تفرد المشاهد مساحة كافية للحوار بين الشخصيتين، غير أننا ندرك عبر التفاصيل وتعابير الوجه، مدى التحول الذي طرأ على مشاعر المرأة تجاه الرجل، من الخوف إلى الطمأنينة والتعاطف معه.
في الحكاية الثانية تجد إحدى السيدات (منى مختار) نفسها حبيسة داخل مبنى سكني، لا تقطنه سوى امرأة وحيدة تعيش مع ابنتها الصغيرة. تصل السيدة بعد مغادرة الأم إلى عملها بقليل، ومن خلال الحوار بين السيدة والفتاة، ندرك أن مكروهاً قد حدث للأم حال دون وصولها إلى عملها. تشعر السيدة بأنها مسؤولة عن رعاية الفتاة، الحبيسة بدورها وراء باب مغلق، ولا يمكنهما التواصل معاً إلا عبر فتحة صغيرة.
الحكاية الثالثة تدور حول فتاتين يتم احتجازهما عنوة داخل حمام شعبي، تديره امرأتان، وتنضم لهما فتاة أخرى لاحقاً. يستخدم رجال الشرطة هذا الحمام كمكان احتجاز مؤقت بالتواطؤ مع أصحابه. مع تصاعد الأحداث في الخارج، يصعب على النساء الخمس الخروج من المكان، فيتحولن جميعاً إلى محتجزات. العلاقات الإنسانية التي تتولد عن هذا اللقاء، تكشف لنا عن هذه العلاقة المعقدة بين رجال الشرطة ومالكتي الحمام، وكيف يتم استغلالهما رغماً عنهما. تتكشف هنا رغبة مشتركة بين النساء الخمس في التحرر من هذا البطش، إلى أن تأتي الأخبار المبشرة بانتصار المتظاهرين كطوق نجاة للجميع.
لا تقدم الحكايات الثلاث بنهاياتها المفتوحة إجابات مباشرة، بقدر ما تطرح تساؤلات حول طبيعة الاختلافات بين شرائح المجتمع في ظل لحظة فارقة. في هذا الفيلم، تتشارك النساء نفس الأحلام حول التغيير، كما يتشاركن نفس الغضب تجاه السلطة، غير أن اختلاف وعيهن وأساليبهن في التعبير والتمرد يتسبب في حالة من التباين.
تدور أحداث الفيلم في خضم مواجهات ساخنة وعنيفة بين الشرطة والمتظاهرين، غير أننا لا نتبين من هذه المواجهات سوى أصوات الهتاف التي تتردد بين الحين والآخر. في الفيلم، لا نرى ميدان التحرير، بل نسمع عنه وعن أحداث الثورة من خلال الحوار بين الشخصيات. المشاهد لا تقدم لنا الصورة النمطية نفسها للثورة أو الاحتجاج التي سبق أن عُولجت في أفلام أخرى. اختارت المخرجة هنا اقتحام واقع آخر مواز؛ واقع لم تتطرق إليه العدسات من قبل.

تتسلل المشاهد في هذا الفيلم إلى داخل البيوت والأزقة المتواضعة والفقيرة، لإظهار ما حدث في شوارع القاهرة الضيقة، وهي مقاربة غير مألوفة، فمن كان لينتبه لتلك الأحياء وما جرى فيها أثناء هذه الأحداث؟
الفيلم هو أول روائي طويل لمخرجته منال خالد، وقد مر بعدة مصاعب إنتاجية عند بداية تصويره عام 2011، وتوقف بعد ذلك أكثر من مرة لصعوبة العثور على جهة إنتاج، إلى أن خرج إلى النور في 2021. منال خالد مخرجة مصرية درست الفلسفة في جامعة الإسكندرية. بدأت في تطوير مهارتها كمخرجة في وقت مُبكر. عَمِلت في شركة أفلام مصر العالمية كمساعد مخرج، ثم استكملت مسيرتها مع عدة مخرجين، بارزين مثل سعد هنداوي، كاملة أبو ذكري، هاني خليفة ومحمد علي.

المساهمون