قبل أيام، احتضن شارع مار مخايل في بيروت عرض المونودراما المسرحية "جود"، للمخرج آلان سعادة والممثلة ضنا مخايل. يمثل العرض إعلاناً عن عودة الفن إلى شارع مار مخايل، الذي يعتبر واحداً من أكثر شوارع المدينة تضرراً من انفجار الرابع من أغسطس/ آب الذي أصاب مدينة بيروت.
التقى "العربي الجديد" مع مخرج العرض آلان سعادة، الذي وصف مسرحيته بقوله: "في مدينة يتمسك شعبها بعادات وتقاليد بالية، أكل عليها الزمن وشرب، ويستعين فيها ليقتل كل من هو مختلف، تموت العاهرة سما صديقة جود. جود هي حكاية امرأة مناضلة تعيش في مبنى على وشك الانهيار، حيث كل مقاعد مراحيضها مليئة بالبراز ومسدودة، لا أحد من السكان مكترث لهذه الكارثة، وتحاول جود وحدها أن تفتح مجاريها بلا نفع. أحد الجيران، رجل متزوج، يقترح أن تستعمل المرحاض الخاص به لكنها ترفض، يتحرش بها على درج المبنى. لذا تقرر جود استعمال المرحاض العمومي، حيث ينتظرها كل يوم أحد ليغتصبها مراراً وتكراراً. تخطط جود للانتقام من كل رجولية في هذا العالم، وهي في العرض متمثلة بشخصه".
وعن سبب اختيار شارع مار مخايل المتاخم لمرفأ بيروت كمكان يحتضن العرض، والمراحل التي مرت بها المسرحية في التحضيرات للعرض، يقول سعادة: "كانت الممثلة ضنا مخايل تحمل هذا النص لعدة سنوات، وتحاول إرساله للمؤسسات الثقافية لتلقي الدعم لإنتاجه، لكن دون جدوى، مثل جود. وفي اليوم الذي انتحر فيه رجل في شارع الحمرا، أخبرتني عن هذا النص، وأحسست أنه الوقت المناسب كي أتبناه".
يتابع: "وفي اليوم التالي، بدأت العمل على ترجمته وأنهيته بغضون ثلاثة أيام، وشعرت أن هذا العرض مكانه في الشارع وزمنه الآن. أردنا عرض المسرحية في شارع الحمرا بالبداية، وبعدها في مار مخايل، ومن ثم وسط المدينة. وبدأنا أنا وضنا بالاستعداد، بمساهمة الصديق ومهندس الصوت جورج أبو زيد، الذي تطوع للعمل. هكذا بدأت الرحلة".
يكمل: "وفي مرحلة لاحقة، ولدت فكرة العمل مع الموسيقية يارا نمور، صديقة ضنا مخايل، التي تعيش في مار مخايل، وكنا نتمرن أحياناً في منزلي وأحياناً في منزلها. وفي يوم الانفجار، كنا نتمرن في مار مخايل، انهينا التمارين وتوجهت إلى المنزل وتركتهما هناك".
يضيف سعادة: "قررت نمور لأسباب شخصية أن تتوقف عن العمل، وأنا ازداد إصراري على المتابعة. وبعد يومين من فاجعة بيروت، تعاونت مع الموسيقي مارك إرنست دياب وأكملنا الرحلة. شعرت أنه من الضروري عرض المسرحية في مار مخايل بدايةً".
وعن التعديلات التي تم إجراؤها على النص بعد تفجير بيروت، وبعدما تغير شكل المدينة، يقول سعادة: "لم نجر أي تعديل على النص، بل عُدلت المدينة لتصبح أكثر ملاءمةً للعرض. والرقابة حذفت بعضاً من الجمل التي تمس بالديانات السماوية وكلمات جنسية كنا نستخدمها باللغة العامية".
وعن الانطباعات التي ارتسمت لدى فريق العمل، بعدما قدم المسرحية في حضور الدمار والموت، يقول سعادة: "بعد الانفجار، انعدمت الحياة في شارع مار مخايل؛ الحياة التي كان ينبض بها، إذ كان في النهار شارعاً يعيش حياة يومية صاخبة تضج بالأعمال المهنية الحرفية، وفي الليل كان ملتقى للسهر والتعارف بين جميع الجنسيات. وفي نهار العرض كانت لهذا المكان رهبة الفراغ والموت، والأحاسيس كثيرة ومختلطة لا يمكن تحديدها".
وبالحديث عن الخطط المستقبلية التي حددت للعرض، وعما إذا كانت هناك عروض لاحقة لمسرحية "جود" في شوارع بيروت ما بعد مار مخايل، أو في مسارح أخرى بالمدينة أو خارجها، يقول سعادة: "إنني أمشي الخطوة تلو الأخرى في زمن يصعب التخطيط له، لكنني أسعى لتقديم عروض أخرى، علماً أنني أنتج العمل بالكامل".