"تطهير إلى الأبد": مسائل مُكرّرة في عنفٍ سينمائي عادي

22 يونيو 2022
جوش لوكاس في مواجهة التطهير (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

فيلم رعبٍ، يُحمَّل مسائل، يُفترض بها أنْ تخرج من قواعد هذا النوع السينمائيّ، لمعاينة أحوالٍ بلد واجتماعٍ، يزدادان انهياراً أخلاقياً في عيشٍ وعلاقاتٍ ونفوسٍ، وبعض النفوس يتكبّر على مهاجرين، خاصة إنْ ينجح مهاجرون في مهنٍ، تبقى عصيّة على أصحاب تلك النفوس. المسائل غير جديدة، فالسينما الأميركية زاخرةٌ بها، ونتاجات عدّة تروي حكاياتٍ منبثقة منها، فتنتقد بعد تشريحٍ وتفكيك، أو تكتفي بسردٍ، يُستشفّ منه، أحياناً، تواطوء ضمني مع تلك المسائل. الحياد صعبٌ، وهوليوود تُتقن تماماً "عدم الحياد" إزاء كلّ شيءٍ.

فيلم رعبٍ يقول بضرورة "التطهير إلى الأبد" (أو "التطهير الأبدي"، أو "التطهير الدائم"، The Forever Purge)، والعنوان مُرادفٌ لثقافة أنظمة فاشية وديكتاتورية وقامعةٍ. "الأبد" صفة لأنظمة، تعثر في "أرض الأحلام" على منبتٍ لها، فتنشأ في بيئاتٍ حاضنة، تُغذّيها أهواء أفرادٍ يتقوقعون على أنفسهم، محصّنين بمعرفةٍ متواضعة و"رؤى إلهية" و"ما ورائية"، ويُحوّلون أناساً ـ متروكين لضغائن وجهلٍ وعزلاتٍ وكبتٍ واضطرابات مختلفة ـ إلى قطيع من التابعين والخدم، بعد إيهامهم بخلاصٍ قريب وأكيد.

"التطهير إلى الأبد" (2021)، لإفِراردو غاوْت، غير معنيّ بتفسير كهذا، لشدّة بساطته في إنجاز ليلةٍ عصيبةٍ، يجب أنْ تنتهي مع بزوغ فجر يومٍ جديد. لكنّ ثقل الخراب، الأخلاقي والعقلي والاجتماعي، في ذوات كثيرين، يدفع إلى تمديد الوقت، واستكمال المقتلة بساعاتٍ تبدو كأنْ لا نهاية لها. فالنصّ (الكتابة لجيمس دوموناكو، كاتب الحلقات الـ4 السابقة، المنجزة بدءاً من عام 2013، علماً أنّه مخرج الحلقات الثلاث الأولى) عاديّ، شكلاً ومضموناً؛ والكمّ الهائل من العنف المباشر أقلّ من المعتاد في أفلام رعبٍ كلاسيكية، أو أفلام عنفٍ.

المسائل غير كثيرة، أبرزها متمثّل بتلك النظرة العنصرية لمهاجرين يأتون من المكسيك مثلاً، وبتلك المرويات المحمّلة بعنصرية الأبيض وتفوّقه، وامتلاكه الحقوق الكاملة في العيش في بلدٍ غير مسكون بمهاجرين وغرباء. بالإضافة إلى صراع خفي بين طبقات اجتماعية (أثرياء ـ فقراء، مُلاّك ـ عاملون/عاملات، إلخ)، مع تذكيرٍ بماضٍ أميركي، فالمنظّمة ـ الناشئة عام 2014، بعد أزمة اقتصادية تؤدّي إلى اضطرابات اجتماعية ـ تستلهم اسمها ممن يُعتبرون بناة البلد/الدولة/الأمّة: "الآباء المؤسّسون"، مع إضافة ضرورية: "الجدد"، وتأكيد على اسم هذا البلد: أميركا (New Founding Fathers Of America – NFFA)".

هذه المنظّمة تؤلِّف، بحسب التعريف الرسمي بالسلسلة السينمائية (5 أفلام)، حكومة توتاليتارية ودولة بوليسية (2014)، وتضع، بعد عامين على تأسيسها (2016)، خطّة لجعل المجتمع الأميركي مستقرّاً. عام 2017، يُصدَّق على التعديل الـ 28 في دستور الولايات المتحدّة الأميركية، الذي يُحدِّد ليلةً للتطهير، تمتد لـ 12 ساعة، تبدأ في السابعة مساء 21 مارس/آذار: "بهدف تخفيض نسبة البطالة والإجرام خلال العام، تُتيح الحكومة فرصة "تصفية حسابات" للشعب"، سامحة للمواطنين/المواطنات ارتكاب الجرائم التي يريدون، بما فيها القتل، ففي تلك الليلة، تُصبح الجرائم كلّها شرعية.

 

 

قبل بداية الليلة، تُوجَّه رسائل إنذار مع تحديدات للقواعد، وصلاة تقول "مُباركٌ آباؤنا المؤسّسون الجدد لأميركا، أمّة قائمة من الموت"، قبل أنْ تنتهي بـ"ليكن الله معنا".

الحلقة الخامسة هذه تجري وقائعها في الفترة اللاحقة على أحداث الحلقة الثالثة: "التطهير: عام الانتخاب" (2016)، لدوموناكو، كاتباً ومخرجاً. إنّه عام 2048، أي بعد 8 أعوام على انتخاب شارلين رون رئيساً، هو الذي يُجبَر على مُشاهدة مقتل أفراد عائلته كلهم، في ليلة تطهير تحدث قبل 18 عاماً. عائلة تاكر تمتلك مزرعة كبيرة في تكساس، يعمل فيها أناسٌ عديدون، بينهم المكسيكي خوان (تِنوش هُوِرْتا)، الذي ينال حظوة كبيرة عند كالِب (ويل باتّون)، سيّد المكان، ووالد هاربر (لَفِن رامْبن) وديلان (جوش لوكاس)، الطامح إلى انتزاع هذه المكانة الكبيرة من خوان، مع نزعة عنصرية مبطّنة، تطفو أحياناً بكلامٍ وتصرّف وموقف، خاصة مع رفضه منح أي مكسيكية مسؤولية الاهتمام بالمولود الجديد الذي ينتظره وزوجته كاسي (كاسيدي فريمان).

لخوان امرأة تُدعى أديلا (آنا دي لا ريغيرا)، يفرّ وإياها من عصابات المخدّرات في المكسيك، رفقة صديقهما تي تي (أليخاندرو إيدا). في مزرعة تاكر، يعمل هؤلاء الثلاثة بجهدٍ وصدقٍ، بينما يتحمّل خوان تلك النظرات القاسية من ديلان، ومن آخرين أيضاً، ينتظر بعضهم "ليلة التطهير" لارتكاب ما لن يُحاكم عليه لاحقاً، وهذا يظهر في انقلاب عاملين أميركيين على العائلة، انطلاقاً من حالةٍ يُقيم فيها المنقلبون، تجعلهم يشعرون بمهانةٍ طبقية تحرّض على ارتكاب جُرم القتل بحقّ كالِب، أمام أفراد عائلته، في بداية تلك الليلة. لكنّ خوان وتي تي يقفان إلى جانب العائلة، بينما تتمكّن أديلا من النجاة من قبضة متعصّبين قتلة، وتلتحق بهما، وتُكمل معهما رحلة الخلاص باتجاه المكسيك، البلد الذي يُقرّر، ككندا، فتح الحدود أمام الأميركيين، للهروب من وحشٍ متفلّت يريد إنهاك البلد بالعنف والدم والدمار، رغم انتهاء مدّة تلك الليلة.

هذه إشارة أخرى، تظهر في أكثر من فيلمٍ أميركي، ينتمي إلى نوع سينما الكوارث الطبيعية، مثلاً. فالأميركيون لن يجدوا خلاصاً إلاّ عبر البلد القابع على حدودهم الجنوبية، الذي يجهد كثيرون بينهم إلى تشييد جدار فصل عنصري مع أبنائه وبناته.

رغم هذا، يبقى "التطهير إلى الأبد" ـ الذي له إيرادات دولية تبلغ 76 مليوناً و994 ألفاً و245 دولارا أميركيا (موجو بوكس أوفيس)، منذ بدء عروضه التجارية في 2 يوليو/تموز 2021، مقابل 18 مليون دولار أميركي ميزانية إنتاج (ويكيبيديا) ـ فيلماً عنيفاً، بالمفاهيم البسيطة والتقليدية للعنف الدموي، مع كلامٍ في السياسة والأخلاق والاجتماع، يبقى مجرّد كلامٍ لا أكثر.

المساهمون