"تراب للبيع"... الكوميديا لم تُنقذ الموقف

04 ابريل 2022
عائلة يعمل أفرادها متعهدي جنازات (نتفليكس)
+ الخط -

ضمن دراما اجتماعية كوميدية، يسلط المسلسل المغربي "تراب للبيع" (Soil)باللغة الفلمنكية (تعرضه شبكة نتفليكس)، الضوء على حياة عائلة عمر بولسموم وعملِ أفرادها متعهدي جنازات في حي مولونبيك، غرب بروكسل.
بطل القصة إسماعيل بولسموم (ياسين عويش). شاب طموح ومغامر، يبحث عن مجده الخاص في تأسيس عمل خارج كنف والده وشركته، رغم أنّ الأب قد قدم نصف ملكية الشركة له، قبل أن يغادر إلى مكة للحج.

تفرض الأحداث على إسماعيل القبول بالعمل في شركة العائلة، ليس نزولاً عند رغبة أبيه، إنّما طمع بفكرة جديدة يقدمها للشركة. فميزة الشخصية التي أمامنا، معبأة بمجدها الخاص وسلوكها المتمايز عن باقي أفراد أسرته ومجتمعه. بذل صانعو العمل جهوداً كبيرة لتخصيص شخصية مغايرة ومتفردة، من خلال الملابس المختلفة عن أبناء حيه التي يرتديها عمر، ومن خلال طموحاته ومحاولاته في بناء شركته الخاصة، وعدم رضوخه للأمر الواقع إزاء أي صعوبات يواجهها.
تعتمد فكرة إسماعيل على جلب تراب من المغرب، ودفن الموتى المغاربة في بلجيكا، بدلًا من عودة الجثث إلى وطنها الأم، وتحميل أفراد أسرة الميت أعباء تكاليف السفر ومراسم الجنازة. بعدما كان التقليد العربي المغربي يحث على دفن الموتى في بلادهم الإسلامية. 
خيوط الحكاية ستنطلق من هنا، ثم ما تلبث أن تغرق في نفسها. ثماني حلقات صيغت بجمود من ناحية الإخراج والسيناريو، من دون تقديم حلول منطقية لأحداث الحكاية وأزماتها وبعض شخصياتها؛ فوقع العمل في فخ التكرار بين حلقاته، رغم مروره ببعض التفاصيل الجيدة لناحية الحبكة والسرد والصراع. لن تشتبك أحداث خارجية مع القصة. السيناريو معد لشخص عمر وشريكه (دي جي). عملية امتصاص للفراغ البنائي في عقدة الأحداث تحاول الكوميديا ملأه. هذه كوميديا متواضعة، ليست طبيعية، تتماهى معها الشخصيات ذات الأوصال المتقطعة. بيئة الأحداث كذلك لها ثقل وجمود. لا محاكاة مناسبة مع جو الصراعات المطروحة التي يقع فيها البطل. واللغة الفلمنكية، مضافة إليها المغربية، أثرتا في كيمياء التواصل مع الشخصيات. إنّها لغة معدة لجمهور خاص؛ للناطقين بها. 


وتيرة الأحداث ثابتة، لكنّها معززة بتقنية "الريفيو"، فمع بداية كل حلقة سنشهد وفاة أحد الأشخاص، ونتعرف إلى الطريقة التي مات فيها (كما في مسلسل Six Feet Under). وهذا يشكل أزمة جديدة للبطل عليه تولي أمرها، لكنّها أزمات مكررة في ثماني حلقات، فلم تقدم تطورًا لافتًا. المرور ببعض القضايا الاجتماعية والمدنية في بلجيكا، وعلى رأسها اكتظاظ المقابر بعدد الموتى المسلمين، بعد نجاح فكرة عمر، خطف مؤشر الصراع من ثباته وأحدث فرقاً في الحلقتين الأخيرتين، لا سيما بعد تدخل الأختين، روزان وماريلو، المنافستين لشركة "عمر للجنازات"، في محاولة لوقف نجاح الشركة، وتخفيف عدد الموتى المسلمين الذين يتوافدون إلى المقابر البلجيكية، وذلك من خلال تهديد عمدة المدينة التونسي، بعدم فضح علاقته السرية مع إحدى النساء، مقابل وقف مشروع جلب التراب المغربي إلى بلجيكا، ودفن الموتى. لكنّ محرّكاً كهذا الحدث، لم يكتب له الاستمرار بشكله الطبيعي، لأنّ معالجته طرحت شيئاً من الاستخفاف بعقل المشاهد، ليُجَرّ هذا الأخير إلى قضايا سياسية مباشرة، تحرض بين المسلمين عموماً من جهة، وبين علاقة تونس والمغرب من جهة أخرى.
الدافع النفسي للعلاقة الركيكة بين الأب وابنه يسهل تصديقها. الأب دفن زوجته في المغرب، نزولاً عند رغبة العائلة والتقاليد. وهذا نقيض وصية الأم التي أرادت أن تدفن بجوار أولادها، فكان هذا سبب كره البطل لأبيه. لكن الدافع الموضوعي الذي يأتي على لسان الأب، هو أنّ دفن الزوجة في بلجيكا ما كان ليسمح بعمل الشركة في استمرار.
وهنا لا نجد أي حوارات مكملة تشرح الخلفية القانونية أو المدنية على الأقل لتسويغ هذا المبرر. هذا ينقلنا إلى قضية جلب الأتربة من المغرب إلى بلجيكا. فهذه هوة أخرى يقع فيها العمل. فكيف لعملية استيراد وتصدير أن تبلغ مآلها إلى عملية سرقة من بلدٍ إلى آخر، من دون تصوير أو توضيح لبروتوكولات عملية النقل؟

المساهمون