"بي بي سي" وسط جدل الأمراء والصحافة

24 نوفمبر 2021
تحدث الوثائقي عن خلاف بين وليام وهاري استغلا فيه الإعلام (دومينيك ليمبنسكي/فرانس برس)
+ الخط -

انتقد قصر باكنغهام هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" لإعطائها مصداقية "للادعاءات المبالغ فيها والتي لا أساس لها من الصحة" من مصادر مجهولة نقلتها الصحافة. وتم الكشف عن هذه الانتقادات في الفيلم الوثائقي "الأميران والصحافة" الذي يتكوّن من جزئين بثت قناة "بي بي سي 2" الجزء الأوّل منه، وهو يتحدّث عن علاقة الأمير وليام والأمير هاري بوسائل الإعلام. جاء بث الحلقة الأولى من الفيلم الوثائقي مساء الإثنين 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد أشهر من تصاعد التوترات بين العائلة الملكية و"بي بي سي" في أعقاب فضيحة الصحافي مارتن بشير، وبعد أن كشف تحقيق مستقل أنّه استخدم أساليب ملتوية ومخادعة للحصول على مقابلته مع ديانا، أميرة ويلز، بينما عمل رؤساء من "بي بي سي" على تغطية هذه الإخفاقات. وكان الأمير وليام قد شنّ هجوماً لاذعاً على المذيع بسبب إخفاقاته في مقابلة بانوراما مع والدته في عام 1995.

وبحسب ما أوردت "ديلي تلغراف"، فإن الملكة إليزابيث "انزعجت" من نبأ بث الفيلم الوثائقي من دون السماح لأفراد العائلة الملكية بمشاهدته قبل عرضه الأول. وقد ورد أنّ الملكة وولي العهد الأمير تشارلز والأمير وليام، هدّدوا بمقاطعة "بي بي سي"، بسبب رفضها السماح لهم بمشاهدة الفيلم الوثائقي الذي يروي تفاصيل علاقة العائلة الملكية بوسائل الإعلام. وفي خطوة نادرة، اتّحدت الأسر المالكة الثلاث، لتقديم شكوى إلى الشركة وسط مخاوف من أن برنامج ليلة الإثنين، "الأميران والصحافة" يكرّر الادّعاءات التي تقول إنّ هاري ووليام استخدما وسائل الإعلام ضد بعضهما البعض خلال ذروة نزاعهما.  وقد أجرى فريق "الأميران والصحافة"، 80 ساعة من المقابلات لفحص نهج الأميرين تجاه وسائل الإعلام في العقود الثلاثة الماضية.

ومن غير الواضح بعد ما إذا كان دوق ودوقة ساسكس، قد أثارا أي مخاوف بشأن هذا العرض أو تم الاتصال بهما قبل أن يتقدّم بقية أفراد العائلة الملكية بشكواهم. وبحسب مصدر ملكي رفيع كتبت صحيفة "ميل أون صنداي"، فإنّ الملكة "مستاءة" من بث الفيلم الوثائقي الذي وصفته بالـ "الثرثرة"، ولم تتح الفرصة لأي شخص في القصر مشاهدته.

وعلى الرغم من انتشار أقاويل إنّ القصر هدّد برفض التعاون مع "بي بي سي" في مشاريع مستقبلية إذا لم يتم منح أفراد العائلة الملكية الحق في الرد على الفيلم الوثائقي قبل بثّه، لم تتراجع "بي بي سي" عن قرارها ورفضت مشاركة محتويات الوثائقي التي قدّمها أمول راجان، محرر الإعلام في "بي بي سي". واللافت أن مقدّم الوثائقي راجان هو أحد أشد المنتقدين للنظام الملكي، حيث انتقد في عمود عام 2012 في صحيفة "ذا إندبندنت" علاقة وسائل الإعلام بأفراد العائلة الملكية، ووصف فكرة الملكية الوراثية بالـ"عبثية".

 

وتعدّ هذه المرة الثانية التي يتدخل فيها أفراد العائلة الملكية بشأن التغطية حول الخلاف بين دوق كامبريدج وشقيقه دوق ساسكس. ففي وقت سابق من هذا العام وقبل ساعات من عرض الفيلم الوثائقي "هاري ووليام: ما الخطأ الذي حدث؟"، ألغت قناة "آي تي في" مزاعم أوميد سكوبي، (صحافي بريطاني وكاتب سيرة دوق ودوقة ساسكس) التي تقول إنّ الأمير وليام وموظفيه زرعوا قصة حول الصحة العقلية للأمير هاري. لذلك هناك قلق من أن يكرّر الفيلم الوثائقي لـ"بي بي سي"، مزاعم مماثلة، نفاها الأميران باستمرار. وكتبت العائلة الملكية في بيان تم تقديمه لـ"بي بي سي"، وتم عرضه في نهاية البرنامج، نيابةً عن قصر باكنغهام وكلارنس هاوس وقصر كينسينغتون: إن "الصحافة الحرة والمسؤولة والمفتوحة ذات أهمية حيوية لديمقراطية صحية... ومع ذلك، غالبًا ما يتم تضخيم الادعاءات التي لا أساس لها ومن مصادر لم تسمها والتي يتم تقديمها كحقائق لذلك من المخيب للآمال أن يمنحها أي شخص المصداقية، بما في ذلك بي بي سي".

وكان هناك اتصال متبادل بين "بي بي سي" ومحامي القصر حول الفيلم الوثائقي، الذي سيعرض الجزء الثاني منه يوم الاثنين المقبل. ورفضت "بي بي سي" إتاحة المعاينات للصحافة ورفضت طلبات مقابلة راجان. وفي حال مقاطعة العائلة الملكية لـ "بي بي سي"، ستتهّدد المشاريع المشتركة بين الطرفين، بما في ذلك تكريم للأمير فيليب والمسلسل الوثائقي "إيرث شوت" الذي قدمه دوق كامبريدج، كذلك تصوير "بي بي سي" لخطاب الملكة بمناسبة عيد الميلاد كجزء من نظام مداورة مع "آي تي في" و"شبكة سكاي نيوز".

وأثار عرض الجزء الأوّل من الوثائقي، ردود فعل متشابهة في بعض النقاط ومتفاوتة في أخرى. وقالت صحيفة "ذا تلغراف"  أنّ المقدم أمول راجان ذكي للغاية، لكن هذا البرنامج حول علاقات العائلة الملكية مع وسائل الإعلام لم يكن أفضل أعماله. ولفتت إلى أنّ الجزء الأوّل من "الأميران والصحافة"، لم يتضمّن مفاجآت صادمة. بدلاً من ذلك، قدّم لنا المقدم راجان ما كنا نعرفه بالفعل مع بعض المعلومات الداخلية الحذرة من مجموعة من الصحافة الملكية. وتحدّثت الصحيفة أيضاً عن كراهية الأميرين وليام وهاري للصحافة بعد أن شاهدا ما حدث لوالدتهما ديانا، ليصبحا في ما بعد ضحيتين لاختراق الهواتف. ولفتت إلى أنّه بينما رفض هاري أن يتماشى مع الصفقة المزعومة مع الصحافة تمكّن وليام أن يلعب اللعبة.

وكتبت "ذا غارديان" أنّه من المعلوم أنّ راجان، الذي قدم "الأميران والصحافة"، جمهوري، وصف العائلة الملكية في الماضي بالـ "سخيفة". لذلك يمكننا أن نستنتج من خلال برنامجه أنّ وسائل الإعلام قد تقود النظام الملكي إلى تدمير الذات، وهوالأمر الذي يتناسب مع آرائه الجمهورية السابقة. وتحدّثت الصحيفة عن قول راجان، بوجود صفقة تنطوي على الوصول الحميم للعائلة المالكة مقابل تأمين تغطية إيجابية من قبل وسائل الإعلام. وبهذه الطريقة يمكن للصحافة بيع الصحف ويمكن للعائلة الملكية أن تؤدي دورها الدستوري الذي حدده الكاتب الدستوري الفيكتوري والتر باجهوت، أي "إثارة الناس والحفاظ على احترامهم". لكنّها أشارت إلى أنّ الماضي المؤلم الذي اختبره هاري مع الصحافة بالتأكيد منعه من تصديق هذه الصفقة، خاصة معاملة وسائل الإعلام لوالدته، من مقابلة مارتن بشير الملحة إلى المصورين الذين ظلوا يلاحقونها حتى وفاتها في حادث سيارتها، ليأتي بعدها فعل اختراق هواتف صديقاته السابقات، وصولاً إلى تعاملها مع زوجته الأميركية ميغان ماركل، وقالت إنّ كل هذه الأمور دفعته وبشكل مفهوم إلى بغض الصحافة. 

ولم تتجاهل "ذا تايمز" أيضاً ادعاء البرنامج وجود "صفقة غير معلن عنها" بين أفراد العائلة الملكية والصحافة تسمح للمراسلين بالوصول إليها مقابل تغطية إيجابية. وأشارت إلى أنّه مع ذلك، أثبت كره هاري لوسائل الإعلام أنه لا يريد المشاركة في هذه الصفقة. وقالت إنّ بث الليلة الماضية تسبّب في توترات بين العائلة الملكية و"بي بي سي". وكان مسؤولو القصر قلقين من أنه على الرغم من إعطائهم حق الرد على الادعاءات الواردة في البرنامج، إلا أنه لم يُعرض عليهم بالكامل قبل البث. وتحدّثت الصحيفة أيضاً عن جافين بوروز، المصوّر الذي يظهر في البرنامج ليعترف بأنه والصحافة كانا "قاسيين"، وليعتذر ويقول إنّه كان هناك ثقافة "قاسية" في أجزاء من وسائل الإعلام في ذلك الوقت: "ليس لديهم أخلاق على الإطلاق". كما أسفه لطريقة معاملة الأمير هاري، قائلاً: "كنت في الأساس جزءًا من مجموعة من الأشخاص الذين سلبوه سنوات مراهقته العادية".

في المقابل، كتبت "ديلي إكسبرس"، أنّ "الأميران والصحافة" أثار انتقادات متجددة من أنصار العائلة المالكة الذين يجادلون بأن بي بي سي "ليس لديها أخلاق". كما واجهت الشركة أيضًا انتقادات بسبب قرارها السماح لمحرر "بي بي سي" ميديا أمول راجان، الجمهوري بتقديم الفيلم الوثائقي.

المساهمون