"بلاكبيري" إلى متحف الهواتف النقالة الافتراضي

26 يناير 2022
تربع "بلاكبيري" على عرش الهواتف في نهاية التسعينيات (دو ريدل/Getty)
+ الخط -

في الرابع من الشهر الماضي، توقف كل خدمات جهاز "بلاكبيري"؛ الهاتف النقال الذي ينتمي إلى حقبة سابقة، لم تعرف واتساب، والـ 4G، ووسائل التواصل الاجتماعي. هذا التوقف، أعلنته أغلب الصحف العالمية، التي عنونت مقالاتها بـ"موت بلاكبيري"، السبب هو تصريح الشركة مؤخراً أن ما يقدّمه الجهاز، من مكالمات، واتصال بالإنترنت، والرسائل النصية... إلخ، توقفت عن الخدمة.
تربع "بلاكبيري" على عرش الهواتف في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثانية، ليس بسبب لوحة المفاتيح التي يحويها فحسب، بل ميزة الرسائل المشفرة التي يمكن تبادلها بين مستخدميه، ما جعله لعبة الأغنياء المفضلة والأطفال المدللين، ناهيك عن سياسات الخصوصية التي يحويها، ما جعله ملجأ للعديد من الشركات التي أرادت خلق نظام تواصل داخلي بين موظفيها.
الصفعة التي تلقتها شركة "بلاكبيري" الكنديّة كانت عام 2007، عنما ظهر "آيفون". منذ تلك اللحظة، بدأت حصة الشركة في السوق تتراجع، بالرغم من اعتماد بعض نسخه على نظام تشغيل آندرويد، لكن الأوان قد فات؛ فالشركة التي كان سعر سهمها 147 دولاراً، الآن يبلغ سعر السهم نحو ثمانية دولارات، ما يذكرنا بما واجهته شركة "نوكيا"؛ عملاق الهواتف النقالة، التي يمكن القول إنها تلاشت بعد طرح "آيفون".

الصفعة التي تلقتها شركة "بلاكبيري" كانت عام 2007، عنما ظهر "آيفون"

هذا الموت ليس مفاجئاً؛ إذ أعلن المدير التنفيذي للشركة عام 2016 تحولها إلى البرمجيات، خصوصاً تلك الخاصة بالأمن الرقمي. وأشارت الشركة، في إعلانها عن النهاية، إلى أنه على المستخدمين الآن الاعتماد على أجهزة جديدة، وكأن "بلاكبيري"، حسب بعض المقالات، ليس إلا خردة أو ثقالة للورق، خصوصاً بعد فشل الشركة بتقديم هواتف تدعم الجيل الخامس الذي أعلنت عنه عام 2020، ولكن حتى الآن، لا جديد.
يذكر مراقبو التكنولوجيا العديد من الأسباب التي أدت إلى انهيار الشركة، كحيرتها بين تقديم جهاز محمول لرجال الأعمال، أو جهاز يمكن للجميع استخدامه. هذه الأزمة تتجلى في BBM music، الذي لم يسمع به أحد، ترافق ذلك مع رفض الشركة التعاون مع الشركات الأميركية حين انتقلت إلى الولايات المتحدة.
الملفت أيضاً هو تعطل خدمة الطوارئ في هواتف "بلاكبيري"، أي حتى إمكانية الاتصال بالشرطة أو الإسعاف لم تعد قائمة، ما يعني أن من يمتلك هذا الهاتف، ووجد نفسه في موقف خطر مُهدّداً حياته، سيموت هو وهاتفه، وكأن الشركة تقول إنه لا يمكن الاعتماد على "بلاكبيري" حتى لإنقاذ حياة أحدهم، وكأنه مات مع مستخدميه إن لم يسارعوا لشراء غيره.

ما يمكننا فعله الآن، بعد تلاشي "بلاكبيري"، هو زيارة متحف الهواتف النقالة الافتراضي، وتأمل صور الموديلات السابقة، تلك التي تعود إلى عام 2002 مثلاً، حيث الشاشة بدائيّة، تشبه تلك الخاصة بالآلة الحاسبة، مروراً بالتصميمات الأشد عصرية، وتنويعات لوحة المفاتيح، التي كانت وما زالت تمتلك سحراً خاصاً؛ فضغط الأحرف والأرقام مختلف في قيمته وحساسيته عن "لمس" الشاشة، التي لم تعد مستقلة، بل أمست جزءاً من عملية استخدام الهاتف النقال، في ما يشبه أفلام الخيال العلمي الكلاسيكيّة.
انفصال لوحة المفاتيح عن الشاشة كان يُكسب "الكتابة" قيمة مختلفة عما هي الآن، فهناك مسافة ما بين عملية إنتاج النص (لوحة المفاتيح) ومساحة تلقيه (الشاشة).. هذه المسافة نحافظ فيها على نوع من الانفصال بيننا وبين الشاشة، التي لا تبتلع كل شيء، فلوحة المفاتيح وسيط فيزيائي بيننا وبينها، نحافظ فيه على "أصواتنا" الداخلية، ولا نصبها مباشرة على الشاشة.

لم يمر حدث "موت" جهاز "بلاكبيري" من دون دغدغة للذاكرة، وبعض النفحات النوستالجيّة؛ إذ نقرأ في مجلة Elle، تحية إلى هواتف "بلاكبيري" من قبل مانسي شاه، التي تستعيد ذكرياتها في التسعينيات مع الهاتف الذي كبرت معه، لتحدثنا عن "زمن" لم تكن المحادثات فيه آنيّة، وكان مصطلح BB pins متداولاً، الميزة التي تتيح لمستخدمي ذات الهاتف الدردشة مع بعضهم بعضاً، من دون الاضطرار إلى الكشف عن هويتهم، ناهيك عن أن هذه الخدمة مجانيّة، وغير محدودة، بعكس الرسائل القصيرة في تلك الفترة.

المساهمون