بثت شبكة نتفليكس، أخيراً، فيلم Attack of the Hollywood Cliches!، الذي يمكن ترجمته بـ"الهجوم على كليشيهات هوليوود"، ويقدمه الممثل الكوميدي روب لو. الفيلم يتحرك بين النقدي والوثائقي والكوميدي، في محاولة لفهم سبب "التكرار" و"التشابه" بين أفلام هوليوود، الأمر الذي لاحظه المشاهدون بصورة أكبر أثناء فترة الحجر الصحي، إذ استهلك "الجميع" كميات كبيرة من الأفلام والمسلسلات.
هذا التشابه سببه الـ "كليشيه"؛ الكلمة الفرنسية الأصل Cliché، التي لن نخوض في معانيها ودلالاتها الواسعة، لكنها عادة ما تشير إلى مجموعة من العناصر أو المكونات التي تتكرر حد فقدان معناها الأصلي. بصورة أدق، تتحول إلى بديهية أو أمر لا حاجة للتفكير فيه؛ لأن أثره معروف ومحفور في ذاكرتنا البشريّة.
هذه الكليشيهات التي يستعرضها الفيلم، تشكل اللغة السينمائيّة والشخصيات النمطية؛ إذ نشاهد كليشيه لحظة الوقوع في الحب ومكوناتها البصريّة، لتشكيل فانتازم الحب من أول نظرة. كذلك نشاهد كليشيه الشرطي الغاضب الخارج عن القانون، والمنقذ الأبيض... كلها مكونات أصبحت "بديهية" بالنسبة لنا، ومعانيها واضحة ولا حاجة للتفكير فيها.
يسخر الفيلم من الكثير من الصور النمطية، ويربطها بتاريخ السينما وتطورها
يسخر الفيلم من الكثير من هذه الصور النمطية، ويربطها بتاريخ السينما وتطورها، لكنه لا يبلغ في عمق التحليل ما يمكن أن نشاهده في فيلم سلافوي جيجيك، "الدليل المنحرف للسينما"؛ إذ لا يغوص بمعاني الصور والشروط التاريخيّة لظهورها، وينحصر فقط في هوليوود والقوى الداخلية التي تتحكم بها من صناع الأفلام والمنتجين والقوانين أحياناً، التي تحد من قدرة السينما على التعبير، كقوانين هايز الشهيرة التي كانت تقف بوجه العري.
لا يشير الوثائقي إلى الأفلام التي كسرت الصور النمطيّة أو الكليشيه. ناهيك بأن الكليشيه نفسها ليست مجرد أداة جمالية، بل تقنية معرفيّة، هي الأسلوب الذي نتمكن عبره من "الفهم"، وفك تشفير ما نشاهده في السينما؛ فاللغة السينمائية ما زالت "جديدة" نوعا ماً، وعلاقتنا مع الصورة تراكميّة، وتكرار الكليشيهات لا يعني سوء صنعة أو سوء إنتاج، بل محاولة لـ"مخاطبة" الجمهور، خصوصاً أن رد الفعل على الكليشيه متوقع، بل ويمكن قياسه في بعض الأحيان.
غياب العمق في التحليل أو السخرية الجديّة، تلك التي تشرح وتحلل ولا تكتفي بالإشارة، جعل الفيلم نفسه أقرب إلى كليشيه.. جهد قليل يكتفي بالترتيب، من دون أي رؤية نقدية تفسر لنا لم يتم استخدام هذه الأنماط، والأهم، كيف انتقلت من "الواقع" إلى "الشاشة"، ناهيك بأن نتفليكس نفسها، الشبكة التي تبث الفيلم، كسرت الكثير من الأنماط والكليشيهات، تلك التي ندركها، بل ونسخر منها؛ نحن المشاهدين في عام 2021، مدمني الشاشات ومتصفحي مواقع التواصل الاجتماعي. وكأن الفيلم نفسه يراهن على البديهي والمُلاحظ، من دون تحليله أو تفسيره.
يستضيف الفيلم الكثير من الشخصيات الشهيرة في هوليوود؛ نقاداً وممثلين ومنتجين ومؤلفين، لكن يظهر كلامهم بشكل سطحي، ومجرد دردشة خالية من الرؤية النقديّة.
وهنا نقرأ في مقال لجويل غولبي في "ذا غارديان"، تعليقاً مثيراً للاهتمام، مفاده أن هناك ساعات من المقابلات المسجلة التي تحوي ما هو أكثر نقدية وجدية مما شاهدناه على الشاشة، كالعلاقة مع الطعام ومفهوم بطولة الرجل الواحد، بل حتى جيمس بوند نفسه؛ فالكليشيه هنا ليست مجرد وسيلة للتخاطب، بل تتجاوز ذلك لتختزل ظروفاً اجتماعية وسياسيّة، بل ويمكن القول إنها أداة أيديولوجية، توظفها هوليوود/الرأسماليّة لتمرير رسائلها، أو رسم صورتها الخاصة عن المجتمع الأميركي والفردانيّة الرأسماليّة. كل هذا يتفاداه الفيلم، لنرى أنفسنا أمام محتوى هش وهزيل، يمكن لأي شخص أن يتعرف عليه، وما هو أكثر منه، بمجرد مشاهدة بضعة فيديوهات على يوتيوب لا تتجاوز مدة الواحد منها الخمس دقائق.