"الموت لـ2021"... في استقبال الجحيم مرة أخرى

11 يناير 2022
يتناول الفيلم الجمهور الأميركي فقط (نتفليكس)
+ الخط -

بثت شبكة "نتفليكس" العام الماضي، الفيلم الساخر "الموت لـ 2020"، وكان أقرب إلى تعليق ساتيري على عام حلّ فيه وباء أيقظ فينا الشعور باللاجدوى حد العدميّة. عامٌ، ظننا أنّه انتهى بما فيه، ولن يتكرر. لكن الواضح، أننا ما زلنا أمام العتبات الأولى من النهاية؛ فالعام الماضي، 2021، أثبت بجدارة أنّه نسخة أسوأ من العام الذي سبقه. والأهم، لم نتعلم شيئاً واحداً من 2020. بهذه الروح، نشاهد فيلم "الموت لـ2021"، العام الذي تعرفنا فيه على أسرّة مرض كوفيد ــ 19، واشتدت فيه عزيمة نظريات المؤامرة، إلى حد اقتحام الكونغرس بالسلاح.

أول ما يثير الصدمة، هو كمّ الأحداث الهائل الذي حدث العام الماضي، تلك التي تبدو وكأنّها حصلت منذ زمن بعيد... عودة كوفيد-19، واللقاحات، وخروج أميركا من أفغانستان، وقوانين الإجهاض في تكساس، وغيرها مما مضى أمام أعيننا على الشاشات. هذا بالضبط ما يحاول الفيلم أن يلتقطه. الزمن لم يعد يتدفق بكثافته المعتادة بسبب الوباء، وكأنه أصبح أبطأ وأثقل، والمسافة لم تعد تُقاس بالدقائق، بل بالأشهر، ليبدو الفرق بين ما حدث اليوم بالمقارنة مع ما حدث البارحة وكأنّه شهر، ما يجعل فيلم "الموت لـ2021" أشبه بصفعة لإبقائنا في الحاضر؛ فالعالم ينهار بسرعة، لكنّنا أسرى البطء الذي يخلقه زمن الكوفيد الاصطناعي.

يسخر الفيلم من الولايات المتحدة بشدة، ومن الرجل الأبيض الذي يلعب دوره الممثل البريطاني هيو غرانت، الذي يرى "أنّهم" صادروا من الرجل الأبيض تاريخه وحقوقه... ضمير الغائب هنا يعود بالطبع إلى موجات الطيف الجندري والصوابية السياسية التي "تعيد كتابة التاريخ" حسب الرجل الأبيض. لكنّها، بصورة أدق، تضبط أشكال "التمثيل" ضمنه، في مراعاة للأقليات والملونين، وهذا ما نراه لاحقاً في السخرية من "نتفليكس" نفسها، وإدماننا على برامجها، والصيحات التي انطلقت منها، كمسلسل "لعبة الحبار"، بوصفه حدثاً عالمياً يضاهي عرض الجزء الأخير من فيلم "جيمس بوند" الذي أُجِّلَ مراراً، وكأن حيواتنا مضبوطة بمواعيد البث والعرض، ما من شيء ذي قيمة فيها، لأن "كل" ما نعرفه يتداعى ويتلاشى.


السخرية الأشد كانت في وجه المؤثرين، ونجم السوشيال ميديا الوهمي، دوكي غوليز، الذي يؤدي دوره الممثل الشاب جو كيري، بوصفهم شكلاً جديداً من المشاهير و"أصحاب الرأي". وهنا تبرز النكتة الأشد قسوة، حين يشاهد دوكي فيديوهات السوشيال ميديا التي بثتها "طالبان" أثناء "تسلمها" كابول، ويعلق بأنّهم مجرد رجال يحبون اللعب والأسلحة ويكرهون النساء، وما من شيء جديد في ما يقومون به. المرعب هنا أنّ كثيرين منا شاهدوا الأمر، كـ دوكي، من وراء شاشاتهم، يتعاطفون مع من سقطوا من الطائرات، ويغضبون لمشاهد العنف، ثم يتابعون تصفح ما تبثه شاشاتهم. هذا الشكل من التلقي، يعكس بدقة إيقاع تلقينا للعالم، تصفح سريع، تعاطف أسرع، ثم فيديو لقطّة تصفع قرداً.

سينما ودراما
التحديثات الحية

ما يلفت الاهتمام أيضاً هو كمية الأدرينالين التي تدفقت في أجسادنا العام الماضي، كلّ واحد من الأحداث التي نراها حفزت وجهزت أجسادنا للخطر وللهرب، لكنّنا نجد أنفسنا نهاية في منازلنا، ما يهدد شعورنا بالاستقرار؛ فكلّ أمل للخلاص، أو وعد بالنهاية، ينتهيان بخيبة، وهذا بالضبط ما لا يشير إليه الفيلم، أو نراه بشكل طفيف ضمن خيبة أمل الصحافية، أو عصبية أخرى وسخريتها. هذا الكم الهائل من "الصدمات"، حوّل أجسادنا إلى ما يشبه الآلات الصدئة، تستعد للهرب من دون أن تركض.
واجه الفيلم عدداً من الانتقادات، كمن قال إنّه يتناول فقط الأفلام والمسلسلات التي تبثها "نتفليكس" كـ "لعبة الحبار" و"بريدجرتون"، أو يتناول فقط الجمهور الأميركي.

وهذا فعلاً ما لا يمكن إنكاره. في ذات الوقت، هناك الكثير من الأحداث فيه مسّتنا جميعاً. لكن، ربما تعي "نتفليكس" التي تتبنى سياسات التمثيل الأشد صوابية، هذه الملاحظة، وتقدم لنا في العام القادم عملاً يحمل عنوان "الموت لـ2022"، لا يظهر فيه أحد، كوننا متنا جميعاً حينها.

المساهمون