"المامونية"... فندق أسطوري يجمع أثرياء العالم في مراكش

19 يناير 2022
صُنف "المامونية" ضمن أفضل 30 فندقاً في العالم (Getty)
+ الخط -

يُصنّف فندق "المامونية" في مدينة مراكش ضمن أغلى الفنادق في المغرب، إذ إنّ كلفة قضاء ليلةٍ واحدةٍ بمثابة راتبين لمُوظّفين حكوميين مغربيين في الشهر. وقد يصل الأمر إلى أكثر من ذلك، إذا احتاج الضيف إلى خدمات ترفيهية أخرى خلال مدّة إقامته.

هذا ليس جديداً على مدينة سياحية مثل مراكش، حيث رؤوس أموال العالم تصرف، إمّا عن طريق الاستثمار كالنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي يمتلك فندقاً ضخماً فيها، أو عن طريق تبييض بعض الأموال المُهرّبة من مُدنٍ عالمية عن طريق شراء بعض التحف الأثريّة القديمة النادرة أو الأعمال الفنّية المُتفرّدة لكبار الفنّانين الذين عاشوا في المدينة إبان الحقبة الكولونياليّة وبعدها بقليلٍ.

لذلك، لم يكُن غريباً أنْ تختار مجلّة "كوندي ناست ترافيلر" الأميركيّة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فندق "المامونية" ضمن أفضل 30 فندقاً في العالم، إلى جانب فنادق أخرى من مالقا ودبي وجنوب أفريقيا وأبوظبي.

وعلى الرغم من التتويج الذي حظي به الفندق، إلا أن اختيار المجلّة يبقى ليس دقيقاً وغير مُبرّر من الناحية الجماليّة، لأنّ أسباب اختياره لم تكُن ذات علاقة بمعماره الأندلسي البارز ولا حدائقه الداخلية التراثية، بل بسبب خدماته ورحابة مساحته، باعتباره أضحى اليوم ملاذاً لكبار السياسيين والبورجوازيين والنجوم والرؤساء من مختلف دول العالم. أمّا المغاربة فلا علاقة لهم به فعلاً، لأنّه فندق باهظ الثمن، والأشخاص الذي يقيمون فيه يُعتبرون أكثر الناس ترفاً في العالم، باستثناء بعض الأفراد الذين يتردّدون عليه سريعاً في إطار مُهمّات رسميّة كوزراء وديبلوماسيين.

فندق "المامونية" الذي وصفه رئيس الوزراء البريطاني الراحل وينستون تشرشل بأنّه "أجمل الأماكن في العالم" حرص على مدار تأسيسه على استقبال عشرات الشخصيات الشهيرة مثل الملكة إليزابيث وشارلي شابلن وشارون ستون وتوم كروز وتشرشل وغيرهم من شخصيات القرن العشرين الذين تجوّلوا بين ردهاته وصالاته وحاناته وغرفه وحدائقه ومَسابحه. كلّ هذا في وقتٍ شهد فيه الفندق أكثر من تغيير وترميم من طرف جهاتٍ رسميّة وتقلّب ملكيته وجدواه، إذ أضحى فضاءً سياحياً كبيراً في مراكش لحظة اختياره أكثر من مرّة ضمن قائمة أجمل الفنادق في العالم.

عام 1923، صمّم الفندق المهندسان الشهيران هنري بروست وأنطوان مارشيسيو، عن طريق بناء نحو 50 غرفة للمبيت، ليصل عدد غرفه في السنوات الأخيرة إلى أكثر من 200 غرفة. تمزج تصاميمه بين الثقافة المغربية الأصيلة ذات النفحة الأندلسية وبين باقي التيارات الجماليّة الأخرى التي ظهرت في بعض مناطق العالم. لكنّ اللمسة المغربيّة تبقى مستحوذة على فضاء "المامونية" على مُستوى تصاميم الغرف والكتابات المنقوشة والأقواس والزلّيج والمَصابيح وطريقة تمركزها داخل بنية الفضاء هندسياً.

غير أنّ التحديث الذي طاول الفندق في الألفيّة الثالثة جعله يخرج من هذا البُعد الجمالي المُستند على الثقافة المغربيّة، من خلال الانفتاح على أفق جمالي مُغاير على مُستوى الأثاث وطريقة توظيفه داخل مساحة الفندق وخلق نوعٍ من التجاذب الفنّي بين القديم المُعتّق في جرار الزمن المغربي والآخر القادم من المدارس الغربية الحداثة. لكنّ السمّة القويّة والبارزة في الفندق، هو أنّه نجح فعلاً في خلق فضاء مُتناغمٍ أشبه بمكانٍ أسطوري. في الداخل يكثر الصمت مع خرير المياه ونضارة أعشاب الحدائق التقليدية الصغيرة، بما تمنحه للسائح من بهجة اللون، حيث العين تسرح داخل فضاءٍ بصريّ مُتخيّل، يتجوّل في الجسد، فيبقى أسيراً للموسيقى الأندلسية وحيرته بين الصور واللوحات والفضاءات الكثيرة والمُتنوّعة التي تمزج بين العتاقة المغربيّة والغرابة الآسرة التي تجعل المكان أسطورياً.

أمّا خارج الفندق فتكثر الأجساد، وتعمّ الفوضى، ويصبح الجسد مضطرباً وخاضعاً لتأثير الزعيق وبهجة الناس وحميميتهم داخل الفضاءات العمومية في مدينة مراكش. والحقيقة أنّه رغم المشاهد الفنّية والجماليّة التي يحفل بها "المامونية"، فإنّه غير مُؤثّر على عنصر السياحة المحلية للمدينة، إذ إنّ قلة تزور المدينة سنوياً بهدف الاستقرار في الفندق بضعة أيامٍ أو أسابيع قبل أنْ تقرّر الرحيل مُجدّداً. وبالتالي، فإنّ سُمعته بُنيت بسبب دوره التاريخي ومكانته الجماليّة في قلوب المراكشيين ودوره المحوري في الذاكرة التاريخيّة للمغرب. على هذا الأساس، تدخّلت الدولة أكثر من مرّة للمُساهمة في صيانته وترميمه وإعادة بناء صورةٍ فنّية جديدة له، بعدما أضحى يُقدّم المغرب باعتباره مهداً وصانعاً لما يُسمّى بـ"الفنادق التاريخيّة".

المساهمون