تصدح "إذاعة دابانغا" باللغة العربية من استوديو في أمستردام حيث لجأت، وليس من الخرطوم، لتدلي بما لديها عن التطورات في السودان. ويستمع نحو مليوني سوداني يومياً إلى هذه الإذاعة الديمقراطية و"المستقلة".
تكمن مهمتها في ضمان حرية التعبير، في بلد يحتل المرتبة 159 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة للعام 2021 الذي وضعته منظمة "مراسلون بلا حدود".
يجلس إبراهيم جاد الكريم (60 عاماً) في الاستوديو خلف المذياع، واضعاً سماعتين على أذنيه وموجهاً أصابعه إلى جهاز التحكم، ثم تضاء إشارة "على الهواء"، وتصدح موسيقى نشرة الأخبار مؤذنة ببدايتها.
لكن هذه الأخبار لا تسر إطلاقاً. ويؤكد الصحافي أن "الامر خطير جداً"، في إشارة إلى الوضع الراهن في السودان، مبدياً خشيته على عائلته التي بقيت في بلاده.
ويضيف جاد الكريم الذي فر من السودان، بعد انقلاب الرئيس السابق عمر البشير عام 1989، أن "أناساً عاديين ومدنيين يُقتلون في الشوارع، ويُعذبون، ويُسجنون". ويقول: "أنا قلق، لأن العسكريين وقوات الأمن يطلقون النار بوحشية في الشوارع، ما يخلف عدداً كبيراً من القتلى والجرحى".
تستمر المواجهات الدامية بين المتظاهرين وقوات الأمن في الخرطوم، بعد الانقلاب العسكري الذي رفضه الشارع والمجتمع الدولي.
وأفادت "لجنة أطباء السودان المركزية" بأن ثمانية متظاهرين على الاقل قتلوا وأصيب أكثر من 170 آخرين، في مواجهات مع قوات الأمن، منذ الانقلاب الذي نفذه الفريق أول عبد الفتاح البرهان الاثنين، قاطعاً الطريق على عملية انتقال ديمقراطي وانتخابات حرة مقررة نهاية 2023.
يعمل في الإذاعة عشرة صحافيين، يعدون يومياً نشرتي أخبار اقتصادية واجتماعية وسياسية عن السودان. وتبث الإذاعة من هولندا، بسبب القمع الذي تتعرض له الصحافة في البلد الفقير شرق أفريقيا الذي يعاني نزاعات وفوضى سياسية.
ولا يكشف أفراد الفريق إلا نادراً عنوان مقر الإذاعة، خشية التعرض لأعمال انتقامية، خصوصاً أن الجالية السودانية في هولندا منقسمة بين أنصار للانقلاب ومناهضين له.
تأسست الإذاعة في 2008، للإضاءة على الأزمة في إقليم دارفور (غرب السودان)، ومذاك اتسعت تغطيتها لتشمل أنحاء البلاد كافة. وتتولى منظمات غير حكومية وهيئات حكومية دولية تمويلها، مثل وزارة الخارجية الهولندية.
اقتبست اسمها من وعاء كبير للتموين يستخدم عادة في منازل السودانيين. وعادة ما يستعمل المزارعون السودانيون وعاء "دابانغا" لحفظ الغذاء أو المال أو الأغراض القيمة.
وتقول الإذاعة، عبر موقعها الإلكتروني، إنها تعمل من أجل "سودان ديمقراطي تسوده الحرية والسلام والعدالة، وحيث تكرس حقوق الإنسان، وخصوصاً الحق في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات".
وفي بلاد لا يزال قسم من سكانها أمياً، تشكل الإذاعة أحياناً المصدر الوحيد للمعلومات وصلة الوصل مع العالم، تحديداً في المناطق النائية ومخيمات اللاجئين.
على صحافيي "دابانغا" تغطية ما يحصل في بلادهم انطلاقاً من قارة أخرى، لذا يعولون على اتصالاتهم مع أناس على الأرض، ويتحققون كل يوم من كمية هائلة من الأخبار يرسلها مستمعون في السودان. ويعلق إبراهيم جاد الكريم: "لا يكف الهاتف عن الرنين، لدى الجميع ما يقولونه".
(فرانس برس)