"أوسكار" 2022... جوائز "صادمة" وصفعة "مُدوّية" وحكايات لا تنتهي

28 مارس 2022
جين كامبيون و"أوسكار" أفضل مخرجة (روبرت غوتييه/Getty)
+ الخط -

تميّزت الحفلة الـ94 لتوزيع جوائز "أوسكار" السينمائية (27 مارس/ آذار 2022)، بـ3 مسائل أساسية: الخسارة الكبيرة لـ"قوّة الكلب"، لجين كامبيون، قياساً إلى الترشيحات التي نالها (جائزة واحدة في فئة أفضل إخراج، في مقابل 12 ترشيحاً)، و"انتقام" كامبيون من ستيفن سبيلبيرغ، المرشّح بدوره للجائزة نفسها، بعد 28 عاماً على "انتزاع" سبيلبيرغ "أوسكار" أفضل إخراج منها، عام 1994، عن "لائحة شيندلر" (ترشيحها حينها حاصلٌ عن "البيانو")، وصفعة ويل سميث على وجه كريس روك، بعد سخريته من الرأس الحليق لزوجته، المغنية والممثلة جادا بينكت سميث، المُصابة بمرض "الثعلبة"، الذي يُسبِّب تساقط الشعر.

يصعب حصر الحفلة تلك، المُقامة واقعياً بعد نسختين افتراضيتين، بهذه السمات الـ3 فقط، رغم أنّ المشهد العام في "مسرح دولبي" (بيفرلي هيلز، كاليفورنيا)، غير حافلٍ بجديدٍ يُثير اهتماماً، باستثناء معرفة أسماء الفائزين بالجوائز. غير أنّ السمات تلك جزءٌ من تمرينٍ صحافي، يرتكز على مقارنات بين حاملي تماثيل "أوسكار" والخاسرين فرحة الفوز، وبين أفلامٍ فائزة وأخرى غير فائزة، وتحليل أسباب اختيار "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها" أفلاماً معيّنة لمنحها جوائز مختلفة. تمرينٌ يعتاده كثيرون، لكونه مدخلاً إلى قراءة، أو إعادة قراءة الأفلام المرشَّحة كلّها، بلغة نقدية غير منفضّة عن المقارنات بينها، فيظهر ميلٌ شخصيّ إلى فيلمٍ أو مخرج/ مخرجة أو عامل/ عاملة في تلك الأفلام، على حساب آخرين، بينما الأكاديمية غير معنيّة بهذا كلّه، لانسجامها مع مصالح ومعاينات، تصدر منها النتائج النهائية.

فوز جين كامبيون بجائزة أفضل إخراج، مُثيرٌ لتساؤلٍ عن إبعاد "قوّة الكلب" عن جوائز أخرى

أما مسار الحفلة، من السجادة الحمراء إلى الخاتمة، بكل ما تحفل به من أمور ومواقف وتصرّفات، فحاضرٌ لحظة لحظة على مواقع إلكترونية، ووسائل تواصل اجتماعي مختلفة، وتقارير وكالات، بالإضافة إلى بثّ مباشر على شاشة ABC، الشبكة التلفزيونية التي ترعى الحفلة منذ أعوام. هذا كلّه موثّق، بصرياً وكتابة، والمهتمّون بالحفلة يتابعونها فور حدوثها.
فوز جين كامبيون بجائزة أفضل إخراج فقط، مُثيرٌ لتساؤلٍ عن إبعاد "قوّة الكلب" عن جوائز أخرى، رغم امتلاكه لغة سينمائية باهرة، وانشغاله بمسائل تمسّ الأخلاق والحِداد والحبّ والأخوّة والصداقة، بمواربات بصرية ممتعة وقاسية في آنٍ واحد. هناك مبتهجون بخسارته، لعدم تمتّعهم بما فيه من اشتغالات فنية ودرامية وجمالية. "قوّة الكلب"، الذي يمتلك شيئاً من عالم الـ"وسترن" من دون الغوص في مفرداته وقواعده، يغوص في أعماق الذات البشرية، باحثاً فيها عن أسئلة الحياة والانفعال والعلاقة بالذات والآخر. أما فوزه بجائزة واحدة، فيبقى خارج كلّ قراءة نقدية، مع أنّه (الفيلم) قابلٌ لأكثر منها (الجائزة).

هذا حاصلٌ مع سبيلبيرغ أيضاً، رغم أنّ "قصّة الحيّ الغربيّ" مُرشّح لـ7 جوائز فقط، بعضها منضوٍ في الفئات التقنية والفنية. جائزة أفضل ممثلة في دور ثانٍ تنالها أريانا دو بوز، ما يجعل الفوز متساوياً مع فوز "قوّة الكلب"، بصرف النظر عن الترشيحات. ما يُقدِّمه سبيلبيرغ في فيلمه هذا، المأخوذ عن النسخة السينمائية الأصلية، بالعنوان نفسه (1961، جيروم روبنز وروبرت وايز)، محاولة سينمائية تمتلك عناصر إمتاع وتشويق وتعمّق في أحوالٍ راهنة لأميركا المرتبكة والمتخبّطة في مآزق ونزاعات داخلية، من دون أنْ يمسّ (سبيلبيرغ) بالنسخة الأولى، المقتَبَسة عن الكوميديا الموسيقية المُنجزة في "برودواي" عام 1957. الحفاظ على كلّ شيءٍ تقريباً، من النسخة الأولى، لن يحول دون التنبّه إلى بصمات سبيلبيرغ، الذي يختار نوعاً غير رائجٍ حالياً في صناعة السينما، والذي يُنجز هذا النوع للمرّة الأولى في سيرته المهنيّة.

صفعة ويل سميث تبقى لحظة فارقة في الحفلة الـ94

أما صفعة ويل سميث، الفائز بـ"أوسكار" أفضل ممثل عن دوره في "الملك ريتشارد"، لرينالدو ماركوس غرين، فتبقى لحظة فارقة في الحفلة الـ94، لكونها سابقة في تاريخ هذا الاحتفاء السنوي بالسينما الأميركية، باستثناء جائزة واحدة تُمنح لفيلمٍ دولي (اسمها السابق "جائزة أفضل فيلمٍ ناطق بلغة أجنبية")، ينالها Drive My Car للياباني ريوسْكي هاماغوتشي، المرشّح لـ3 جوائز أخرى، في فئات أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو مقتبس (عن رواية لهاروكي موراكامي). صفعةٌ لن تمرّ بسهولة، رغم اعتذار سميث من الأكاديمية، في كلمة مقتضبة له بعد تسلّمه التمثال، إذْ يتردّد في أوساط إعلامية وصحافية في هوليوود أنّ هناك احتمالاً كبيراً لسحب الجائزة منّه.
تبرير سميث للصفعة منبثقٌ من جوهر حكاية ريتشارد ويليامز، مدرّب كرة المضرب، ووالد الشقيقتين فينوس وسيرينا. لكنّه غير محترف تلك الرياضة، وغير مدرك أصولها وقواعدها، ورغم هذا، يضع مخطّطاً (78 صفحة) يُحدّد آليات تدريب بطلتيه المستقبليتين، فـ"يُتّهم" بأنّ إنجازه هذا مصنوعٌ لإيصال فينوس وسيرينا إلى قمّة البطولة: "ريتشارد مدافعٌ قوي عن عائلته. الحبّ يجعل المرء يفعل أشياء مجنونة. دعوتي كامنةٌ في أنْ أحبّ الناس وأحميهم وأكون ملاذاً لأحبّائي. في هذه المهنة، يُقلِّل البعض من احترامهم لك، وعليك أنْ تبتسم، وأنْ تتصرّف كأنّ شيئاً لم يحدث"، كما في كلمة سميث، الذي يستعيد أمام الجميع قولاً لدنزل واشنطن، يُحذّره فيه قائلاً: "انتبه، الشيطان يحضر دائماً في لحظات الانتصار"، متمنيّاً أنْ تدعوه لجنة الـ"أوسكار" إلى حفلاتها مجدّداً.

الوقت كفيلٌ بكشف ما ستفعله الأكاديمية (كُتبت المقالة قبل ظهر أمس). تصرّف سميث "مخالفٌ للوائح المعتمدة في تنظيم الحفلة"، كما في كلامٍ لأعضاء فيها. الصفعة عنوانٌ أساسيّ لأخبار الحفلة الـ94، في صحفٍ ومواقع إلكترونية ومحطّات إعلامية، إلى جانب "المفاجأة" أو "الصدمة" المتمثّلة بنيل "كودا"، للأميركية شون هيدر، 3 تماثيل "أوسكار" في فئات أفضل فيلمٍ، الممنوحة إلى المنتجين فيليب روسّولي وفابريسي جيانفِرمي وباتريك فاكسبرغر، وأفضل ممثل في دور ثانٍ لتْرُوي كوتسِر، وأفضل سيناريو مقتبس لهيدر (عن سيناريو الفيلم الفرنسي "عائلة بِلييه" لإيريك لارتيغو، لكلٍّ من فيكتوريا بودوس وستانيسلاس كارّي دو مالبيرغ وإيريك لارتيغو وتُمَا بيدوغان).
القصّة مُشوّقة، إذْ تروي حكاية روبي (إميليا جونز)، الابنة الوحيدة غير الصمّاء في عائلة صيّادين، أفرادها جميعهم من الصُمّ، ترغب في الغناء، فتلتحق بجوقة الكنيسة في مدينة "غلاوستر" (ماساتشوستس). لكنْ، هل يُعقل أنْ تتأتّى "المفاجأة" أو "الصدمة" من حكاية درامية وموسيقية، مشغولة سينمائياً بشكل مؤثّر؟ أم أنهما منبثقتان من الفوز بجائزة أفضل فيلمٍ أمام 9 أفلامٍ، بعضها باهرٌ بجمالياته الفنية والدرامية والإنسانية، كـ"قوّة الكلب"، و"قصّة الحيّ الغربيّ"، و"بلفاست" لكينيث براناه (أفضل سيناريو أصلي لبراناه نفسه)، و"زقاق الكابوس" لغييرمو دِلْ تورو، و"لا تنظر إلى الأعلى" لآدم ماكاي، مثلاً؟
الحفلة، بجوائزها وخسائر كثيرين وتفاصيل أخرى، مليئة بما يُثير الكتابة. المقارنات النقدية بين الأفلام، المنبثقة من ثنائية الفوز والخسارة، كفيلةٌ بكتابات عدّة. الأفلام الفائزة تحثّ على مُشاهدتها/ إعادة مشاهدتها، وفوز "كثبان رملية (Dune)" لدوني فيلنوف بـ6 جوائز في فئات تقنية وفنية، من أصل 10 ترشيحات، كفيلٌ باستعادته مجدّداً، لمُشاهدة لاحقة على فوزٍ كهذا.

المساهمون