"أفلامنا" في فلسطين: "هل كلّنا فدائيون؟" يستعيد صُوراً وحكايات

11 مارس 2021
برهان علوية في باريس عام 1983: مزيج الوثائقي والروائي (برتران لافوري/ Getty)
+ الخط -

تستعيد منصّة "أفلامنا" (aflamuna.online)، التي أنشأتها "جمعية بيروت دي سي" عام 2020، نشاطها السينمائي، بعد أسابيع عدّة من التوقّف عن العمل، بهدف بلورة خطّتها الفنية والثقافية، المتمثّلة بـ"مشاركة الأفلام العربيّة المستقلّة مع جماهير من مختلف أنحاء العالم". فالعام الماضي شاهدٌ على أزمة أنتجها تفشّي وباء كورونا، ما أدّى إلى طرح تساؤلات كثيرة عن شكل العلاقات والتواصل بين الناس، وعن مصير السينما، إنتاجاً وتوزيعاً وعروضاً ومُشاهدة، وعن أمورٍ أخرى أيضاً. و"أفلامنا" متأتية من رغبةٍ في إيجاد منفذ لتواصل سينمائي بين أفلام عربية ومشاهدين يسعون إليها، وإنْ عبر مُشاهدة مُقيّدة بالعزلة المنزلية، وعبر شاشات أصغر حجماً من تلك الممنوحة لهم في صالات السينما.

بعد أسابيع من العمل على بلورة مسارها المقبل، بدأت "أفلامنا" عرض أفلامٍ مختلفة منذ مطلع مارس/آذار 2021، مفتتحةً عودتها بسينما نضالية، تتناول أحوال فلسطين وناسها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وفي أنماط علاقاتها بدول ومجتمعات عربية. هذا منطلِقٌ من تحديدٍ سابق للعمل: "يختار منسّق أو منسّقة برنامج العرض الشهريّ أفلاماً معاصرة أو كلاسيكية ومستقلّة، تتطرّق إلى مواضيع اجتماعية أو سياسية او ثقافية، يتمّ عرضها أسبوعياً على المنصّة". فـ"أفلامنا" تسعى إلى "إنشاء مساحة للفكر الاجتماعي والسياسي النقدي حول السينما العربية المستقلّة".

مشاركة واسعة لأفلام عربية مستقلّة مع جماهير مختلفة

التعاون مع السينمائيّ اللبناني هادي زكّاك، لبرمجة أول شهرٍ بعد العودة، يُتيح للمهتمّين اطّلاعاً على بعض الإنتاج السينمائي العربيّ المرتبط مباشرة بفلسطين والفلسطينيين، تاريخاً وذاكرة وحكايات وأحوالاً وتفاصيل، بدءاً من وثائقيّ حديث الإنتاج، بعنوان "خارج الإطار، ثورة حتى النصر" (2016) لمهنّد يعقوبي، يرتكز على توليفٍ بصريّ (ديفيد أوسيت ورمزي حزبون) للقطات مختارة من أفلام عربية وأجنبية مُنجزة منذ سنين مديدة، لاستعادة معنى الصورة بالنسبة إلى الفلسطيني في نضاله من أجل بلده وشعبه، ولطرح سؤال المعركة الميدانية في مواجهة الاحتلال، وللتأكيد على أولوية التوثيق، الفوتوغرافي (بداية الفيلم) والمُصوَّر، في تحصين الذاكرة من الاندثار، وتقوية حضورها في المعركة المصيرية من أجل أرضٍ وتاريخ وبلد وناس.

أما عنوان البرنامج، فلافت للانتباه، ومُحرّضٌ على مزيدٍ من التنبّه إلى مصير حركة وطنية ممتدّة من فلسطين إلى مدنٍ عربيّة مختلفة، في راهنٍ يشهد تخبّطاً كبيراً للفلسطينيين في أحد فصول معاركهم اليومية. والعنوان سؤالٌ يطرحه مُبرمج الشهر السينمائي لـ"أفلامنا"، ومعه تطرحه المنصّة والجمعية: "هل كلّنا فدائيون؟". إنْ تكن الإجابة مفتوحة على مراجعة نقدية لمسار وحالة وراهنٍ، فالأفلام المختارة تعود بمشاهديها إلى مرحلةٍ معنيّة بثنائية العمل الميداني والتنظير الثقافي والفكري، وبتوثيق اللحظة، انطلاقاً من قراءة ذاتيّة للمخرجين/ المخرجات، ترتكز على كتابةٍ خاصّة بهم، أو اقتباساً عن رواية، أو تسجيلاً لوقائع، أو تعاوناً مع كتّاب وصحافيين. وهذا كلّه مصدر غنى وتنوّع لمفهوم السينما العربية الملتزمة، التي تولي أهمية أكبر للنص/ المضمون/ الحكاية، بينما الاشتغال السينمائيّ يتمرّن على ابتكار صُور بصرية، لا تحجب الوقائع والحكايات، بقدر ما تختبر مدى قدرة السينما على إيجاد توازنٍ بين نضالٍ وفنّ.

وإذْ يُفتتح برنامج "هل كلّنا فدائيون؟" بوثائقيّ يُعيد صوغ سردية فلسطينية عن مواجهة وكفاح وصراعاتٍ، وبفيلمٍ يوثِّق بعض الأرشيف السينمائيّ البصريّ، المعرّض في أعوامٍ مديدة للنهب والضياع، فالاحتلال الإسرائيليّ يجهد في سرقة الموثَّق لتزوير الحكاية؛ فإنّ بعض الأفلام المختارة تعكس شغفاً في التمرين الذهني والتخييلي والفكريّ والفنيّ في ابتكار أشكال بصرية للحكايات المستلّة من حقائق ووقائع. فاللبنانيان كريستيان غازي وبرهان علوية يبدوان، في فيلميهما "مئة وجهٍ ليومٍ واحد" (1969، يُعرض حالياً) و"كفرقاسم" (1974، تأليف عاصم الجندي. يُعرض بدءاً من 15 مارس/آذار الجاري)، غير مكتفيين بتسجيل لحظة وحكاية، لانهماكهما في اشتغالٍ على ثنائية الوثائقيّ/ التسجيليّ والروائي في بناء سينمائيّ واحد. تجربة كهذه سابقة بسنين عدّة على ما باتت تعرفه السينما اليوم: إلغاء الحدّ الفاصل بين الوثائقي والروائيّ، بهدف إبراز النص ومناخه وتفاصيله وشخصياته وجمالياته، بتقديم التوثيق بشكلٍ حكائيّ.

أما المصري توفيق صالح، فيقتبس رواية "رجال في الشمس" (1963) للفلسطيني غسان كنفاني، بهدف إنجاز "المخدوعون" (1972، بدءاً من 22 مارس/آذار الحالي). هذه خطوة تُضاف إلى تجارب مصرية تحديداً في اقتباس روايات إلى السينما، وإنْ تكن الرواية فلسطينية، ما يطرح سؤالاً آخر، ليس أقلّ أهمية من طرح سؤال علاقة السينما بفلسطين والفلسطينيين: ماذا عن علاقة العرب بالمسألة الفلسطينية، أرضاً وشعباً ومقاومة؟ اللبنانيان كريستيان غازي وبرهان علوية ينتميان إلى مرحلة خصبة بطرح أسئلة الهوية والانتماء والصراع من أجل حقّ مسلوب، وبمعاينة أحوال آنيّة مرتبطة بتلك الأسئلة، انطلاقاً من فلسطين والفلسطينيين. ورغم قلّة الأفلام العربية، الوثائقية/ التسجيلية والروائية، المتعلّقة بهذا الموضوع، في خمسينيات القرن الـ20 وستينياته وسبعينياته تحديداً، فالأفلام المختارة في برنامج "هل كلّنا فدائيّون؟" تُساهم في إعادة البحث بمسائل غير المُشاهدة المباشرة، منبثقة من اللحظة الراهنة: العلاقة العربيّة بفلسطين والفلسطينيين؛ وكيفية تناول المسائل الخاصّة ببلدٍ محتل، وبشعبٍ يواجه آلة عسكرية تريد إلغاءه كلّياً، وأسوأ قيادات فلسطينية وعربيّة تريد بيعه من أجل تثبيت سلطاتها؛ ومعنى الصورة السينمائية، قديماً وحديثاً، في مقاربة الموضوع والعلاقة؛ إلخ.

هناك أيضاً 3 أفلام قصيرة، تُعرض بدءاً من 22 مارس/آذار 2021: "أطفال... ولكن" (1979 ـ 1980، وثائقي، 22 دقيقة) للفلسطينية خديجة حباشنة أبو علي (بالتعاون مع "مؤسّسة السينما الفلسطينية" و"الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية")، و"ليس لهم وجود" (1974، وثائقي، 23 دقيقة) للفلسطيني مصطفى أبو علي (بالتعاون مع "وحدة أفلام فلسطين")، و"الزيارة" (1972، تجريبي، 10 دقائق) للعراقي قيس الزبيدي (بالتعاون مع "نادي لكلّ الناس"). يروي الأول بعض يوميات أطفال فقدوا أهلهم أثناء حصار مخيم تل الزعتر (النصف الأول من عام 1976)، فاحتضنهم "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" في "بيت أطفال الصمود"؛ ويستعيد الثاني، في 9 فصول، حكاية مخيم النبطية، قبل تعرّضه لما يُشبه الإبادة بفعل القصف الإسرائيلي عام 1974، وادّعاء الإسرائيليين بأنْ لا وجود للفلسطينيين في هذا المخيم، بل لا وجود لهذا المخيّم أصلاً. أما الثالث، فيقرأ فلسطين عبر قصائد لمحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، مع رسوم لنذير نبعة.

المساهمون