"آنا تحت المجهر"... أحلامٌ يعاقب عليها القانون

19 فبراير 2022
الدخول إلى مجتمع الأثرياء ليس سهلاً لفتاة مهاجرة طموح (نتفليكس)
+ الخط -

 

الحلم جريمة يعاقب عليها القانون حين يمس بسمعة رجالات المال والشخصيات العامة في المجتمع الأميركي. خلاصة غير مباشرة لنتائج المحاكمة التي خاضتها "آنا ديلفي" (جوليا غارنر) بطلة المسلسل الأميركي "آنا تحت المجهر" Inventing Anna الذي انطلق عرضه قبل أيام على شبكة "نتفليكس".

حكاية بدأت من روسيا. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تهاجر الفتاة المراهقة برفقة أسرتها إلى ألمانيا. من هناك ستبدأ أولى ملامح شغفها: النجاح والشهرة. تغادر وحدها إلى نيويورك، إلى مانهاتن، حيث تنتشر هناك شركات البورصة والموضة والفن، وتمر عبرها مؤسسات "وول ستريت" المالية والمصرفية. تتظاهر "آنّا" بأنها شخصية عامة غنية، وهي لا تزال في عمر الخامسة والعشرين. ستخترق مجال الأعمال بحجة أنها وريثة أبٍ ألماني ثري. وغايتها افتتاح مؤسسة خاصة بها، وهي عبارة عن مركزٍ حيوي للفنون البصرية يجمع أثرياء نيويورك وأصحاب الذوق الرفيع.

الخطة تبدأ باقتحام مجتمع الأثرياء. سلسلة من علاقات متشابكة معززة بصور ولقطات تدعم رواية البطلة المزيفة على "إنستغرام"، سيكونان منفذها إلى قمة هذا العالم الرأسمالي. هذا وجه العلاقات في عصرنا الحديث، تصويب الحياة الافتراضية لمصلحة شخصية كأسلوب حياة. المغامرة شيقة، وتتطلب ذكاءً ودهاءً كبيرين ستحافظ عليهما بطلتنا في الصعود الدرامي لحكايتها العجيبة، قبل إلقاء القبض عليها وتوجيه تهم الاحتيال إليها.

سينما ودراما
التحديثات الحية

لكن ما بين حلم شابة متهورة وقرار محكمة جنايات منتظر، معطيات لا بد من الإشارة إليها. الدخول إلى مجتمع الأثرياء ليس بالأمر السهل بالنسبة لفتاة مهاجرة طموح. فالشكل الجوهري لحياة الأثرياء يتطلب منفعة متبادلة. وبالتالي سياقات اجتماعية مزيفة قد تكون خير وسيلة لتحقيق هذه المنفعة. لكن عوائق ستطفو على السطح. البداية من هيمنة ذكورية تنظر إلى المرأة الأجنبية كغاية، منها جنسية، وأخرى استثمارية، وغيرها نفعية. هذه هيكلية تذكرنا، من حيث الشكل، بحياة "ماريا" بطلة رواية "إحدى عشرة دقيقة" للبرازيلي باولو كويلو. غوص "ماريا" المهاجرة إلى سويسرا في عالم المومسات والبغايا في سبيل تحقيق طموحها، كغوص "آنا" في عالم المؤسسات المالية. فالعقبة الأكبر متمثلةً برموز النظام المالي والمصرفي، وكيفية إنشاء علاقات موثوقة تسمح لفتاة صغيرة في عالم الأعمال بتحصيل قرضٍ مالي.

إنه نظام معقد لفتاة واثقة تؤمن بنفسها وبخطتها رغم تلك العقبات فاختارت الانغماس في عالم يحكمه أسياد المال والبنوك بخطط مزيفة تستغل بها النفوذ المالي لشخصيات مصرفية ستخشى على نفسها الفضيحة أمام الرأي العام والإعلام وستنكر ما تعرضت لها من احتيال. فكيف لفتاة صغيرة أن تتلاعب بأكبر العقول المالية في أميركا؟ هذه مهانة لا تحتمل النشر، مثلما حدث عام 2008 بعدما انتشرت في العالم واحدة من أشهر فضائح "وول ستريت" عرفت بفضيحة "مادوف" التي حدثت أثناء فترة الركود الاقتصادي العالمي حين احتال برنارد مادوف بمبلغ 50 مليار دولار من صناديق استثمارية تضم استثمارات كبار البنوك العالمية وأثرياء المستثمرين العالميين. 

في المقابل، هناك جانب سلوكي مضاد. "آنا" فتاة طموح تبذل ما بوسعها. ليس بقصد الضرر والإساءة. لكن شكل الحياة في نيويورك يتطلب جرأة وحنكة لاستغلال الفرص الثمينة. وباعتبار شخصيتها فذة ومبهرة. فلا بد من انبهار وإعجاب، لا يختلفان عن إعجاب عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي "كارل هانراتّي" (توم هانكس) بشخصية "فرانك أبيغنيل جونيور" (ليوناردو دي كابريو) مزور الشيكات الداهية في فيلم مارتن سكورسيزي الشهير Catch Me If You Can.

المساهمون