أعلنت وزارة الآثار المصرية، أخيراً، البدء في أعمال ترميم التابوت المذهّب الكبير للملك توت عنخ آمون للمرة الأولى منذ اكتشاف مقبرة الملك الشاب منذ 97 سنة، وذلك بعد رحلة نقله من الأقصر إلى المتحف المصري الكبير في الهرم. استغرقت الرحلة التي تمت يوم 14 يوليو/تموز الماضي حوالي 16 ساعة، وسط إجراءات مشددة. فور وصول التابوت وُضِع داخل غرفة العزل في معمل الترميم بالمتحف لمدة سبعة أيام قبل البدء في عملية تعقيمه، ومن ثم البدء في عملية الترميم التي سوف تستغرق حوالي ثمانية أشهر على الأقل، وذلك لمعالجة الكثير من التلف الذي لحق بالتابوت، منها شروخ في طبقات الجص المذهبة، وضعف عام في طبقات التذهيب، خاصة في الغطاء والقاعدة. وتأتي عملية الترميم هذه تمهيدًا لعرض التابوت ضمن التوابيت الثلاثة الخاصة بالملك توت عنخ آمون، جنبًا إلى جنب مع افتتاح المتحف المصري الكبير أواخر 2020.
يُعد هذا التابوت من أحد التوابيت الثلاثة للملك الشاب، والتي وجدت داخل مقبرته في وادي الملوك بالأقصر حين اكتشفها عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1922، حيث وجدت المقبرة كاملة لم تصل إليها أيدي اللصوص ولم يعبث أحد بمحتوياتها، وهي حالة نادرة في مقابر وادي الملوك. وتضم مقتنيات المقبرة حوالي 5000 قطعة أثرية، من بينها القناع الذهبي، وتماثيل وعجلات حربية، وأسرة وتمائم الملك، وقد قال عنها كارتر: "إنها أفضل مقبرة وجدت على مر التاريخ، لم تمس من قبل بوادي الملوك". والتابوت مصنوع من الخشب المُذهَّب، ويبلغ طوله 223.5 سم، وعرضه 86.8 سم، بينما يبلغ ارتفاعه 105.5 سم، وهو يمُثل الملك على هيئة المعبود أوزير، واليدان مكسوتان برقائق من الذهب ومتقاطعتان على الصدر، تُمسكان بالشارات الملكية المطعمة بعجينة زجاجية زرقاء وحمراء. وللتابوت مقابض فضية كانت تستخدم لتحريك الغطاء. وكان هذا التابوت قد ترك داخل المقبرة منذ اكتشافه، أما التابوتان الآخران فقد نقلا للعرض في المتحف المصري بالتحرير.
وتوت عنخ آمون كان أحد فراعنة الأسرة المصرية الثامنة عشرة، وقد حكم البلاد وهو في سن التاسعة، من سنة 1334 وحتى 1325 قبل الميلاد. وكانت وفاته من الأمور المثيرة للجدل، وقد دفن في مقبرته الشهيرة، التي تحمل رقم 62، في منطقة وادي الملوك بالبر الغربي، وحظي اكتشافها سنة 1922 بشهرة عالمية واسعة النطاق. وبالرغم من مرور سنوات طويلة على اكتشاف المقبرة؛ فإن المصريين لم يسمح لهم بمشاهدة مومياء الملك الفرعوني الشاب توت عنخ آمون إلا في 16 فبراير/شباط 2010. وكانت مدينة الأقصر قد احتفلت، في مطلع هذا العام، بالانتهاء من أعمال ترميم مقبرة الملك "توت عنخ آمون" في منطقة وادي الملوك على الضفة الغربية للنهر، وتضمن برنامج الاحتفال زيارة المقبرة الأثرية بالبر الغربي لأول مرة منذ إغلاقها بسبب بدء أعمال الترميم منذ 12 سنة، وزيارة لمتحف التحنيط، مع عدد من المحاضرات والأفلام الوثائقية، التي تشرح مراحل تنفيذ مشروع الترميم والتطوير الذي قام به معهد جيني الأميركي واستغرق 12 عاما. وهو أكبر مشروع من نوعه في المقبرة منذ اكتشافها سنة 1922.
يُذكر أن كنوز توت عنخ آمون قد أثارت الجدل في الأوساط الثقافية والأثرية المصرية عدة مرات مؤخراً، وذلك حين سمحت الحكومة المصرية، العام الماضي، بسفر مجموعة أثرية مكونة من 166 قطعة من مقتنيات المقبرة، لإقامة معرض خارجي لعدة سنوات يبدأ بولاية لوس أنجليس، وهو ما أثار المخاوف من ضياع المقتنيات أو تلفها. كما أن العائد المادي المتوقع من ذلك المعرض لا يتناسب مع القيمة الأثرية لهذه المقتنيات. كما أثيرت ضجة، الشهر الماضي، بعد تهريب تمثال لتوت عنخ آمون إلى الخارج ثم عرضه للبيع في صالة "كريستيز" بالعاصمة البريطانية، في شهر يونيو/حزيران الماضي، حيث لم تفلح المحاولات المصرية لاستنقاذ التمثال الذي بِيعَ أمام مرأى ومسمع العالم!