عن رواية للأديبة والصحافية الأميركية جوانا سميث راكوف بالعنوان نفسه (2014)، اقتبس فالاردو السيناريو الذي تدور أحداثه في تسعينيات القرن الماضي، وتحديداً عام 1995، في نيويورك. "عامي مع سالينجر" ليس فيلم سيرة، بخلاف ما يوحي به العنوان. لا يتناول، من قريب ولا من بعيد، حياة الأديب الأميركي جيروم ديفيد سالينجر (1919 ـ 2010)، كاتب الرواية الأشهر في تاريخ الأدبين الأميركي والعالمي، "الحارس في حقل الشوفان" (1951)، التي لا تزال تُطبع بكثرة، وتحقق مبيعات لافتة للانتباه حتى اليوم.
يُطلّ سالينجر في الفيلم كالطيف، في لقطات قليلة، لا يظهر وجهه فيها. يُسمع صوته عبر الهاتف مرّات، وتُصوّره الكاميرا من ظهره مرّتين أو 3 مرّات على الأكثر. أمر يتّسق مع العزلة الصارمة التي اختارها سالينجر لحياته، والتكتّم الشديد على أعماله وكتاباته، ومحافظته على نمط حياته هذا حتى وفاته. مؤلّفات عديدة له لم تنشر لغاية الآن بناء على وصيته.
ترتكز أحداث فيلم فيليب فالاردو على الشابّة جوانا (مارغريت كوالي)، الشاعرة الطموح. تحلم أنْ تصبح أديبة معروفة ذات يوم، لكنّها تتخلّى عن كتابة الشعر وعن حلمها، عند حصولها على وظيفة في وكالة أدبية مشهورة، كمُساعدة للمحرّرة الأدبية مارغريت (سيغورني ويفر). الوكالة تُشرف على نشر أعمال أدباء كبار، بينهم سالينجر، فتنتهز جوانا الفرصة بكل ما أوتيت من قوة لترسيخ وجودها في نيويورك، التي انتقلت مؤخرًا إليها من أجل العمل.
تتعامل جوانا بمنتهى الثبات والهدوء إزاء أوامر رئيستها الصارمة والمُتطلّبة، وتكرّس طاقتها للردّ على الاتصالات الهاتفية، وكتابة الرسائل على الآلة الكاتبة، وغيرها من المهام. لكن المشكلة الكبرى تتمثّل في ردّها على خطاباتٍ كثيرة مرسلة من عشّاق سالينجر ومحبّيه، التي تصل يومياً إلى الوكالة. مهمة ليست سهلة أبداً، فالرسائل لا تتوقف عند كونها مجرد تعبير عن إعجاب أو مديح.
في الوقت نفسه، تسعى جوانا إلى تأسيس حياة جديدة لها في نيويورك، وإقامة علاقات اجتماعية مع محيطها، والانتقال إلى منزل جديد، وتوطيد علاقتها بالأديب الشاب دون (دوغلاس بوث)، الذي التقاه صدفة، قبل عيشهما معًا كحبيبين. بالمصادفة أيضاً، يدور حوار هاتفي بينها وبين سالينجر تناول الأدب وكتابتها للشعر. يشجّعها سالينجر، وينصحها بضرورة ممارسة الكتابة يومياً. باختصار، يُحيي الأمل والطموح فيها مجدّداً.
مع تطوّر الأحداث، تُدرك جوانا تدريجياً أنّ هذا ليس ما أرادته لنفسها. في النهاية، تتّخذ قراراً بترك الوكالة، ومحاولة احتراف الكتابة، وتنفيذ نصيحة سالينجر. تهجر "حبيبها"، الذي تخبره بصراحة أنّها لم تحبّه، ولم تشعر إزاءه بمشاعر من أي نوع. قرارات مصيرية صعبة للغاية، لكن جوانا تُقدِمُ عليها بكلّ ثقة وثبات، ومن دون أدنى تردّد.
خلال عملها في الوكالة، الذي استغرق نحو عام، عاشت جوانا أموراً كثيرة وتعلّمت أموراً كثيرة أيضاً، إنْ بفضل سالينجر، أو بفضل القرّاء والمعجبين به. هي لم تقرأ نصاً لسالينجر في السابق، بما في ذلك روايته الشهيرة. لذا، كان عنوان الفيلم "عامي مع سالينجر"، المقصود به تغيير حياتها بسبب ملامستها القريبة بعض الشيء لسالينجر وعوالمه.
تعتمد غالبية الأحداث على التصوير الداخلي، في الوكالة وشقّة جوانا و"حبيبها" دون. الشخصيات قليلة، وإلى جوانا ودون ومارغريت، هناك قلّة من زملاء جوانا في الوكالة، يظهرون بشكل سطحي للغاية.
إجمالا، يتسم "عامي مع سالينجر" ببساطة شديدة، وسيناريو معقول، وأداء جيّد. لكن، ليس فيه ما هو استثنائي أو جديد أو لافت للانتباه، في المستويات كلّها، باستثناء أداء الواعدة مارغريت كوالي.