"غراس إز غرينر"... دخان ماريجوانا ينفثه الساكسوفون

19 مايو 2019
رُبطت الماريجوانا بالسود حصراً كونها من مفردات أغانيهم (نتفليكس)
+ الخط -
 
بعد أن تم تشريع الماريجوانا في بعض الولايات الأميركية، قام مغني الراب الأميركي ألفريد براثوايت بصناعة الفيلم الوثائقي "Grass is greener"، الذي عُرض أخيراً على شبكة نتفليكس، ويسرد قصة الماريجوانا والموسيقى خلال قرن كامل، ليسأل من خلال هذه العلاقة: من يحدد ما هو مسموح وما هو ممنوع؟
تُطرح العلاقة بين الماريجوانا والموسيقى، منذ البداية، على لسان ألفريد براثوايت نفسه، باعتبارها أمراً مسلماً به، ومن خلال هذه الثنائية، يحاول أن يغوص في أسئلته السياسية والاجتماعية حول الأسباب التي أدت إلى منع المخدرات في أميركا في الماضي، ويستند في بحثه إلى أرشيف الموسيقى الأميركية، ليستخرج الأغاني التي تغنت بالمخدرات وروجت لها.

يعود الفيلم ببحثه إلى عام 1933، ليصنف مغني الجاز كاب كالواي، باعتباره أول من تطرق إلى الحشيش كموضوع لأغنياته، واستند بذلك إلى الأغنية "Reefer man"، من دون أن يُطرح أي تساؤل حول إذا ما كانت الأغنية تتغنى بالمخدرات فعلياً، أم أنها تجمع نكات شعبية حوله وتصوغها بأغنية، ولا سيما أن النبرة الساخرة تجعل الأمر أكثر إشكالية. لكن الأمر المهم الذي يشير إليه الفيلم، هو أن أغاني الجاز هي المسؤولة عن ترسيخ بعض الكلمات والمصطلحات الشعبية السائدة حول الحشيش وتعاطيه، مثل: Reefer, gauge, jive
and weed



يسترسل الوثائقي بالحديث عن العلاقة بين المخدرات والموسيقى من خلال التطرق إلى مفهوم سائد في بعض الثقافات الشعبية، يربط المخدرات بزيادة القدرة على الإبداع في مجال الموسيقى، أو غيره. يحاول، أيضاً، تدعيم الفكرة من خلال بعض الشهادات من مشاهير فناني الجاز؛ ويوضح تشارلي غابرييل أنه "مدمن" على الماريجوانا منذ صغره.

يضيف: "فاتس والر وديوك إلينغتون، وغيرهما، ساعدتهم الماريجوانا على أن يكونوا مبدعين". حاول البعض في شهاداتهم أن يمنطقوا هذه الأفكار، مثل ستيف هاغر. يقول: "عندما تنتشي بفعل الحشيش، فإن الموسيقى تتباطأ قليلاً، ما يجعلك قادراً على الارتجال بشكل انسيابي".

يدعم الفيلم هذه الآراء والشهادات من خلال ربطها بحوادث موثقة، وإن كانت غير مرتبطة بشكل مباشر بالأفكار المطروحة، منها حادثة اعتقال مغني الجاز لويس أرمسترونغ في نادي "كوتن" عام 1930، بعد أن ضُبط وهو يدخن الماريجوانا في فترة الاستراحة.

يشير الفيلم إلى بعض الأفكار التي شاعت في النصف الأول من القرن الماضي، والتي جعلت من مسألة منع الماريجوانا أمراً عنصرياً، إذ نُشرت بعض الأخبار عن خطورة الماريجوانا، لكونها المادة التي يستخدمها أصحاب البشرة السوداء لاستدراج الفتيات البيض لممارسة الجنس معهن! وقد تم ربط الماريجوانا بأصحاب البشرة السوداء بسبب انتشارها في موسيقى الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، كالجاز والبلوز؛ وربطت هذه الأفكار ببعض المقاطع من مقابلات لبوب مارلي، لتشمل أيضاً موسيقى الريغي في قائمة الأعمال السوداء المضطهدة بفعل العنصرية، قبل أن يتطرق إلى تأثير هذه المعركة على تغيير شكل موسيقى الجاز والبلوز في أميركا لاحقاً.

يحاول براثوايت في النصف الثاني من فيلمه، أن يعمم مسألة مكافحة الماريجوانا ويربطها بالعنصرية ضد السود، من خلال شملها بالأنماط الموسيقية المحدثة التي أنتجها الأميركيون ذوي الأصول الأفريقية في العقود الأخيرة من القرن الماضي، وبالتحديد الراب والهيب هوب؛ ويدعم أفكاره من خلال شهادات حصل عليها من نجوم الهيب هوب، أبرزهم سنوب دوغ.

ورغم أن الفيلم يقدم كماً كبيراً من الوثائق والمعلومات المهمة حول الموسيقى الأميركية خلال قرن كامل، لكن ما يؤخذ عليه أنه يقع في فخ التعميم؛ فالوثائقي برمته قائم على افتراض أن الماريجوانا هي جزء من ثقافة الأميركيين الأفارقة، وكأن المغنين السود جميعهم كانوا مدمنين ويتغنون بالمخدرات، وأنه ما من مغنين بيض كانوا مدمنين على المخدرات أو يتغنون بها، ليلغي وجود ويلي نيلسون وإيمينيم وغيرهما؛ فما قام به براثوايت أنه سخّر بحثه العميق والمكثف حول علاقة المخدرات والموسيقى لخدمة قضية العنصرية ضد العرق الأسود، وبالغ في التأويل والاستنتاجات في الكثير من الأحيان.

دلالات
المساهمون