"تويزة"... مقترح سينمائي يفكك ظاهرة الإرهاب

22 ديسمبر 2019
أميرة هيلدا جائزة أفضل ممثلة (مصطفى يالسين/الأناضول)
+ الخط -
في ختام الدورة الـ17 (30 سبتمبر/ أيلول ـ 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2019) لـ"مهرجان الفيلم القصير المتوسطي بطنجة" (المغرب)، فاز "تويزة" (إنتاج جزائري فرنسي مشترك، 2018، 29 دقيقة)، لكريم بن قانة، بجائزتي الجمهور وأفضل ممثلة، نالتها أميرة هيلدا. هذا في ظلّ غياب كبير للسينما المغربية، إذْ كشفت الدورة نفسها عن ارتباك الفيلم المغربي القصير، رغم مشاركات مغربية، لكنها ضعيفة إزاء النتاج السينمائي العالمي، المتجدّد والمُجرّب لمواضيع آسرة، بعضها يحمل ميسماً عربياً وقومياً، وبعضها الآخر يعبّر عن جرحٍ ذاتيّ بأساليب تخييلية، وحساسيات جمالية، وتتشابك بوتيرة سريعة مع قضايا عربية كبيرة، عن التحرّر والإرهاب والاعتقال والهجرة والحبّ والجسد والحنين، وغيرها.
يندرج "تويزة" في البُعد الأول، إذْ يُحمِّل قضيته بعداً عربياً وعالمياً، بسرده حكاية "ياسمين" (أميرة هيلدا)، خادمة السيّدة البورجوازية المدلَّلة (فريدة رهواج) التي ترمز إلى وطنية أوجدتها مرحلة الاستقلال في الجزائر وتونس والمغرب. فبين ليلة وضحاها (تدور الأحداث عام 1994)، تفقد السيدةُ كلبَها "تويزة"، أنيس وحدتها بعد موت زوجها، وتخلّي ابنها عنها. في الوقت نفسه، تعتزم "ياسمين" الحصول على إجازة لزيارة خالتها المريضة، التي ستكون مجرّد ذريعة، للتخطيط مع حبيبها لتنفيذ عملية إرهابية في مكان عام. بسبب غياب "تويزة" تلك الليلة، ترفض سيدة البيت طلب "ياسمين"، فيتأخر موعد تنفيذ العملية.
شخصيتان تتنازع إحداهما مع الأخرى طوال الوقت، قبل أنْ يلتقط كريم بن قانة، ببطء، عناصر المكان جمالياً، مُقدِّماً الشخصيات ومحيطها الاجتماعي وبنيتها السيكولوجية المضطربة، فيتشعّب خيط السرد ومَشَاهده بين أخذ وردّ، وقبول ورفض، في جوّ مشحون بحزن مُكلّل بألم غياب تويزة. فالمخرج استنفد وقتاً طويلاً في تقديم سياق فيلمه، ما أخضع مَشاهده الأولى إلى نمط سرد رتيب، بتصويره الخادمة في المطبخ، وأثناء تأديتها الصلاة، وحملها حاجات المأكل إلى السيدة. مَشاهد أولى طافحة بقوّة، تتخلّلها أحياناً مراسلات من حبيب مجهول، لكنها تضمر سخطاً وألماً وتوتراً جرّاء المستقبل الذي يتبدّى أمام ياسمين شاحباً ومبهماً.
ملاحظة تُسجَّل على "تويزة"، كما على غيره من الأفلام القصيرة المشاركة في "مهرجان الفيلم القصير المتوسطي بطنجة الـ17": هناك حرص شديد على "نهاية الفيلم"، من دون الاعتناء ببدايته ووسطه، ما يجعله مراهناً على المشهد الأخير، الذي يكون صادماً، غالب الأحيان، ومُولّداً لجماليات الصدمة وردود الفعل من الجمهور، الذي يجعله يتّخذ موقفاً إيجابياً إزاء الفيلم، وإنْ تكن المعالجة ضعيفة. هذا مطبّ أفلام قصيرة مغربية، تنجح مواضيعها، وتنعدم معالجاتها الفنية.
ملاحظة أخرى، تكمن في هرولة مخرجين مغاربيين عديدين إلى تيمة الإرهاب، فبات الموضوع أشبه بـ"موضة" السينما المغربية والجزائرية والتونسية اليوم، بالتخوّف والحدّة والألم نفسه، الذي يولّده الموضوع نفسياً، مع اختلاف القصص والشخصيات التي تختلف أعمارها، وزوايا نظرها، بالإضافة إلى أنّ المعالجة الفنية خاصّة بكلّ مخرج. لكنّ الأمر أفيد بكثير للسينما المغاربية، في محاولة الثورة على واقعها، واجتراح مشاريع سينمائية تعرّي الواقع والتاريخ، وتكشف نتوءاتهما للتحرّر من مكرهما وقهرهما، في محاولة التخلص من ربقة الجماعات الإرهابية. وأيضاً بهدف إعمال نقد جذري، سينمائياً، لأفكارٍ غبية سبَّبت هذه الحالة، التي تعيشها الشعوب العربية بين فكي جماعات جهادية، وعسكرتاريا حاكمة.
المساهمون