أفلام مُرمّمة ليوسف شاهين: مُشاهدات مختلفة

24 سبتمبر 2018
يوسف شاهين (فيسبوك)
+ الخط -
في الذكرى الـ10 لرحيل المصري يوسف شاهين (1926 ـ 2008)، أحد أبرز سينمائيي مصر، تعرض سينما "زاوية" ـ المعنية بالأفلام الأوروبية والبديلة، 20 نسخة مُرمّمة من أفلامه، بالتعاون مع السينماتيك الفرنسية ومؤسّسات سينمائية أوروبية أخرى. تتنوّع العروض، بدءًا من أفلامه الأولى كـ"سيدة القطار" (1952)، وصولاً إلى "الآخر" (1999)، وبينهما بعض أهم أعماله: "باب الحديد" (1958)، "الأرض" (1967)، "عودة الابن الضال" (1976)، "إسكندريه... ليه؟" (1978)، وغيرها من أفلام تعكس رؤيته وأفكاره وحياته، وتتابع بالقدر نفسه تاريخًا موازيًا لمصر، التي رافقها من وراء الكاميرا 5 عقود متتالية من دون كلل.
هناك 3 جوانب مهمّة في تلك الاحتفالية: 
أولاً، إحياء شاهين روحًا وأفكارًا من خلال العروض والنقاشات حولها، و"جسدًا" حيث يظهر ممثلاً في 3 أفلام. أو إحياء الأفلام نفسها، التي عانت نسخٌ قديمة منها الإهمال والسوء. لكن الترميم الجيد نبَّه المُشاهدين إلى بعض التفاصيل التي لم تظهر سابقًا. مثلٌ على ذلك: "فجر يوم جديد" (1964) الذي لا يُعرض تلفزيونيًا ونسخه المتاحة منخفضة الجودة، ما منع لعقود طويلة مشاهدة الإنجاز البصري المُذهل الذي حقّقه شاهين في هذا الفيلم، رفقة مدير التصوير عبد العزيز فهمي. كما كشف الترميم مَشَاهد في "حدوتة مصرية" (1982) و"إسكندرية كمان وكمان" (1990) لم تظهر سابقًا، أو عانت هي أيضًا مشاكل في الصوت والصورة، فحفظها الترميم وقدّمها للمُشاهدين في نسخة أفضل. هذا الأمر ينطبق على الأفلام الـ20 المعروضة في الاحتفالية.
 ثانيًا، احتفال المُشاهدين بالمخرج الاستثنائي في تاريخهم، إذْ امتلأت الصالة (400 مقعد) بكاملها يوميًا. عشرات المهتمّين يصطفون أمام الصالة في طابور طويل، بانتظار موعد الدخول، وشاهين "فوقهم"، في الملصق الرسمي الذي اختاره منظّمو الاحتفالية، ينظر إلى مشهد مهيب لم ير مثله في حياته، إذْ لم يسبق أن اصطف الناس لمشاهدة أفلامه، وهو عانى طويلاً، في سبعينيات القرن الـ20 وثمانينياته تحديدًا، سواء بسبب الدولة (التي لا تعرض أفلامه تلفزيونيًا وتتجاهلها مؤسّساتها الرسمية)، أو الزملاء (الذين يهاجمونه باعتباره "خواجة" يصنع أفلامًا للغرب)، أو نقّادٍ كثيرين روّجوا فكرة تقديمه أعمالاً مُعقّدة لا يفهمها أحد، أو الجمهور الذي تماهى بغالبيته مع تلك الفكرة، فظلّت هذه "سيرته" لعقود طويلة: تقدير مهرجانات دولية له مقابل جفاء وفتور داخليين صارمين.



لكن الزمن ـ بعد 30 أو 40 عامًا بخصوص بعض أفلامه، و60 عامًا على "باب الحديد" (كسّر الجمهور كراسي سينما "كريم" عند عرضه عام 1958) ـ صنع فارقًا بين استقباله القديم وذاك الجديد. فبدلاً من تكسير الكراسي أو الغضب عليه، امتلأت صالة "سينما كريم" بالمُشاهدين وبالتصفيق أيضًا، علمًا أن هذه الصالة باتت سينما "زاوية" حاليًا. كأنّ الاحتفالية كلّها تأكيدٌ على أن الفنّ باقٍ، وإنْ لم يُقدَّر في زمنه، وإنْ غاب صاحبه.
ثالثًا، البُعدان النقدي والموضوعي في المسألة برمّتها، وفي مُشاهدة "يوسف شاهين عام 2018" على شاشة سينمائية، والتعاطي مع أفلامه وفهمها بشكل مختلف بعد متغيّراتٍ كثيرة طرأت على الناس والمُشاهدين، وعلى البلد أيضًا على مرّ السنين. يظهر هذا في النقاشات الدائرة بعد كلّ فيلم، وبعضها مع صنّاع أفلام أو باحثين أو نقّاد يطرحون أسئلة أو رؤى جديدة عنها، وبعضها الآخر مع رفاق دربه الذين شاركوه الرحلة، كالمنتجة ماريان خوري والممثلين محسن محيي الدين ونبيلة عبيد.

أحيانًا، يتأثر الناس مجدّدًا بأفلام أحبوها منذ صغرهم، عند رؤية جنون قناوي (شاهين نفسه) في نهاية "باب الحديد" مثلاً، أو استبسال أبو سويلم (محمود المليجي) دفاعًا عن "الأرض"، أو يحيى (محيي الدين) ـ شخصية شاهين في سيرته الذاتية ـ وهو يغادر إلى أميركا ليدرس السينما في "إسكندرية ليه؟". أحيانًا أخرى، تُقابَل الأفلام بالهجاء، كما حدث مع "حدوتة مصرية" ذي الرؤية المرتبكة، أو "الآخر" الذي عانى المباشرة والفجاجة.

إنّ جانبًا من تقدير يوسف شاهين الآن كامنٌ في إعادة النظر إلى أفلامه كلّ فترة بعين جديدة، وتقديرها أو هجائها بوعي مختلف، فهذا جزء من صخب الحياة التي عاشها، والأفلام النابضة التي أخرجها وظلّت حيّة، وستبقى.
المساهمون