منذ سنوات، تواجه شركة "روتانا" أزمةً ماليّة أثّرت بشكلٍ أساسي على تردّي وضعها على الساحة الفنيّة، وحوّلتها إلى شركة استهلاكيّة لا تُقدّم أي أعمال فنيّة ذات قيمة. من هنا، يأتي دخول الشركة على خطّ التحريض ضدّ دولة قطر، وإنتاج أغنية "علّم قطر"، محاولةً بذلك رفع أسهمها في الشارع الخليجي عبر فنانيها السعوديين.
أزمة روتانا
أسئلة كثيرة تُطرح اليوم حول دور شركات الإنتاج العربية، وما هو دورها، مع دخول "الدبّ" الإلكتروني، على عالم الموسيقى والغناء، والاتجاه إلى المنصّات الإلكترونية، بعيداً عن شركات الإنتاج التي لم تعد تؤدي دورها، كما كان في السابق، وتحول معظم الشركات إلى مكاتب للتعهدات الفنية، ووسيلة لإقناع من ينتسب إليها بالتوقيع على عقد يُجيز فيه تصرف الشركة بشأن بعض الحفلات والمهرجانات، لما يحققه ذلك من مداخيل للشركة نفسها.
نهاية عام 2008 ومع بلوغ الأزمة الاقتصادية العالمية ذروتها، تأثرت معظم شركات الإنتاج العربية بما حصل، وكان ذلك بمثابة ضربة موجعة لشركة "روتانا" التي تحاول التحايل على الأزمة، والقول إنها ما زالت واحدة من أبرز الشركات المنتجة عربياً، لكنها وقعت في فخ الاستسهال، ولم تفِ بشروط اتفاقيتها مع عدد كبير من الفنانين الذين واجهوا الشركة بدعاوى قضائية كما هو حال المغنية أمل حجازي. وخرجت منها نجوى كرم التي كانت أول فنانة عربية تنتسب للشركة بداية التسعينيات، بعد إصدارها أكثر من 15 ألبوماً غنائيًا لصالح روتانا.
ولم تمتثل الفنانة أحلام للشروط التي حاولت روتانا أن تضعها لتكسب وجودها داخل الشركة، بل على العكس تماماً، تحولت أحلام بعد روتانا إلى منتجة منفذة لذاتها ولكافة أعمالها الفنية، بعيداً عن سيطرة روتانا. وأمام تشبث مدير الشركة، سالم الهندي بقراراته بحثًا عن المال والشهرة والتسويق، فقط، كذلك خرجت أصالة نصري عام 2009 حين عانت من أزمة مالية، وطالبت بحقوقها من الشركة لكنها لم تلقَ الصدى المطلوب، ففضلت الاتجاه إلى الإنتاج أيضاً، وحذت نوال الزغبي حذو أصالة، بعد محاولات روتانا تجنيد الزغبي لصالحها فنيًا، ومقاسمتها عائدات حفلاتها.
احتمالات البيع
بداية 2016، جرت المفاوضات بين مالكي روتانا في السعودية، وبين بعض الشركات العالمية ومنها شركة "يونيفرسال" على بيع شركة روتانا. وتم إبلاغ عدد من النافذين في الشركة بهذا القرار، لكن المفاوضات اصطدمت بشروط تعجيزية وضعتها روتانا أمام "يونيفرسال" ما حال دون الاتفاق بين الفريقين، في حين وجد فريق روتانا القليل أن عليه العمل أكثر بعد قرار بيع الشركة ومحتواها. محاولات بدت بائسة، في سبيل تحقيق مكاسب للصمود في وجه فكرة بيع "أرشيف" غنائي عمره 20 عاماً. قرار الهندي بفتح نافذة تبقي على ماء وجه الشركة أقله، ولو لم يعد أمام الهندي وشركائه الموالين في الشركة إلا مصدر واحد للتمويل، يتمثل بمقاسمة الفنانين، الخليجيين تحديداً، أجورهم في الحفلات والمهرجانات.
خفّ العمل في مكتب بيروت الذي تحوّل من ثلاثة طوابق كانت تشغلها الشركة في منطقة "سوليدير" وسط بيروت التجاري، إلى مكتب لا تتجاوز مساحته المئة متر مربع، لتسهيل بعض الأمور الروتينية بين بيروت ودبي (المكتب الرئيسي)، وأبرزها بعض المعاملات الخاصة بحفلات مغنين أبقوا على صلتهم بالشركة، على مبدأ تبادل المصالح، رغم أن بعضهم له في ذمة الشركة مستحقات مالية لم يحصل عليها لكنه يتغاضى عنها، ريثما تُحل الأزمة المالية، للشركة ويعود الانتعاش للسوق الفني كما كان في السابق.
تدرك شركة "روتانا" جيداً اليوم أنها فقدت مصداقيتها، بداية في التعامل مع نجوم كبار، كما هو حالها مع المغني المصري عمرو دياب، والذي كسب سلسلة من الدعاوى ضدها، تتعلق بالإخلال ببنود تعاقده الذي استمر لأكثر من عشر سنوات، ما دفع مدير "روتانا" للصوتيات سالم الهندي إلى التفاوض مع دياب، قبل شهرين، وتصريح المغنية شيرين عبد الوهاب بأن الهندي اضطر لدفع ثلاثة ملايين دولار لدياب من أجل إنهاء القضايا والدعاوى القضائية المرفوعة من قبل الطرفين، والتي لم تنته وفق المعطيات، وكان إصدار عمرو دياب ألبومه الجديد "معدي الناس" ضربة قاسية بوجه الشركة التي حاولت الحجر على "الهضبة" عبر القضاء المصري لكنها لم تحقق اي مكاسب.
الفنانون السعوديون
لم تجد روتانا، أمامها سوى بعض الفنانين السعوديين، ومنهم محمد عبده ورابح صقر والعراقي ماجد المهندس الذي تخلى عن جنسيته العراقية مقابل فوزه بالجنسية السعودية كمكرمة من الديوان الملكي قبل سنوات، هؤلاء بالنسبة لروتانا، يُشكلون اليوم نواة لبقاء شركة روتانا حاضرة في السوق العربي.
ويجند سالم الهندي مجموعة من موظفيه لتأمين كافة مستلزمات الراحة لهم، إن على صعيد الانتاج الفنّي، أو من خلال المساهمة في تنظيم النشاطات والحفلات التي يقيمونها في دول الخليج والعالم. اعتقاد الهندي أن هؤلاء الفنانين هم الملاذ الوحيد لبقاء الشركة على قيد الحياة، وتحقيق عائدات ومصاريف تسهم في عدم طرح فكرة بيع روتانا إلى مستثمر غربي، أو فقدان الهندي لعمله بعد أكثر من عشرين عاماً قضاها على سدة الحكم في شركة روتانا، حيث يشبه بعض المتابعين والفنانين أن منصب الهندي مُشابه أحياناً إلى مناصب بعض الرؤساء والأنظمة العربية التي عانت من قمع وتغليب الرأي الواحد، على الحرية والرأي الآخر، ولا بأس من توظيف هؤلاء في أغنية سياسية "علم قطر" تسيء إلى دولة مجاورة لأسباب ومنطق ضيق، سيعود دون شك بالضرر على الفنانين والشركة معاً.